اتساع الرفض المسيحي لانضمام لبنان إلى الـ«إيسيسكو» والحكومة تتجه لاستعادة المشروع من «درج» رئيس البرلمان

TT

بلغت المعارضة المسيحية لمشروع القانون الذي بعثت به الحكومة الى مجلس النواب والقاضي بانضمام لبنان الى المنظمة الاسلامية للتربية والتعليم (ايسيسكو) الذروة باعلان البطريرك الماروني نصرالله صفير رفضه لهذا الانضمام، واصفاً هذا الامر بـ«الخطر الذي لا يتهدد المدرسة فحسب في لبنان بل الثقافة اللبنانية بأسرها». وفي المقابل رد وزير الثقافة غازي العريضي مؤكداً ان لا وجود لأية خلفية طائفية او مذهبية وراء اقرار هذا المشروع، لافتاً الى ان خمسة عشر وزيراً مسيحياً شاركوا في دراسة المشروع ولم يعترضوا عليه. وتابع العريضي ان ارساله الى مجلس النواب يفسح المجال لمناقشته كما ان بامكان الحكومة استرداده.

البطريرك صفير كان قد توقف مطولاً عند هذا الموضوع في «رسالة الصوم» التي اذاعها اول من امس، مشيراً الى ان لبنان يمتاز بوجود ديانتين، وبالتالي ثقافتين وحضارتين فيه هما: المسيحية والاسلام، فيما ينص ميثاق المنظمة في بنده الخامس على جعل «الثقافة الاسلامية محور مناهج التعليم في جميع مراحله». كما ينص في بنده السادس على «إضفاء الصبغة الاسلامية على كل مظاهر الفن والثقافة والحضارة». وخلص البطريرك بعد هذا السرد الى طرح السؤال: «اين الثقافة المسيحية؟ وهل هذا يعني ان لبنان فقد طابعه الجوهري واصبح بلداً اسلامياً وهو يتميز بالتعايش الاسلامي ـ المسيحي ويعد نموذجاً في هذا المجال؟» واعلنت قيادات وشخصيات وتنظيمات سياسية مسيحية، بدورها، انتقادها لهذا المشروع من بينها «حزب الوطنيين الاحرار» و«الرابطة المارونية» التي اصدرت بياناً بالتزامن مع رسالة البطريرك طالبت فيه الحكومة باصدار مرسوم لاستعادة مشروع انضمام لبنان الى «ايسيسكو» من مجلس النواب، معتبرة اياه مخالفاً للدستور ومناقضاً لمقتضيات العيش المشترك والوفاق الوطني.

ورأى رئيس الرابطة الوزير السابق ميشال اده، المعروف عنه الاعتدال في مواقفه السياسية، ان الثقافة اللبنانية «منفتحة على كل الحضارات، لذلك من الضروري استعادة مشروع الانضمام الى ايسيسكو». واعتبر المشروع «مخالفاً للدستور وللعيش المشترك، ولا يمكن ان نكون اعضاء في ايسيسكو، ولا يمكن ان نجعل الثقافة الاسلامية كما لا يمكن ان نجعل الثقافة المسيحية محور المناهج التربوية في كل مراحلها».

وكشف اده عن اتصال بين رئيس الجمهورية والبطريرك صفير طلب فيه الاخير بان تعالج هذه القضية، وطلب لحود بدوره من الرئيس بري سحبه من التداول. وقال اده: «نحن منفتحون على الجميع، ليس هناك دين للدولة، وثقافتنا منفتحة على كل الحضارات».

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي احيل اليه مشروع المرسوم الذي يحمل الرقم 11260 والصادر عن رئيس الجمهورية اميل لحود في الثلاثين من شهر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي والموقع من رئيس الحكومة ووزراء التربية والثقافة والخارجية والمالية، قد تنبه لمحاذيره ولما قد يسببه من شرخ في الجسم اللبناني، فأودعه درجه الخاص خلافاً لمشاريع القوانين التي ترده من الحكومة، حيث يعمد الى احالتها على اللجان النيابية دون أي تأخير. وتقول اوساط مقربة من بري لـ«الشرق الأوسط» ان موقف رئيس البرلمان افسح المجال امام الحكومة للخروج من هذه الورطة بعدما تصاعدت الاصوات الرافضة لانضمام لبنان الى «ايسيسكو»، وقد بات امكانها الطلب باسترداد المشروع وطي الموضوع من أساسه.

وفي حين تردد ان الزيارات الثلاث التي قام بها مستشار رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري الدكتور داود الصايغ الى بكركي (مقر البطريركية المارونية) في الاسبوع الماضي تصب في خانة طمأنة البطريرك صفير من ان الحكومة متجهة الى استرداد المشروع وغض النظر عنه، نفى الصايغ لـ«الشرق الأوسط» ان يكون الهدف من هذه اللقاءات البحث في مسألة انضمام لبنان. الا ان وزير الثقافة غازي العريضي، وهو احد الموقعين على المشروع المحال الى مجلس النواب، اكد لـ«الشرق الأوسط»: «ان الضجة المثارة حوله اعطيت حجماً اكبر منه وباعتباري الوزير المعني بهذا المشروع، فاني اؤكد ان الخلفية التي انطلقنا منها عند مناقشته واقراره بعيدة كل البعد عن المذهبية والطائفية ولا يزايدن علي احد في هذا الموضوع. وجل ما في الامر ان لبنان عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي التي انبثقت منها «ايسيسكو» ورئيس الجمهورية يشارك في اجتماعات المؤتمر الاسلامي وقد اعد هذا المشروع من قبل وزير الثقافة السابق الدكتور غسان سلامة وطلبت المنظمة مشكورة ان ينضم لبنان اليها، وما يعني ذلك من فائدة له على المستوى الثقافي والفكري، مع حرصنا الاكيد على خصوصية مناهجنا التعليمية وتنوع ثقافتنا». واذ اعرب العريضي عن تفهمه للهواجس والملاحظات التي اثيرت حول المشروع، اوضح «ان خمسة عشر وزيراً مسيحياً كانوا حاضرين الجلسة التي تمت فيها دراسة المشروع. ولو كان هناك ما يثير الريبة فيه لما وافق هؤلاء الوزراء عليه. كما ان إرساله الى مجلس النواب يعني افساح المجال لدراسته ومناقشته وتعديله، كما ان بامكان الحكومة استرداده». وتوقف العريضي عند ما ذكره النائب بطرس حرب في حديثه لاذاعة «صوت لبنان» امس من ان احد الوزراء اخبره بأن المشروع لم يمر بمجلس الوزراء، وقال «ان هذا يؤكد ما سبق ان اشار اليه اكثر من مرة من ان هناك وزراء يقولون خارج الجلسة عكس ما يفعلونه داخلها. والمعيب ان يطلع هذا الوزير او ذاك امام وسائل الاعلام ليتحدث عن بطولات وهمية». من ناحية أخرى، آثر وزير التربية والتعليم العالي سمير الجسر عدم التعليق على الموضوع في الوقت الحاضر، مشيراً الى انه سيعيد النظر في مشروع القانون وما ورد فيه من تفاصيل متعلقة بالاتفاقية مع «ايسيسكو»، على ان يدلي برأيه حولها في الايام الثلاثة المقبلة.