الانتخابات التشريعية الإيرانية تسجل أقل نسبة تصويت في تاريخ الجمهورية الإسلامية وخامنئي يعتبرها «انتصارا للأمة»

المحافظون يفوزون بـ133 مقعدا من أصل 192 تم فرز أصواتها مقابل 37 فقط للإصلاحيين

TT

اظهرت اول ارقام رسمية اعلنتها وزارة الداخلية الايرانية حول نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الجمعة الماضي، ان هذه الانتخابات شهدت اقل نسبة مشاركة شعبية في تاريخ الجمهورية الاسلامية، اذ بلغت 50.6 في المائة، وشكك الاصلاحيون الايرانيون في النسبة فورا وقالوا انها مبالغ فيها جدا، غير ان اجواء التوتر والصراع بلغت مستوى لم تشهده ايران من قبل في انتخابات بمثل هذه الاهمية، اذ اندلعت اعمال عنف دامية في العديد من المدن الايرانية احتجاجا على النتائج او للمطالبة باعادة فرز الاصوات مما ادى الى مقتل ما لا يقل عن ثمانية اشخاص واصابة العشرات واعتقال عشرات آخرين حتى الان، اضافة الى قيام العشرات باحراق مبان حكومية وسيارات، مما اسفر عن خسائر مادية بلغت 3.5 مليون دولار، فيما اشارت النتائج التي اعلنت حتى الان الى ان المحافظين فازوا بـ133 مقعدا من اصل 192 تم فرز اصوات ناخبيها حتى الان، بينما فاز الاصلاحيون بـ37 مقعدا فقط. واعلنت وزارة الداخلية الايرانية ان نسبة اقبال الناخبين على الانتخابات التشريعية المتنازع عليها والتي قاطعتها أحزاب اصلاحية بارزة بلغت 50.6 في المائة. وتقل هذه النسبة عن نسبة الاقبال على الانتخابات التي جرت عام 2000 وبلغت 67 في المائة، كما انها أقل نسبة اقبال على الانتخابات البرلمانية منذ الثورة الاسلامية عام 1979، وبحسب الوزارة فان اقل نسبة اقبال جاءت في العاصمة الايرانية طهران وبلغت 33.8 في المائة فقط. وكانت ادنى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية تلك التي سجلت في انتخابات اول مجلس شورى في 14 مارس (آذار) عام 1980 وبلغت 52.14%. كما اوضحت الوزارة في موقعها على الانترنت ان اجمالي 23 مليونا و438 الف ناخب ادلوا بأصواتهم في الانتخابات من بين 46 مليونا و351 الف ناخب. غير ان اصلاحيين شككوا فورا في ارقام وزارة الداخلية، وقالوا انها مبالغ فيها جدا. وبحسب آخر الارقام التي اعلنت حتى الان فإن المحافظين حققوا فوزا كاسحا، اذ انهم فازوا حتى الان بـ133 مقعدا من اصل 192 مقعدا تم الانتهاء من فرز اصوات ناخبيها، ويلزم على المحافظين الفوز بـ146 مقعدا لتحقيق الاغلبية، بينما فاز الاصلاحيون بـ37 مقعدا فقط والمستقلون بـ17 مقعدا، وخصصت خمسة مقاعد للأقليات الدينية، وذلك من اجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 289 مقعدا. ومن المتوقع اعلان النتائج الرسمية النهائية خلال يومين. وستجرى دورة ثانية للانتخابات الشهر المقبل في 46 دائرة لم ينل فيها المرشحون الحد الادنى من الاصوات المحدد بـ25%. اما في طهران التي تكتسب نتائجها اهمية بالغة في الانتخابات والتي يمثلها في البرلمان 30 نائبا، فان ارقام وزارة الداخلية بعد فرز خمس اصوات دوائر طهران تشير حتى الان الى ان مرشحي ائتلاف المحافظين «التحالف من اجل تقدم ايران الاسلامية» يحتلون المراكز الثلاثين الاولى في عدد الاصوات التي حصلوا عليها، واذا ما استمرت الاوضاع على هذه الوتيرة فان هذا يعني ان المحافظين سيسيطرون على طهران سيطرة كاملة. ويتشكل تحالف المحافظين في طهران من مرشحين يعملون في الحرس الثوري والمليشيات الاسلامية «الباسيدج» ورجال الدين، وهي قائمة لا تعد بالكثير من التسامح مع حريات الرأي والتعبير. ومع ورود المؤشرات حول نتائج الانتخابات، خرج المرشد الاعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي عن تحفظه امس وقال في تصريحات صحافية: ان نتائج الانتخابات هزيمة للاميركيين والاسرائيلين واعداء الجمهورية الاسلامية وانتصار للامة الايرانية. واشاد خامنئي بما سماه التكالب على التصويت في الانتخابات، معربا عن تقديره للايرانيين. وعلى النقيض من تلك الاجواء.

وفي مؤشرات خطيرة، اعلن مسؤولان محليان ان ثمانية على الاقل قتلوا حتى الان في اشتباكات في بلدتين بجنوب ايران بسبب نتائج الانتخابات. واوضح المسؤولان ان أربعة قتلوا في بلدة فيروز آباد باقليم فارس الجنوبي في احتجاجات اول من امس بعد أن أعلن مكتب حاكم البلدة نسبة اقبال مرتفعة بشكل غير متوقع على الانتخابات في البلدة التي تشهد تنافسا شديدا بين مرشح اصلاحي ومرشح من المحافظين. واضافوا ان مئات المحتجين استشاطوا غضبا بعد ان أصابت الشرطة بالرصاص أحد المحتجين.

