أول مركز للرعاية النفسية يستقبل وجبة من ضحايا التعذيب في العراق

TT

بغداد ـ رويترز: عراقي عجوز متغضن الجلد مقوس الظهر يئن من الالم يجرجر قدميه مستندا الى ابنته ويدخل الغرفة.

يجلس في مقعد ويبدأ جلسة مع معالج يأمل ان يساعده في علاج صدمة نفسية أصابته على أيدي أعوان نظام صدام حسين.

كان الرجل ضمن أول دفعة من المرضى في مركز العراق للرعاية النفسية لضحايا التعذيب، أول مؤسسة من نوعها في البلاد.

بمساعدة قيمتها 100 ألف دولار من سلطة التحالف المؤقتة وبقيادة الولايات المتحدة، أنشأت مجموعة صغيرة من المتخصصين عيادة صغيرة في بغداد لعلاج المشاكل النفسية لضحايا التعذيب والحرب والسجن.

يقول الاطباء انهم يواجهون تحديا مزدوجا نظرا للعقلية العراقية التي تعتبر العلاج النفسي ضعفا وتنظر بشيء من القسوة الى الاضطرابات العقلية.

وقال الدكتور بديع خلف مدير العيادة «يفترض دائما انهم أناس أقوياء. لذلك يصعب عليهم الانفتاح نفسيا. وأحيانا تأتي الينا الزوجة أولا».

وخلف طبيب سابق بالجيش تدرب في لندن بعد حرب تحرير الكويت في1991 . وأنشأ المركز مع ثمانية اخرين على غرار عيادات مماثلة في بريطانيا وكندا والدنمارك تعالج ضحايا من دول اخرى ومنهم لاجئون من جنوب افريقيا والبوسنة.

وتهدف عيادة بغداد الى علاج ضحايا التعذيب والحرب واسرى الحرب وأغلبهم كانوا معتقلين في ايران.

وافتتح المركز في فبراير (شباط) الجاري. وقال خلف انه يستقبل خمسة أو ستة مرضى يوميا ويهدف الى علاج 800 في السنة. وفي غرفة الانتظار جلس ستة مرضى في مؤشر الى ان خبر افتتاح العيادة قد انتشر.

تكلم خلف مع رجل عجوز تعرض لضرب مبرح في عهد صدام. تحدث الرجل مشوه الكتفين عن محنته وكيف تم تعليقه في السقف من ذراعيه حتى كسرا. وقال لخلف «أرجو أن يمنحني هذا المركز فرصة».

وفي اشارة الى الصدمة النفسية التي اصابتهم يرفض معظم المرضى ذكر اسمائهم.

قال خلف انه رغم قلة الوظائف في العراق، فإن المركز يقدم للمرضى خدمة التوظيف كجزء لا يتجزأ من العلاج. واضاف «عندما تبدأ حياتهم في التحسن يولد أمل جديد لهم. ويبدأون في طلب المساعدة. ولن ينجح البرنامج اذا لم نساعدهم في العثور على عمل».

قال مريض اسمه جواد عبد الكاظم الذي كان مسجونا في ايران حتى ثلاثة أيام قبل الغزو بقيادة الولايات المتحدة انه جاء للعمل. واضاف ان صحته تحتل المرتبة الثانية. وقال «عانيت طيلة 21 عاما ولا أرى أي مستقبل. اعتقدت انه بعد طول معاناة تظهر أمامي بارقة أمل».

ولا يزال الرجل عاطلا ويجاهد للخروج من حالته بعد ان تعرض كما يقول للضرب على أيدي سجانيه الايرانيين. وايجاد وظائف للمرضى مهمة مجموعة من العاملين الاجتماعيين الذين يتعاونون مع الاطباء النفسيين والمعالجين والاستشاريين بالمركز.

ولا تتوفر في العراق أرقام رسمية لحالات ما بعد الصدمة من اضطرابات نفسية ولكن لا يوجد شك في انها منتشرة.

قال الدكتور ميثم الياسري الطبيب النفسي بالعيادة «عشنا أحداثا كثيرة حافلة بالتوتر ومسبباته. ثلاث حروب كبرى منذ 1980 وضغوط سياسية. وكذا من تعرضوا للتعذيب».

وقال الياسري ان كتب الطب تبين أن النسبة العالمية لمن يعانون التوتر بعد أحداث خطيرة تحدث صدمة تتراوح بين واحد وثلاثة في المائة. واضاف ان النسبة بين الجنود الاميركيين العائدين من حرب فيتنام تصل الى 30 في المائة ومن ثم فهو يتوقع أن تكون النسبة مرتفعة بين العراقيين. واضاف الياسري «توجد مشاكل كثيرة تهدد الحياة في الشوارع الان لأنه لا يوجد أمن».

وفي ظل تركة من الالم تحتاج الى علاج ومستقبل غير مستقر فان لدى الاطباء خططا للتوسع. فهم يأملون اذا توفر التمويل فتح عيادة في البصرة في الجنوب وأخرى في اربيل في الشمال.