سجال بين وزيري الاتصالات والمال في البرلمان اللبناني ونواب «جبهة الإصلاح» يطرحون الثقة بالحكومة اليوم

الحريري يشكو من «حملة سياسية» وسيلتها الاستجواب حول ملف الجوال

TT

لم تنجح الحكومة اللبنانية في البقاء موحدة في جلسة الاستجواب التي عقدها المجلس النيابي امس بناء لطلب «جبهة الاصلاح الوطني» المعارضة على خلفية ادارة قطاع الهاتف الجوال. وبدا التباين واضحاً بين موقفي رئيس الحكومة رفيق الحريري ووزير الاتصالات جان لوي قرداحي القريب من رئيس الجمهورية اميل لحود، اذ تبارى قرداحي مع وزير المال فؤاد السنيورة القريب من الحريري في تفنيد الارقام التي طرحها كل منهما لمداخيل الجوال.

وفي غمرة هذا السجال انشغلت الحكومة عن التركيز على موضوع الاستجواب الذي يطلب طرح الثقة بها لـ«امعانها في هدر الاموال العمومية ومخالفة احكام الدستور والقوانين». حتى ان رئيس الحكومة ذهب في اتجاه الحديث عن حملة سياسية ضده، معتبراً ان الاستجواب هو احدى وسائلها، من دون الخوض في تفاصيل الاستجواب.

ولم يستطع مجلس النواب انهاء الجلسة امس لكثرة طالبي الكلام ـ كما جرت العادة في الجلسات المنقولة تلفزيونياً ـ حيث من المقرر ان تختتم اليوم بطرح الثقة بالحكومة على التصويت اذا لم يتم تهريب النصاب، كما توقعت بعض الاوساط النيابية في اليومين الماضيين.

وكانت الجلسة قد استهلت بتلاوة الاستجواب المقدم من النواب (الرئيس السابق لمجلس النواب) حسين الحسيني و(الرئيس السابق للحكومة) عمر كرامي ونايلة معوض وبطرس حرب حول «امعان الحكومة في هدر الاموال العامة ومخالفة احكام الدستور والقوانين» في ما يتعلق بملف الهاتف الجوال.

واتهم موقعو الاستجواب الحكومة بـ«تعديل المراسيم التطبيقية لقانون الجوال وفقاً للمصالح العائدة لأشخاص نافذين في السلطة وخارجها». وتساءلوا: «كيف تم منح رخصتين لإدارة القطاع بينما نص القانون على شركة واحدة؟». وأشاروا الى ان احدى الشركتين (ليبانسيل) تعود ملكيتها لأنسباء لرئيس الحكومة، والأخرى الى نافذين تمكن احدهم (وزير الاشغال نجيب ميقاتي) من دخول الحكومات اللاحقة. كما قالوا انه «لأسباب غير معروفة او مقبولة اقدمت الحكومة على خفض حصة الدولة في مداخيل القطاع عن السنوات من السادسة الى الثامنة، بعد بدء التشغيل عام 1994، من 30 في المائة الى 20 في المائة مما ألحق بالخزينة اللبنانية اضراراً كبيرة وحقق للشركتين ارباحاً غير مشروعة».

ثم تلي رد الحكومة الذي اعده وزير الاتصالات جان لوي قرداحي، لكنه استهل بكتاب من رئيس الحكومة طلب فيه من النواب اعتبار رد قرداحي بمثابة «جواب اولي عن الاستجواب» مبرراً ذلك بالقول: «نظراً لضيق الوقت بعد وصول كتاب الوزير».

