الأمير سعود الفيصل: اللجنة التي كلفتها قمة بيروت حشد الدعم الدولي لمبادرة الأمير عبد الله سيعاد إحياؤها

قال بعد لقائه شيراك أمس إن هناك توافقا كبيرا في وجهات النظر السعودية والفرنسية

TT

كشف الامير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي ان اللجنة التنفيذية التي انبثقت عن قمة بيروت العربية عام 2002 التي انيطت بها مهمة الاتصال بالاطراف الدولية وحشد الدعم لمبادرة الامير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، للسلام في الشرق الاوسط، سوف يعاد احياؤها، كما انه من المنتظر ان تلتئم «قبل اجتماع الجامعة العربية القادم» في تونس. وأكد الامير سعود الفيصل ان اللجنة المذكورة التي تضم سبع دول عربية «ستقوم باجراء الاتصالات الدولية حول هذه المبادرة لأننا نرى فيها تلاؤما كبيرا مع خريطة الطريق».

واضاف الأمير سعود الفيصل ان «خريطة الطريق تسير بالمفاوضات الى الطريق لكنها لا تحدد نهاية لها بينما المبادرة العربية تحدد نهاية هذه الطريق وهي السلام الشامل مقابل الانسحاب (الاسرائيلي) الشامل».

وجاءت تصريحات الامير سعود الفيصل، في باريس امس، عقب لقاء مغلق جمعه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الاليزيه ودام ساعة وربع الساعة.

وخصص الاجتماع في شكل شبه كلي للمسائل الاقليمية، وتحديدا الوضع في الشرق الاوسط والنزاع العربي ـ الاسرائيلي والمبادرات المطروحة اميركيا واوروبيا حول الشرق الاوسط الكبير. وأعلن الامير سعود الفيصل انه «كان هناك توافق كبير في وجهات النظر» بين السعودية وفرنسا ازاء القضايا المطروحة. واضاف «هذا ليس غريبا، اذ نحن لا ننظر الى هذه القضايا الا من زاوية ايجاد الحلول الواقعية والعادلة». وأفاد بأن بلاده «لم تتسلم شيئا رسميا» عن المبادرة الاميركية الخاصة بـ«الشرق الأوسط الكبير» التي «نسمع عنها في الصحافة».

وبأي حال، يعتبر الامير سعود الفيصل ان هذه المبادرة «بما انها متعلقة بالشرق الأوسط، فلا بد من ان يتم بحثها في اطار الجامعة العربية»، في اشارة منه الى اجتماع وزراء الخارجية العرب في اوائل شهر مارس (آذار) من اجل التمهيد للقمة التي ستلتئم في تونس اواخر الشهر نفسه. وربط الامير سعود الفيصل عرض هذه المبادرات على القمة العربية بموافقة الدول العربية على طرحها على هذا المستوى، رافضا الخوض سلفا فيها او في ما سيقرره العرب بشأنها.

وقال الامير سعود الفيصل: «ولكن قبل ان نعرف ما هي (المبادرة الاميركية) وان نتسلم نصها، فلا يمكن ان اتنبأ بما يمكن ان يحصل بخصوصها».

وأفادت مصادر الاليزيه ان الرئيس شيراك ووزير الخارجية السعودي «عبرا خلال لقائهما عن قلق حقيقي ازاء تطور الوضع في العراق»، مشيرة الى «تطابق وجهات النظر في تحليل الوضع العراقي والمخاطر المترتبة عليه عراقيا وعلى المستوى الاقليمي». وبحسب هذه المصادر فان الطرفين اعتبرا انه «ليس هناك الكثير من العوامل التي تدفع الى التفاؤل بخصوص تطور الوضع العراقي فيما عوامل التشاؤم كثيرة»، مشيرة الى المطالب المتناقضة للاطراف العراقية من الاكراد والشيعة والسنة وتفاقم الانقسامات الداخلية واستمرار الهجمات ضد القوات الاميركية وانعدام الأمن وخلاف ذلك. وفهم ان الامير سعود الفيصل قد نبه الى ان «كل الاشارات في العراق اصبحت حمراء»، مما يشير الى درجة المخاطر الكامنة.

وفي سياق مواز، لفت الرئيس شيراك والامير سعود الفيصل الى «القلق» المترتب على وقف عملية السلام في الشرق الاوسط.

