الإصلاحيون يعترفون بالهزيمة في الانتخابات الإيرانية

تباين كبير في أرقام المشاركة الشعبية ووزارة الداخلية تصدر أول أرقام رسمية اليوم وسط اتهامات بتزوير نسب التصويت

TT

أظهرت النتائج الاولية للانتخابات التشريعية الايرانية المثيرة للجدل أن المحافظين يتجهون لتحقيق فوز كاسح في الدوائر التي تم فرز اصوات ناخبيها حتى الآن، ومع فرز اصوات اكثر من 150 دائرة انتخابية اعترف الاصلاحيون بهزيمتهم في الانتخابات التي وصفوها بأنها «سباق بلا منافسة»، الا ان تقديرات المحافظين والاصلاحيين تباينت بشدة حول نسبة التصويت، ففي حين ذكر مسؤولون محافظون ان نسبة التصويت بلغت ما بين 43 في المائة الى 48 في المائة، اكدت دوائر مقربة من الاصلاحيين ومصادر مستقلة ومعارضة ان الاقبال على التصويت كان متدنيا بشدة وانه بلغ نحو 6 في المائة فقط. ومن المتوقع ان تعلن وزارة الداخلية الايرانية اليوم اول ارقام رسمية حول النتائج ونسبة المشاركة. وقال محلل في مركز الدراسات البرلمانية ان احصائيات غير رسمية لوزارة الداخلية تظهر أن المحافظين فازوا بمقاعد 43 دائرة من بين 83 دائرة أعلنت نتائجها من اجمالي عدد المقاعد المتنافس عليها والبالغ 289 مقعدا في الانتخابات التي جرت اول من أمس. فيما فاز الاصلاحيون بمقاعد 21 دائرة و فاز مستقلون غير معروفة ولاءاتهم بالمقاعد البرلمانية الباقية. وستجرى انتخابات اعادة في وقت لاحق في 17 دائرة انتخابية لم يحصل المرشحون فيها على أكثر من 25 في المائة من أصوات الناخبين.

كما دلت عملية فرز الاصوات التي انتهت في حوالي ستين دائرة انتخابية صغيرة في الارياف على ان مرشحين على لائحة «الائتلاف من اجل ايران» الاصلاحية او مدعومين منها فازوا بتسعة مقاعد فقط في هذه الدوائر. علما بأن احدهم مدعوم في وقت واحد من الاصلاحيين والمحافظين. وكان «الائتلاف من اجل ايران» تشكل في اللحظة الاخيرة عشية الانتخابات من 206 مرشحين في كل المناطق. وعشرة من الفائزين بغالبية الاصوات هم من المحافظين، بينما ينتمي تسعة آخرون الى «حزب الاعتدال والتنمية» المحافظ المعتدل. وقد يتم الاعلان عن النتائج النهائية للانتخابات في الدوائر البالغ عددها 207 اليوم.

وتتطابق النتائج الاولية مع التوقعات التي كانت رجحت كلها فوز المحافظين، بعدما رفض مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون 2300 ترشيح معظمها لاصلاحيين. ولكن العامل الذي يعلق عليه المراقبون اهمية قصوى هو نسبة المشاركة، في الانتخابات والتي لا تزال مجهولة، واعلنت وزارة الداخلية انه لم يمكن الاعلان امس عن نسبة المشاركة وانها ستعلن اليوم. غير ان التقديرات الاولية للمحافظين والاصلاحيين تباينت بشدة حول نسبة المشاركة ففيما رفعتها دوائر المحافظين لما يصل الى 50 في المائة كما يأملون، اكدت دوائر الاصلاحيين ومستقلين ومعارضين انها كانت بين 20 في المائة الى 6 في المائة. ونقلت وكالة الانباء الطلابية عن رئيس لجنة الاشراف على الانتخابات في طهران، التابعة لمجلس صيانة الدستور، احمد عظيم زاده ان عدد المشاركين في الانتخابات التشريعية في دائرة طهران وصل الى حوالي 40 في المائة. واضاف «يجب ان ننتظر ولكن ما تمكنا من جمعه حتى الآن يدل على ان عدد الاصوات التي حصل عليها ائتلاف رواد البناء (المحافظون) اعلى من عدد الاصوات التي حصل عليها الآخرون».

واعلنت وزارة الداخلية الايرانية المسؤولة عن تنظيم الانتخابات التشريعية انه تم حتى ظهر امس فرز اكثر من 14 مليون صوت. وهذا هو الرقم الرسمي الوحيد الذي صدر حتى الآن في شأن المشاركة، الا انه لا يسمح باستنتاج نسبة المشاركة في الانتخابات. ولم تذكر وزارة الداخلية عدد الناخبين المسجلين في الدوائر المائة والعشرين التي انتهى فرز الاصوات فيها. غير ان مسؤولاً كبيراً بالحكومة قال ان بين 20 و22 مليونا من بين عدد الناخبين البالغ 46 مليونا أدلوا بأصواتهم في الانتخابات. واذا تأكدت هذه الاحصائيات فان الاقبال يكون قد تراوح بين 43 و48 في المائة بانخفاض كبير عن نسبة 67 في المائة الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية عام 2000 عندما فاز حلفاء خاتمي الاصلاحيون بثلثي عدد المقاعد.

