المحافظون الإيرانيون في البرلمان الجديد يفضلون النموذج «الصيني» على «التركي»

TT

يتردد في عالم السياسة الايرانية تعبير «النموذج الصيني» على نحو متزايد هذه الايام، انه تعبير مختصر يعني ببساطة «تحرير اقتصاد» هذه الدولة المنتجة للنفط مع «قمع الحريات السياسية والاجتماعية». هذا التعبير وضعه الاسلاميون المحافظون الذين يريدون الحفاظ على الجمهورية الاسلامية من الانهيار امام الغزو الثقافي والسياسي الغربي ويعتقدون ان فتح الحريات الاجتماعية يمكن ان يؤدي الى هذه النتيجة. وتقول مصادر ايرانية مطلعة ان الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي الذي يمسك بأغلب خيوط السلطة، أرسل معاونين يثق فيهم الى الصين في العامين الاخيرين لدراسة طريقة الجمع بين نظام سياسي متسلط وتحرر اقتصادي. كما تدارسوا نموذج ماليزيا، الدولة المسلمة في الجمع بين الديمقراطية المستأنسة والازدهار الاقتصادي كنموذج محتمل آخر. ومن مستشاري خامنئي الذين يميلون الى النموذج الصيني وزير الخارجية الاسبق علي اكبر ولايتي ونائبه السابق عباس مالكي.

ويشير دبلوماسيون ومحللون الى ان محاولة الفصل بين التنمية الاقتصادية والحرية السياسية قد بدأت، اذ منع مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه متشددون غير منتخبين 2500 اصلاحي من الترشيح في الانتخابات البرلمانية يوم الجمعة الماضي ليفسح المجال لفوز المحافظين بالغنيمة كلها، ويشيرون الى ان هذه هي الخطوة الاولى لتطبيق التجربة الصينية على ايران التي دائما ما يردد المحافظون فيها انهم مستهدفون من الغرب. وقال دبلوماسي غربي تعليقا على «المذبحة الرمزية» التي تعرض لها الاصلاحيون على يد المحافظين «نجحوا بأقل ضجة محليا أو عالميا»، لكن اقصاء الاصلاحيين والنموذج الذي كانوا يبشرون به لا يعني بالضرورة ان المحافظين سيتمكنون من تطبيق النموذج الصيني. وقال دبلوماسي غربى بطهران انه ذكر لايرانيين محافظين كيف ان تركيا دولة اسلامية تزدهر في ظل اصلاح ديمقراطي وتحرر اقتصادي «قالوا انهم يفضلون النموذج الصيني». ويسوق محللون ايرانيون مبررات عديدة للقول بأن النموذج الصيني قد لا يصلح في ايران، فمحمود سري العلام أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي الوطنية، ذكر ان من هذه الاسباب أن للصين وزنا عالميا أكبر بكثير بسبب حجمها وعدد سكانها ومقعدها الدائم في مجلس الامن التابع للامم المتحدة. قال سري العلام ايضا «قد لا يصلح النموذج الصيني لايران لأن الايرانيين لن يكتفوا بالتنمية الاقتصادية، وفي التراث الصيني الشعبي يميل الناس الى الالتزام بينما العكس في التاريخ الايراني. للشيعة تقاليد قديمة في الثورة على السلطة». وقال الصحافي الاصلاحي ما شاء الله شمس الواعظين الذي سجن في 1999 بسبب خروجه على الحدود الرقابية غير المكتوبة في الجمهورية الاسلامية: «ان الزعماء الايرانيين يحاولون اتباع النهج الصيني، لكن هذا لن ينجح». واضاف شمس الواعظين: انه لا يوجد جهاز بيروقراطي حزبي هائل في ايران على غرار ذلك الموجود في الصين، كما ان ايران اقل انفتاحا بكثير على الاقتصاد العالمي. كما يجادل اصلاحيون كثيرون على ان الحرية السياسية شرط مسبق للتحرر الاقتصادي. وقال محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس خاتمي وزعيم حزب الاصلاحيين الرئيسي «دون ديمقراطية واصلاح لا يمكن لاقتصاد النفط ان يحقق تنمية حقيقية». لكن المشكلة ان النموذج الصيني ليس فقط بعيدا عن الحالة الايرانية، بل ايضا لان المحافظين فيما بينهم مختلفون بشدة على كفاءة ذلك النظام. ويقول محللون ان المحافظين الاسلاميين الذين فازوا بأكبر عدد من مقاعد البرلمان ليسوا كتلة واحدة. انهم خليط يتراوح بين «متشددين» مناهضين للغرب يريدون تكميم الصحافة واعتقال المنشقين وفرض أحكام الشريعة الاسلامية على المجتمع بصرامة، وبين «عمليين برجماتيين» يريدون التركيز على الاقتصاد والسماح بحرية سياسية واجتماعية بشكل نسبي، وعلماء نوويين يريدون ان تحافظ ايران على برامج تسلحها حتى لو ادى ذلك الى خلاف مع الغرب، واقتصاديين محترفين يعتقدون ان الانفتاح الاقتصادى على الغرب هو المدخل لحل مشاكل الجمهورية السياسية والاقتصادية على حد سواء. وقال المعلق المحافظ أمير موهيبيان بأن الاعتقاد ان كل المحافظين متشددون ليس صحيحا، واضاف «هذه ليست صورة حقيقية عن ايران. الاتجاه الغالب للمحافظين الان ليس متطرفا. ومن الافضل لنا جميعا ان يذهب المحافظون غير المتشددين والعمليون الى البرلمان. وفي المرحلة الثانية سيكون علم الحرية والاصلاح بأيدي موجة جديدة من المحافظين»، وتوقع أن تنهج الاغلبية الجديدة في البرلمان الايراني سياسة خارجية أساسها الوفاق مع الغرب، بل حتى التحرك بهذا الاتجاه أكثر من الاصلاحيين التابعين للرئيس محمد خاتمي.

ويقول محللون محليون وأجانب انه رغم استمرار محادثات سرية استطلاعية في نيويورك فان الانفتاح الكبير على الولايات المتحدة يجب ان ينتظر انتخابات الرئاسة الايرانية العام المقبل لحرمان خاتمي من أي نصر سياسي. غير ان مصادر عليمة بتفكير خامنئي تعتقد ان المرشد الاعلى لن يسمح ابدا بانفتاح كبير على واشنطن لانه يعتقد ان الجمهورية الاسلامية بحاجة الى عدو أميركي دائم.