المطالب الكردية تدخل المناقشات حول مسودة الدستور في طريق مسدود

بريمر يرفض توسيع حدود كردستان والزعماء الأكراد يتهمون الولايات المتحدة بالتخلي عن تحالفها معهم

TT

تعرض التحالف القائم بين الحكومة الأميركية والأحزاب السياسية الكردية الرئيسية إلى قدر عال من التوتر في الأيام الأخيرة مع اتهام القادة الأكراد الأميركيين بالسعي إلى قطع الطريق أمام آمالهم القديمة بحكم ذاتي في الدولة العراقية الجديدة. وقال هؤلاء القادة إن المسؤولين الأميركيين يضغطون عليهم للتخلي عن بعض مطالبهم الأساسية المتعلقة بالحكم الذاتي أثناء تفاوضهم مع التنظيمات العراقية الرئيسية الأخرى ومع الشيعة والسنّة العرب حول إقرار دستور مؤقت يرسم الطريق الذي سيسير فيه العراق حتى نهاية السنة المقبلة.

وقال القادة العراقيون العرب والأكراد إن المفاوضات حول الدستور وصلت إلى طريق مسدود بسبب ثلاث عقبات: مصير قوات «البيشمركه» الكردية البالغ عددها 60 ألف فرد، والتي يريد القادة الأكراد الاحتفاظ بها; وحدود الإقليم الكردي ذي الحكم الذاتي والذي يريد القادة الأكراد توسيعه، والحصة المخصصة للمنطقة الكردية من عوائد النفط. ويقول القادة الأكراد إنهم يريدون أيضا عكس عمليات التهجير للاكراد، في ظل النظام السابق، لا سيما من كركوك قبل إجراء انتخابات على الصعيد الوطني في السنة المقبلة لاختيار حكومة دائمة. ويقول القادة الأكراد أيضا إنهم يشعرون بشكل خاص بالمرارة من القادة الأميركيين الذين قالوا عنهم إنهم نسوا العلاقة الخاصة التي تنامت بين الأكراد والولايات المتحدة أثناء حرب الخليج عام 1991 حينما توحدوا ضد صدام حسين. وقال محمود عثمان أحد أعضاء مجلس الحكم الأكراد «هل نسي الأميركيون أن الأكراد هم أفضل حليف لهم في الشرق الأوسط؟ بعد كل ما مر به الشعب الكردي من أعمال قتل وإبادة لا أستطيع أن أذهب إليه وأطلب منه أن يقبل بالأمور التي يسعى الأميركيون لفرضها علينا. الشعب الكردي لن يقبل بها».

وحسبما قال مسؤولون أكراد وعرب فان الحاكم المدني الاميركي بول بريمر أخبر الأكراد أنه لن يقبل مطالبهم الثلاثة الآنفة الذكر. ويشكل هذا المأزق اختبارا لبريمر الذي يواجه مهمة إيجاد حل وسط لمطالب الأطراف العراقية الثلاثة في الوقت الذي يتم معه وضع الإطار الذي سيسمح لبقاء العراق موحدا بعد مغادرة الأميركيين. وقال المسؤولون الأكراد إن بريمر حاول كسر هذه العقبة التي وقفت أمام المفاوضات بالسفر إلى مقر الزعيم الكردي مسعود بارزاني حيث قضى هناك ليلة لكنه عاد الى بغداد بخفي حنين.

وقال روش شاويس أحد القادة في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه بارزاني إن هذه المطالب «هي حقوقنا ـ نحن حاربنا طويلا من أجلها. تجربة الدولة العراقية فشلت سابقا ونحن لا نريد أن نكرر نفس الأخطاء». وتجنب المسؤولون الأميركيون، من جانبهم، التعليق على المفاوضات. وفي المؤتمر الصحافي الذي عُقد يوم الخميس الماضي حين سئل بريمر حول النفط والميليشيا والأراضي المتنازع حولها، لكنه مع تجنبه الخوض في تفاصيل موضوعي النفط والأراضي، قال إنه يتوقع حل الميليشيا الكردية التي حاربت الدولة المركزية لعقود طويلة أو ضمها إلى الجيش الذي سيكون تحت سلطة بغداد المركزية.