ومن ناحيتها، نقلت وكالة الانباء الطلابية الايرانية عن مسؤول في طهران قوله ان المشاركة في الانتخابات التشريعية في طهران الكبرى ،الدائرة الانتخابية التي تقع ضمنها العاصمة وضواحيها، بلغت بين 28 الى 30%. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته ان «تقديراتنا تشير الى مشاركة ما بين 7.1 الى 8.1 مليون ناخب في عملي الاقتراع.

غير ان المعارضة الايرانية في الخارج ذكرت ان المشاركة في الانتخابات لم تتجاوز 6 في المائة وان الارقام الرسمية مزورة. واستنادا الى تقارير معارضين ايرانيين من الاف الدوائر الانتخابية والتقارير السرية لوزارة الداخلية، فان ما بين 2.5 الى 3 ملايين شخص فقط شاركوا في الانتخابات، اي ما نسبته 6 في المائة ممن يملكون حق الاقتراع البالغ عددهم 48 مليون شخص. كما اكد مسؤولون اصلاحيون تدني نسبة المشاركة، ووصفوا الانتخابات بأنها مزورة.

وفي اول رد فعل اصلاحي على النتائج، اقر مصطفى تاج زاده، المسؤول في «جبهة المشاركة»، ابرز حزب اصلاحي في ايران امس بهزيمة حزبه في الانتخابات معتبرا في الوقت نفسه ان المحافظين لا يحظون الا بدعم 15% من الشعب. وقال تاج زاده ان «المحافظين سيحصلون على الاكثرية في البرلمان»، مشيرا الى ان الاصلاحيين «سيشكلون اقلية يتراوح عدد افرادها بين 60 الى 100 عضو» من اصل 290 في مجلس الشورى. واضاف «بحسب تقديراتنا، ان نسبة المشاركة في الانتخابات كانت ادنى من 30% في طهران، وادنى من 50% في كل انحاء البلاد». ورأى ان الانتخابات لم تكن عادلة، وقال «لو تم تنظيم انتخابات حرة، لحصل الاصلاحيون على غالبية من 200 مقعد». وتابع تاج زاده «يمكنني ان اقول بثقة ان المحافظين يحظون بدعم 15% فقط من المجتمع».

غير ان مجلس مجلس صيانة الدستور اكد ان الانتخابات تميزت بمشاركة «حماسية» من شأنها ان تؤدي الى تقوية النظام. وجاء في بيان صادر عن المجلس نقلته وكالة الانباء الايرانية الرسمية ان «مثل هذه التظاهرة الحماسية والواعية سيكون من شأنها تدعيم النظام، وتابع البيان ان «شعب ايران النبيل والشجاع والديني والثوري كتب، عبر مشاركته الثابتة والقوية، صفحة جديدة من التاريخ، اكثر مجدا واشراقا» من الصفحات الماضية. واعرب المجلس عن ثقته بأن الانتخابات التشريعية ستؤدي الى وصول «مجلس قوي وفاعل يقوم على روحانية الدين».

وقال البيان انه من خلال التصويت بأعداد كبيرة «أحبط الايرانيون جميع مؤامرات وخطط أعداء الدين والامة بمن فيهم الشيطان الاعظم أميركا». ويشرف مجلس صيانة الدستور على الانتخابات، وهو الذي رفض ترشيحات معظم الشخصيات الاصلاحية البارزة بحجة اخلالها بالاحترام الواجب للدستور والاسلام.

كما سارع الرئيس الايراني الاسبق المحافظ علي أكبر هاشمي رفنسجاني بتأكيد أن الاقبال على التصويت أفضل من الاقبال في الانتخابات الاميركية التي دخل رئيسها الفائز بنسبة 25 في المائة فقط من أصوات الناخبين الى البيت الابيض بحكم محكمة.

الى ذلك، أعربت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عن قلقهما من اجراء الانتخابات خاصة بعد الحظر الذي فرض على المرشحين الاصلاحيين. وقال ادم اريلي المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية للصحافيين: «هذه الاعمال لا تمثل انتخابات حرة ونزيهة ولا تتفق مع الاعراف الدولية». وبموجب الدستور الايراني لا يتعين على الحكومة أن تقدم استقالتها بعد الانتخابات البرلمانية. لكن المجلس الجديد الذي يمثل فيه العديد من النواب السابقين من التسعينيات ربما يحاول عزل الوزراء الاكثر ليبرالية في حكومة خاتمي كما فعلوا في عام 1999. والاغلبية المحافظة الجديدة ستجعل خاتمي يقضي الفترة المتبقية لولايته ومدتها 16 شهرا في عزلة داخل جهاز للدولة يسيطر المتشددون فيه بالفعل على القوات المسلحة والميليشيات الاسلامية والقضاء والمجالس الرقابية.