ثم تلي رد الحكومة وفيه عرض الوزير قرداحي اوضاع قطاع الجوال منذ انشائه حتى تسلمه حقيبة الاتصالات عام 2001، ثم منذ تسلمه هذه الحقيبة وحتى اليوم، مشيراً الى ارتفاع مداخيل الدولة من هذا القطاع بعد فسخ عقد الشركتين في ذلك العام بقرار من مجلس الوزراء اتخذ بناء لاقتراح الحريري و«تحفظ» عليه الوزير. وخلص الى ان قطاع الجوال يدر على الدولة الآن شهرياً 49.3 مليون دولار مقابل 35.3 مليون دولار كانت ستدخل الخزينة لو استمر عمل الشركتين. وبعد الانتهاء من تلاوة رد الحكومة حاول النائب بطرس حرب الحصول على اجابة من رئيس الحكومة عما اذا كان موافقاً على ما اورده الوزير قرداحي من ارقام، فرفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري داعياً اياه الى «التزام اصول الاستجواب». وتحدث النائب حرب بصفة كونه احد مقدمي الاستجواب، فشن هجوماً عنيفاً على الحكومة كرر فيه اتهامها بـ«تبديد الاموال العامة وخلط المصالح الخاصة بالعامة» بالاضافة الى تكراره الحديث عن وجود انسباء الحريري والوزير ميقاتي في قطاع الجوال. ثم تحدث عمر كرامي فشكا من «الاعتداء على النصوص والقوانين والمال العام». وأشار الى انه نصح الحريري بترك ملف الهاتف الجوال للوزير المختص «لكنه لم يسمع النصيحة ولا يزال يعاند».

وبعدما ابدى كرامي ثقته بأن «معظم النواب سيصوتون على الثقة» تحدث عن وجود تجاذب بين الرؤساء، فرد الحريري نافياً، فعلق كرامي قائلاً: «انا اتكلم بناء على وقائع، لكني لن اذكرها لحرصي على بقائك في الحكومة».

ثم تحدثت النائبة معوض فاستنكرت عدم وجود محاسبة لـ «الصفقات ـ الفضائح، لا من قبل المجلس النيابي ولا من قبل القضاء». واعتبرت ان «المحاسبة لم تحصل لأن الكثيرين من المسؤولين في هذا البلد هم فوق القانون وممنوع محاسبتهم».

وبعد انتهاء المستجوبين من القاء كلماتهم، اعطيت الكلمة للحكومة فطلب رئيسها وقتاً موازياً لما اعطي للنواب يقسم بين وزيري الاتصالات والمال.

وتحدث في البداية الوزير قرداحي الذي حرص في كلمته على لفت الانتباه الى «ان الكلام الذي يقال من قبل الوزراء قد يسجل ويستعمل في النزاع التحكيمي» لافتاً الى وجود محامين للشركتين يحضرون الجلسة «والملف دقيق جداً وفيه مئات ملايين الدولارات».

وأوضح انه تمت في المناقصة الجديدة التي ستجرى معالجة موضوع التضارب بين المصالح لجهة توضيح صريح للقوانين التي ترعى هذا الشأن. وأعلن قرداحي ان المخالفات التي تحدث عنها النواب «قائمة، والحكومة تعرف هذا، وهناك نزاع قانوني قائم» آملاً في الحصول على احكام هذه السنة ومبدياً تفاؤله بهذا الخصوص.

ثم تحدث الوزير السنيورة فاجرى عرضاً تاريخياً لنشوء القطاع والظروف التي احاطت به. ثم ذهب الى تفنيد ارقام وزير الاتصالات معتبراً انها لم تلحظ قيمة تعويضات الشركتين وكلفة التطوير والضرائب التي لم تعد تدفعها الشركتان. وخلص الى ان نتيجة الغاء عقد(B.O.T) مع الشركتين كانت زيادة قدرها 7.4 مليون دولار شهرياً.

وفور انتهاء كلام السنيورة غادر قرداحي القاعة على عجل. وتردد انه اجرى اتصالاً برئيس الجمهورية اميل لحود الذي كان قد عاد لتوه من البرازيل، ثم عاد الى القاعة طالباً من رئيس المجلس الكلام.

