في محكمة لاهاي أمس: الأردن قدم مرافعته ومشادات حامية بين اليهود والهولنديين حول شرعية الجدار العازل

تل أبيب تتجاهل «لاهاي» وتبدأ ببناء مقطع جديد بطول 42 كيلومترا * شالوم: الشرعية الدولية تثير الشبهات في إسرائيل

TT

استأنفت أمس محكمة العدل الدولية في لاهاي جلسات المرافعات الشفهية حول مشروعية الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية واستمعت أمس لمداخلات من عدة دول مشاركة وذلك من خلال جلستين إحداهما صباحية، قدمت فيها كل من كوبا وإندونيسيا والأردن مرافعاتها الشفهية حول قضية الجدار الفاصل التي أحالتها الأمم المتحدة إلى محكمة لاهاي لإبداء الرأي الاستشاري حول مدى شرعية قيام إسرائيل ببناء هذا الجدار على الأراضي الفلسطينية، حيث أكدت تلك الأطراف على أن بناء الجدار يستهدف ضم الأراضي الفلسطينية واعتبرت هذا الأمر بمثابة كارثة وانتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ودعت الدول الثلاث إلى ضرورة توقف إسرائيل عن انتهاكاتها للشرعية مع التأكيد على أن الجدار الفاصل غير الشرعي هو بمثابة امتداد مزدوج لسياسة الاستيطان من جهة وسياسة الحصار من جهة أخرى. وخلال الجلسة المسائية تم الاستماع إلى مداخلات كل من مدغشقر والسنغال وماليزيا ولم تبق من المداولات سوى مداخلات كل من منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، وذلك خلال جلسة واحدة صباحية تعقدها المحكمة اليوم (الأربعاء)، قبل أن تعلن حكمها.

هذا ما جرى بالداخل أما عن المناقشات التي جرت خارج أبواب المحكمة فقد شهدت نوعا من النقاش الحاد بين أعداد من اليهود وأشخاص هولنديين. وخلال تجول «الشرق الأوسط» أمام أبواب المحكمة استمعت إلى عدة حوارات ومناقشات بين أعداد من اليهود المقيمين في هولندا جاءوا خصيصا، حسب قولهم، لرؤية بقايا حطام الحافلة الإسرائيلية التي تعرضت لعملية تفجيرية منذ فترة، نفذتها عناصر فلسطينية.

والمثير للدهشة أن عددا منهم سواء من اليهود المقيمين في هولندا أو من سكان البلاد المقيمين بجوار مقر المحكمة، لم تكن لديهم معرفة بما يدور داخل المحكمة ويجهلون الأمر وتفصيلاته. وقد شهدت «الشرق الأوسط» مناقشات حامية بين الجانبين اليهودي والهولندي حول مسألة الجدار الفاصل حيث أبدى عدد من الهولنديين رفضهم لوجود الجدار، وأنهم يفضلون وجود عالم بلا حدود أو فواصل، وأن تكون حرية التنقل بين جميع الدول والمناطق، وأن السلام هو أقصر الطرق لتحقيق الاستقرار. وهو الكلام الذي أثار تحفظ عدد من اليهود الذين أكدوا أن الجدار ضروري لأمن إسرائيل، وأن الإسلام والقرآن يحرضان على تنفيذ ما تقوم به العناصر الفلسطينية من هجمات ضد الشعب الإسرائيلي.

ولاحظنا خلال تجولنا بين الأعداد الموجودة أمام باب المحكمة سواء من العرب أو اليهود أو الهولنديين، أن أشخاصا لا يضعون على رؤوسهم القبعة اليهودية يحاولون التحدث مع أطراف أخرى، وإذا صادفوا أشخاصا يتحدثون العربية يتبادلون معهم الحديث بنفس اللغة، وإذا كان الحديث باللغة الهولندية شاركوا فيه ولا يكشفون مباشرة عن هويتهم الحقيقية، وبعد فترة نقاش قصيرة يضطرون إلى الإعلان عن ذلك وتقديم أنفسهم، ومنهم شبان صغار في العشرينات، ومنهم أشخاص قالوا إنهم يعملون في مجال التدريس الجامعي.