ونقلت وكالة الطلبة الايرانية للانباء عن مسؤول محلي لم تذكر اسمه قوله: ان أربعة اخرين قتلوا في اقليم خوزستان عندما اشتبكت الشرطة مع مجموعة من المحتجين على نتائج الانتخابات في احدى بلدات الاقليم. وقال المسؤول ان المحتجين حاولوا اقتحام مكتب حاكم البلدة وهاجموا مباني حكومية وقضائية. واضاف المسؤول «المتظاهرون كانوا يريدون مهاجمة مقر حكومي في المدينة الا ان قوات الشرطة منعتهم. عندها هاجموا مقر البلدية وعددا من المصارف فاطلقت قوات الامن النار واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم». واضاف ان النائب المنتخب المحافظ سيد هادي طبطبائي «لم يصب بأذى» موضحا انه «لم تحصل اي مشكلة خلال الانتخابات» تبرر اعمال العنف هذه. وحسب نائب الحاكم فان انصار مرشح مهزوم هم الذين كانوا يحتجون على هذه الهزيمة. وقال المسؤول المحلي ان المحتجين بدأوا يلحقون أضرارا بسيارات الشرطة ويهاجمون مباني حكومية في اشتباكات لاحقة مما أسفر «لسوء الحظ عن مقتل ثلاثة مدنيين وشرطي صباح اول من امس». وقال مسؤول محلي آخر رفض الكشف عن اسمه «يطلب الناس اعادة عد الاصوات للحيلولة دون أي احتمال لوقوع تلاعب». ونقلت الوكالة عن مصدر آخر ان «البعض ظن انه قادر على التشكيك في شرعية الاقتراع». واضاف مسؤول محلي انه تم توقيف نحو ثلاثين من مثيري الشغب واعترفوا بذنبهم مقدرا قيمة الاضرار التي لحقت بالمباني العامة بـ3.5 مليون دولار. واضاف المصدر ذاته ان «بعض السكان كانوا يريدون الاحتجاج على التزوير في الانتخابات وطالبوا باعادة فرز الاصوات وفتحت الشرطة النار»، مشيرا الى اصابة ستة اشخاص بجروح. وتابع ان «النائب المحافظ المنتخب يونس موسوي حصل على عدد مرتفع جدا، غير طبيعي، من الاصوات». وكانت وكالة الانباء الطلابية قد ذكرت ان تسعة اشخاص جرحوا في مواجهات بعد اعلان نتائج الانتخابات في دائرة ايزه. كما اشارت الى وقوع اضطرابات في دائرة داشتي بالجنوب الغربي.

وحذر مراقبون من ان اندلاع اعمال عنف بهذه الخطورة وبهذا الحجم بعد ساعات قليلة من اعلان بعض النتائج غير النهائية، مؤشر على حجم الاحباط الشعبي. مشيرين الى ان الحقبة المقبلة قد تشهد فعلا ما حذر منه البعض وهو الصدع بين مؤسسات الجمهورية والشعب. وذكروا ان وجود وجوه اصلاحية في مؤسسات النظام قريبة من الشارع كان عامل الوصل الاساسي بين الايرانيين ومؤسسات الدولة المحافظة، وغياب هذه الوجوه يعني على الارجح ان الايرانيين سيفقدون كل حماسة تجاه المشاركة في الانتخابات، خاصة اذا تميزت الانتخابات المقبلة بغياب التعدد السياسي والثقافي على غرار الانتخابات الحالية. ومن غير الواضح حتى الان كيف سيكون بامكان المحافظين الابقاء على شعلة الاهتمام السياسي متقدة لدى الايرانيين اذا احكموا سيطرتهم على مؤسسة الرئاسة كما يخططون لعام 2005 مع انتهاء ولاية خاتمي الثانية والاخيرة، غير ان من بين الخيارات المتاحة للمحافظين تحسين الاوضاع الاقتصادية وتعزيز انفتاح الجمهورية الاسلامية على الغرب. اما خيار تحسين سجل الحريات الداخلية وحقوق الرأي والتعبير فهو مستبعد حتى الآن من اجندة المحافظين. الى ذلك بدأت قضية الانتخابات الايرانية تتفاعل دوليا، اذ ان الوضع في ايران سيشكل احد موضوعين رئيسيين تناقشهما اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي اليوم في بروكسل اليوم. وبحسب دبلوماسيين غربيين، فان اعتماد اعلان مشترك من الاتحاد حول الانتخابات الايرانية في هذا الشأن امر غير أكيد. فقد يعبر الوزراء عن قلقهم بعد استبعاد الاصلاحيين الايرانيين، متفادين في الوقت نفسه التشكيك بالعملية الانتخابية نفسها كي لا يفسحوا المجال امام سيل من الاتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية الايرانية. واعلنت مسؤولة في المفوضية الاوروبية يوم الجمعة الماضي ان الاتحاد الاوروبي لا يزال «قلقا» ازاء الظروف التي رافقت الانتخابات في ايران، لكنه لا يعتزم اعادة النظر في سياسة الحوار التي يتبعها مع طهران.

الى ذلك، شجب المتحدث باسم الخارجية الايرانية حميد رضا آصفي بشدة الانتقادات الاميركية للانتخابات التشريعية الايرانية. وقال اصفي في مؤتمر صحافي امس: ان الولايات المتحدة من البداية غير سعيدة برؤية انتخابات ديمقراطية في الجمهورية الاسلامية. واضاف ان الاميركيين الذين يكرهون ايران كانوا يأملون ان يقاطع الايرانيون الانتخابات، غير ان العكس حدث وشاركوا باعداد كبيرة. وكانت وزارة الخارجية الاميركية قد وصفت اول من امس الانتخابات الايرانية بأنها لم تكن «نزيهة ولا عادلة»، وذلك تعليقا على اقصاء آلاف الاصلاحيين من خوضها.