ويهدد موقف القادة الأكراد الذين يمثلون ما يقرب من 20 في المائة من سكان العراق الوصول إلى اتفاق حول الدستور المؤقت، وهذا سيشكل انتكاسة لجهود إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش لخلق حكومة مستقلة انتقالية. ويعارض القادة العرب معظم المطالب الكردية التي ستبقي لشبه الدولة الكردية في شمال العراق جيشها ونظامها الضريبي وبرلمانها وقضاءها. وقال بريمر «نحن كنا واضحين في المناقشات مع القادة الأكراد وغيرهم. إننا نؤمن بأنه ليس هناك في عراق مستقر ومستقل أي مكان لفئات مسلحة ليست تحت سيطرة كيان واحد تابع للحكومة المركزية».

كذلك يرى القادة العراقيون العرب أن المطالب الكردية هي الخطوة الأولى لتقسيم العراق. وقال فيصل الاستربادي، أكبر مساعدي عدنان الباجه جي عضو مجلس الحكم المؤقت إن «هذه الأفكار لن تحقق ظهور بلد متكامل واحد». وكان الدستور المؤقت الذي وافقت عليه واشنطن قد شارك في كتابته المحامي الاستربادي الذي يعيش في منطقة شيكاغو مع المحامي سليم الجلبي ابن أخي أحمد الجلبي العضو في مجلس الحكم أيضا.

وكان المشاركون في كتابة مسودة الدستور المؤقت يعتزمون الاجتماع أمس لمناقشة المطالب الكردية وعدد من التعديلات المقترحة من قبل بعض الأعضاء العرب في مجلس الحكم المؤقت. وتريد إدارة بوش أن يكتمل الدستور المؤقت قبل انتهاء يوم 28 فبراير(شباط)، على الرغم من أن عددا من المشاركين في عملية إقرار الدستور المؤقت يقولون إنهم على قناعة باستمرار المفاوضات إلى ما بعد ذلك الأجل.

وطرِحت المطالب الكردية ضمن فصل إضافي ملحق في مسودة الدستور الانتقالي تم بثه عبر موقع «حكومة كردستان الإقليمية» على الانترنت الجمعة الماضي. وحسب هذا الملحق فإن النقطة المركزية هي مسألة سيطرة الحكومة المحلية على قوات «البيشمركة» بعد تغيير اسمها إلى «الحرس الوطني لكردستان العراق». وضمن المقترحات الكردية يكون البرلمان الكردي مسؤولا عن «تنظيم وتشغيل وتطوير وإدارة» الحرس الوطني الخاص بالمنطقة الكردية. وعلى الرغم من أن القادة الأكراد يريدون إبقاء السلطة الاسمية على قوات الميليشيا الكردية تحت سلطة وزير الدفاع المدني في بغداد فإن السيطرة الفعالة عليها ستبقى في يد الحكومة الإقليمية الكردية.

كذلك تمنع الوثيقة الكردية دخول أية قوات عراقية أخرى إلى المنطقة الكردية بدون موافقة البرلمان الكردي. وقال شاويس «إن ذلك سيكون ضمانة للدفاع عن النفس بالنسبة للشعب الكردي». من جانبه قال قباد طالباني أحد القادة البارزين في الاتحاد الوطني الكردستاني إن «شعب كردستان لن يقبل بدخول أي جيش عراقي جديد في المنطقة الكردية. إنه مع الأسف الواقع الذي نواجهه».

كذلك يصر القادة الأكراد على أن القوانين المتعلقة بالسياسة الخارجية أو القضايا الخاصة بالوطن ككل والتي تدخل ضمن مسؤوليات الحكومة الوطنية للعراق لا يمكن المصادقة عليها بدون موافقة «المجلس الوطني الكردي» كي تأخذ مفعولها فوق الأراضي الكردية. وبرر القادة الأكراد ذلك لأنهم يريدون الحرية التي تسمح لهم رفض أي تشريعات تتخذها الحكومة الوطنية تكون منطلقة من تأويل مختلف للشريعة الإسلامية.

* خدمة «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»