وفي الوقت الذي بدت فيه الأبحاث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس، أوجها حول عدم شرعية «الجدار العازل» الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، وجهت الحكومة الإسرائيلية ضربتين متتاليتين إلى الشرعية الدولة، فأقدمت على خطوة صريحة من التحدي للمحكمة، وبدأت أمس في بناء مقطع جديد من الجدار العازل، ورفضت فكرة وضع مراقبين دوليين بينها وبين فلسطين لضمان وقف إطلاق النار. وقال وزير الخارجية، سلفان شالوم، إن «ما يسمى بالشرعية الدولية في العالم، يثير التساؤلات والشبهات في إسرائيل».

والمقطع الجديد من الجدار يبدأ من منطقة مدينة قلقيلية ويمتد حتى مطار قلندا، ويبلغ طوله 42 كيلومترا. وحسب المسار المخطط له، فإنه يبتعد في عدة مواقع عن الخط الأخضر ويبقي في حدود إسرائيل حوالي عشر مستعمرات يهودية، ويصل في بعض المناطق إلى حدود رام الله ويلتهم عشرات ألوف الدونمات من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وزعم رئيس جهاز الاستخبارات، آفي ديختر، أن هذا المقطع بالغ الحيوية لأمن إسرائيل، وإنجازه سيؤدي إلى وقف العمليات التفجيرية الفلسطينية في المنطقة، وقال خلال ظهوره أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، أمس، إن الجدار الذي بني حتى الآن يثبت بشكل قاطع أنه يشكل عقبة كأداء أمام المسلحين الفلسطينيين الذين يتسللون إلى إسرائيل لتفجير أنفسهم داخل حافلاتها الشعبية ومجمعاتها التجارية.

لكن ديختر امتنع عن الحديث حول تبعات هذا الجدار وأضراره البالغة على الفلسطينيين وما تحدثه هذه الأضرار من يأس لديهم، يؤدي إلى الاستمرار بل التصعيد في انفجار الوضع.

وقالت مصادر سياسية في القدس، أمس، إن رئيس الوزراء ارييل شارون، أمر قيادة الجيش بتعديل مسار الجدار بما يتلاءم وخطة الفصل الأحادية الجانب، التي سيعرضها على الرئيس الأميركي جورج بوش، في زيارته إلى واشنطن في الشهر المقبل.

وأردفت تقول إن شارون طلب ألا يتم تكرار الخطأ السابق، الذي أدى إلى هدم بعض المقاطع من الجدار، بعد أسابيع قليلة من بنائها.

وأكدت هذه المصادر أن شارون يحاول حاليا بناء ما تبقى من الجدار بطريقة تبعث على الرضا في واشنطن. وتابعت: «شارون يطمح اليوم إلى أن يحصل على موافقة إدارة بوش على ضم بعض المناطق الفلسطينية التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الكبرى. فإذا لم يحصل على موافقة صريحة، سيحاول على الأقل ضمان سكوت الولايات المتحدة على إجراءاته الاستيطانية في تلك الكتل، كما هو الحال في القدس الشرقية. فعلى الرغم من أن القدس الشرقية احتلت سنة 1967، حتى اليوم، لا تعترف الولايات المتحدة بأنها جزء من إسرائيل، إلا أنها تسكت عن المشاريع الاستيطانية الضخمة التي تقوم بها الحكومة وتملأها باليهود».

والمعروف أن عدد اليهود في القدس الشرقية وحدها (أي من دون القدس الغربية) أصبح يزيد عن عدد الفسلسطينيين وعن عدد المستوطنين اليهود المستعمرين في الضفة الغربية وقطاع غزة معا، ومع ذلك فالولايات المتحدة لا تتحرك ضد هذا النشاط الاستعماري، فإذا حصل شارون على موافقة أميركية أيضا على الكتل الاستيطانية، فإنه سيعتبر ذلك انتصارا تاريخيا، إذ أنه يقوض كل المشاريع والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، التي وافقت عليها الولايات المتحدة، بخصوص إزالة احتلال العام 1967، بل ضمتها في خطتها المعروفة باسم «خريطة الطريق» لتسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

ولم يكن صدفة أن وزير الخارجية، سلفان شالوم، تكلم، أمس، بشكل صريح ضد الأمم المتحدة. فبالاضافة إلى هجومه المستمر على محكمة لاهاي، خرج بهجوم على مؤسسة الأمم المتحدة، وقال إن إسرائيل ترفض حضور مراقبين دوليين من الأمم المتحدة بيننا وبين الفلسطينيين لأن ذلك يعتبر تدويلا للصراع الإقليمي.