وفي هذه الاثناء كان الحريري يطلب الكلام للرد على «الكلام الخطير»، مشيراً الى ان «لا احد في البلد لم يبل يده بالحريري». واعتبر ان هناك قراراً بمهاجمته من جهات سياسية وان الاستجواب هو «الوسيلة». وقال ان الكلام الذي قيل عنه «غير صحيح» وما يحاولون القيام به هو عمل سياسي.

وحرص الحريري على وضع كلام السنيورة في اطار «استكمال مداخلة الوزير قرداحي»، وقال: «الوزير السنيورة شرح ما يجري في وزارة المالية، وزير الاتصالات يقول انه انتج هذا المبلغ، هذا صحيح. لم يقل وزير المال ان ذلك ليس صحيحاً. وزير الاتصالات لا يقبض المبالغ المتأتية من الضرائب المفروضة على الشركات. هذه تقبضها وزارة المالية. ولذلك وزير المال كان لا بد ان يقول كم هي المداخيل التي تدخل الى الخزينة من الضرائب». وأضاف: «قد تكون هناك بعض المخالفات، انا لست في مكان احد. ولكن الارقام تقول ان النتيجة التي وصلت الى خزينة الدولة عن هذا الامر هي مقاربة للأرباح التي صرحت عنها الشركات ودفعت عنها ضريبة».

وتابع الحريري قائلاً: «دولة الرئيس (بري) هذا الامر المطروح امامنا، يطرح موضوعا جوهريا وأساسيا وهو كيف نريد ان نتعاطى بإدارة الشأن العام؟ نحن نأخذ قراراً ان هناك جهة معينة سياسية نريد ان نهاجمها. ما هو الاسلوب؟ وما هي الوسيلة؟ وما هي الطريقة؟ هل تضر او تنفع؟ صحيحة او غير صحيحة؟ ليس مهماً، المهم ان نهاجم. ونطرح موضوعاً ثانياً، اننا في بلد نظامه الاقتصادي حر، ولكن ممنوع على المستثمر ان يربح. واذا ربح فيتهم بالفساد والإفساد والسرقة ووضع اليد على المال العام».

ثم اعطي الكلام مجدداً للوزير قرداحي بناء على إلحاحه وخلافاً لنظام الاستجواب، فعاود التأكيد بأن «الفصل تم بين مشاركة المسؤولين في الشأن العام وإدارة اي قطاع»، وقال: «ان الوزارة حتى اليوم غير قادرة على التأكيد والجزم بصحة الايرادات»، كاشفاً ان الوزارة عثرت على خطوط جوالة مهربة غير معلن عنها من قبل الشركتين ومشيراً الى انه تم ابلاغ النيابة العامة المالية. فحصل هرج في القاعة شارك فيه نواب كتلة الحريري الذين هاجموا قرداحي وسط صمت تام من قبل رئيس الحكومة.

وبعدما اعاد رئيس المجلس النيابي الهدوء الى القاعة، استكمل قرداحي كلمته مشككاً في الارقام التي اوردها وزير المال لأن الوزارة دفعت 40 مليون دولار للتطوير وقد خصمت من الارباح المعلن. عنها ثم اعطي الكلام مجدداً للرئيس الحسيني، احد المستجوبين، فوصف وزير المال بـ«المنوم المغناطيسي». ثم اورد عرضاً لما سماه «مخالفة الانظمة والقوانين» منذ انشاء قطاع الجوال.

بعدها اعطيت الكلمة للنواب للإدلاء بآرائهم، فتحدث النائب صلاح حنين مطالباً بقانون جديد من المجلس لإجراء المناقصة، ثم النائب نسيب لحود الذي عرض ما سماه «التداخل الفاضح بين المصلحتين العامة والخاصة»، مشيراً الى «اخضاع هذا القطاع المهم الى التناحر بين اهل السلطة. وهو ما ادى الى هذه الازمة والى تشويه صورة لبنان».