واحتلت المشاريع المطروحة للمنطقة الشرق اوسطية وأولها المشروع الاميركي مكانا بارزا في محادثات امس. وقالت الناطقة للرئاسة الفرنسية كاثرين كولونا ان «ثمة رغبة مشتركة لدى السعودية وفرنسا للاستمرار في التشاور في الاشهر القادمة» حول هذه المسألة فيما يبدو ان مواقف الطرفين متقاربة لجهة الاصرار على معالجة النزاع العربي ـ الاسرائيلي وعدم القفز فوقه لطرح مبادرات حول اصلاح وتحديث الشرق الاوسط الكبير.

وقالت كولونا ان للسعودية وفرنسا «شعورا مشتركا بأن مبادرة دعم جهود الاصلاح والتحديث في العالمين العربي والاسلامي يجب ان تترافق مع اطلاق السعي للوصول الى حل متفاوض عليه للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي».

وترفض المصادر الفرنسية الحجة الاميركية التي تقول انه لا يجوز جعل عملية الاصلاح والتحديث «رهينة» النزاع العربي ـ الاسرائيلي ولا يجوز انتظار ايجاد حل لهذا النزاع مثل التفكير باصلاح اوضاع هذه المنطقة. وتقول هذه المصادر ان هناك «علاقة قوية» بين المسألتين ولا يجوز تناول احداهما من غير تناول الاخرى.

ولا تعارض فرنسا المبادرة الاميركية التي ترد «ان اهدافنا مقبولة» و«يمكن الدفاع عنها». لكنها، بالاتفاق مع شركائها الاوروبيين وتحديدا المانيا وبريطانيا، ترفض ان تفرض المبادرة الاميركية من «فوق» وتريد بالتالي بلورة موقف اوروبي موحد، قد تسفر عنه القمة الاوروبية القادمة، في شهر مارس في دبلن (ايرلندا).

وقالت المصادر الفرنسية ان باريس وبرلين وصلتا بالتنسيق مع بريطانيا الى اتفاق يقضي اما ببلورة مقترحات اوروبية ظهرت باكورتها مع ما طرحه وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر او ما عرضه نظيره الفرنسي دو فيلبان او «العمل بشكل اوثق» مع الولايات المتحدة «من اجل الوصول الى شيء مشترك بدل ان يكون مشروعا منتهيا ومفروضا من فوق» ليس فقط على العرب، بل على الاوروبيين كذلك. وتعتبر هذه المصادر ان «المبادرة الاميركية لم تصل بعد الى صيغتها النهائية»، ولذا «من الممكن التأثير على توجهاتها ومستواها الآن»، مما يفسر المقترحات الاوروبية.

وتشدد باريس، وفق مصادرها، على ضرورة التشاور المسبق مع الدول العربية وهي المعنية الاولى بهذه المبادرة وهو ما تفعله منذ عدة اسابيع وستستمر في ذلك في الاسابيع القادمة.

ويأتي في هذا السياق، التشاور السعودي ـ الفرنسي وعزم الطرفين على الاستمرار فيه «في الاشهر القادمة».

وترى المصادر الفرنسية انه من «الصعب اليوم» رسم المراحل اللاحقة الخاصة بهذه المبادرة (الاميركية) والمبادرات الاخرى اما لأن هذه المبادرات ليست نهائية او لأن القائمين بها لم يكشفوا اوراقهم بشأنها.

وتصر هذه المصادر على القول ان الاتحاد الاوروبي «لم ينتظر المبادرة الاميركية من اجل طرح تصوره للاصلاح في الدول المتوسطية والعربية، مشيرة بذلك الى ان اتفاقيات الشراكة الاوروبية مع مجموعة كبيرة من الدول العربية منها الدول المغاربية ومصر ولبنان والاردن، علماً ان اتفاقيات الشراكة ليست فقط اقتصادية انما تتناول جوانب سياسية مثل حقوق الانسان ودولة القانون وخلافها. يضاف اليها برامج «يوروميد» و«ميدا» للانماء الاقتصادي والاجتماعي والانساني التي صرفت عليها اوروبا مليارات الدولارات.

والخلاصة التي تصل اليها فرنسا هي ان موقف باريس من المبادرة الاميركية «ايجابي»، لكن ثمة ضرورة لـ«الحيطة» والتشاور والتأثير على هذه المبادرة لتأخذ في الاعتبار، البعد السياسي وتحديدا النزاع العربي ـ الاسرائيلي الذي لا يمكن القفز فوقه للبحث في التحديث والاصلاح.