القضاء العراقي يدفع ثمن الفوضى وتضارب الاهتمامات

الشهود خائفون والمتهمون يثيرون خوف المشتكين والقضاة قلقون على أمنهم

TT

بدأت المحكمة في نظر القضية، برئاسة القاضي نعيم حسن سلمان، هذا ان لم تنقطع الكهرباء، وحضر المتهم.

وهو امر غير مضمون، فانقطاع الكهرباء المتعدد يؤثر على سير القضايا، كما ان القوات الاميركية التي تسيطر على السجون العراقية مشغولة للغاية في اهتمامات لوجستية وامنية، لكي تفرج عن العديد من المتهمين لحضور المحاكمات.

وفي الوقت الذي يعاني فيه العراق من موجة حادة من الجرائم، فان قاعة المحكمة في الكرخ في بغداد، هي تذكير بأن النظام القضائي ليس في افضل حالاته. فالتحقيق يعاني من العدد الضخم من مخالفات العنف. ونوعية التحقيقات تثير التساؤلات الى درجة ان القضاة يحكمون على 40 في المائة فقط من المتهمين.

ويتولى حراس مسلحون مهمات حراسة الممرات في المحكمة لحماية القضاة والمتهمين من الاغتيالات والثأر. وفي الوقت ذاته يستهدف المتمردون المحققين عن طريق العمليات الانتحارية واطلاق النار.

وفي ذلك اليوم، لم تنقطع الكهرباء وتم احضار المتهمين. ولذا فقد نظرت المحكمة برئاسة سلمان (...) القضايا، وبعد 90 دقيقة افرجت هيئة المحكمة عن لصين لعدم كفاية الادلة وامرت باستمرار محاكمة اثنين آخرين، لأن الشهود كانوا خائفين، ولم يدلوا بشهادتهم.

وفي مكتبه اشار سلمان وهو يملك خبرة تمتد الى عشرين سنة، بصوت عال، «الله هو الذي يحقق العدل المطلق». تجدر الاشارة الى ان نظام صدام لم يتدخل في القضاء الجنائي، في حين كانت المحاكم السياسية وقضايا الاعتقال تنظر من قبل «محاكم استخبارات». وكان في امكان الحكومة تجاهل القضاء الجنائي، لأن جرائم الشوارع كانت نادرة في عهد صدام.

وقد سمحت الحكومة باستمرار النظام القضائي كما هو لعدة عقود، وهو مستمد من التشريعات النابليونية، حيث يتولى القاضي التحقيق واصدار الاحكام طبقا للتشريعات القائمة. ويحق للمتهم اعادة النظر في قضيته امام محكمة علنية ومواجهة المدعي.

والآن، بعد مع زيادة جرائم القتل والاختطاف وسرقة السيارات منذ سقوط صدام، فان هؤلاء الذين يعملون في محكمة الكرخ يبذلون كل ما في وسعهم للاستمرار في عملهم. وتزدحم المحكمة المكونة من طابقين عادة بالمتقاضين الذين ينتظرون دورهم في القضايا المدنية او محاكم الاحوال الشخصية. وقاعة المحكمة الجنائية الوحيدة وهي واحدة من المحاكم الجنائية المحدودة في بغداد، تقع خلف باب عادي.

واشار المحقق هادي سعيد وهو يحقق مع عصابة متهمة بالخطف «ان الامور تزداد سوءا».

ويعمل المحققون العدليون مثل سعيد، 42 سنة، في بناية ملحقة بالمحكمة. وعند المدخل هناك عامل أصم وأخرس يقوم بتفتيش الزوار بحثا عن الأسلحة ثم يمد يده طالبا بقشيشا. وفي الداخل هناك مكاتب مزدحمة بالمحققين والقضاة يعملون لمحكمة التحقيقات.

ويقرر القضاة هناك أحيانا بدون جلسة استماع ما اذا كانت هناك أدلة كافية لتحويل المتهم الى المحاكمة في الغرفة المجاورة. وفي العالم الفوضوي الذي يتحكم بالنظام القضائي الجنائي العراقي لا أحد يعرف متى ستجري المحاكمة.

عاد سلمان لاحقا الى مكتبه حيث هز برأسه لابنه وابن أخيه اللذين يعملان كحراس له في الخارج. وتفحص القاضي الجدران العارية فمبنى المحكمة تعرض للنهب بعد سقوط صدام والمكاتب قاحلة تماما. قال سلمان انه قد يكون الرجال الذين سيحاكمون في ذلك الصباح مذنبين حقا. وأضاف: «الخوف أكثر الآن. الناس خائفون الآن. الشهود خائفون.. المشتكون خائفون، انهم خائفون من المتهمين».

مع ذلك يقول سلمان ان الوضع أفضل الآن مما كان عليه أثناء حكم صدام. فرجال الشرطة «كانوا قادرين على وضع أي تهمة ضد الشخص بدون أي أدلة. كذلك كان بامكانهم أن يعذبوه بدون وجود أي دليل ضده».

حقق سلمان حلم طفولته في أن يصبح قاضيا سنة 1984. وكانت مهمته هي التوثق من تحقق المساواة ومحاربة الوساطة. وينقل بفخر رفضه لتلك التنويهات التي تأتي اليه من حكومة صدام حسين متهمة اياه بتساهله مع المتهمين الذين لا يمتلكون وساطات. كذلك يشعر سلمان بالفخر من ان نسبة ادانة المتهمين في محكمته وصدور أحكام ضدهم لا تزيد عن 40% من عدد جميع القضايا التي تمر عليه. وهذا مؤشر الى انه لا يتبع نظاما يرسل المتهمين بطريقة عمياء الى السجن.

في اليومين اللاحقين شعر سلمان بالاحباط، اذ لم تجر أي محاكمة وقال رجال الشرطة انهم لم يتمكنوا من اقناع الأميركيين الذين يديرون السجون في اخراج بعض المعتقلين الذين حان موعد محاكمتهم.

وفي الأخير برز متهم بالقتل الى قاعة المحكمة مع رجال شرطة يحملون بنادق لمنع أي من أقارب الضحايا من احتمال قيامهم بالانتقام من المتهمين. وجلس المتهم على كرسي قابل للطي في زاوية من مبنى المحكمة لمدة ساعة ثم غادر مع الشرطة. وكان السبب لذلك هو أن المتهم أخرج من سجنه في وقت متأخر وكان القاضي الذي سينظر في قضيته قد عاد الى بيته، وهو يدرك ان استعادة القضاء لقوته لا تزال تتطلب وقتا وتضحيات كثيرة في بلد لا تزال الفوضى تشكل الظاهرة الاهم فيه.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»