رايس: تطور العملية الديمقراطية في العراق سيؤثر على شرعية علماء الدين في إيران

مستشارة الأمن القومي في حديث تنشره «الشرق الأوسط»: واشنطن قالت لمشرف بعيد 11 سبتمبر أن عليه الاختيار وقد اختار الطريق الصحيح

TT

قالت مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس ان تطور العملية الديمقراطية في العراق سيؤثر سلباً على شرعية علماء الدين في ايران. واضافت في مقابلة اجرتها معها خدمة «غلوبال فيوبوينت» بمكتبة رونالد ريغان في كاليفورنيا وتنشرها «الشرق الأوسط» ان ما حدث في ايران في الآونة الاخيرة يعتبر قمعاً مورس من قبل قلة غير منتخبة ضد رغبات الغالبية. وتحدثت مستشارة الرئيس جورج بوش في المقابلة حول قضايا عديدة مثل تبرير سياسة الضربات الاستباقية الاميركية وجهود الولايات المتحدة للحد من انتشار الاسلحة المحظورة والوضع في روسيا وكوريا الشمالية.

* قال المفكر الايراني عبد الكريم سوروش ان «واحدة من النتائج غير المقصودة لإطاحة صدام حسين وآثار ذلك على شيعة العراق تتمثل في ترقية آفاق الديمقراطية في ايران»، السبب في ذلك هو التغير الكامل في ميزان القوى وسط الشيعة لمصلحة كبار علماء الدين في النجف بالعراق، ما رؤيتك ازاء هذه القضية؟ ـ لقد اثار نقطة مهمة، فالولايات المتحدة تدرك النفوذ الهائل لكل من النجف وكربلاء. الكثير من علماء الدين يرون ان الدولة الدينية في ايران ليست هي النموذج الامثل او المناسب، فإذا ساعدنا العراقيين في إنشاء دولة لها دستورها الذي يقر بأهمية الاسلام، بالطبع، مع توفير الحريات للممارسات الدينية الاخرى وعدم قيام دولة دينية في العراق، لا بد ان تكون لمجمل ذلك آثار مهمة على ايران. هذا واحد من الاسباب وراء القلق الذي يشعر به علماء الدين داخل النظام الحاكم في ايران ازاء ما يجري في العراق، كما انه واحد من الاسباب التي دفعتنا الى تحذير هؤلاء من محاولة المشاركة في الاعمال الهادفة لزعزعة الاستقرار في العراق. للأسف ما حدث في ايران اخيراً يعتبر بمثابة عزل للتوجهات الليبرالية، التي تمثل في واقع الامر التوجهات التي يرغب فيها الناس هناك. ما حدث في ايران هو تحديداً قمع يمارس من جانب قلة غير منتخبة ضد رغبات الكثيرين، اعتقد انه امر ايجابي ان تؤدي العملية الديمقراطية في العراق الى شعور علماء الدين الحاكمين في ايران بتأثيرها سلبا على شرعيتهم والتقليل منها.

* تطالب «استراتيجية الأمن القومي الاميركي» التي اعلنها الرئيس جورج بوش عام 2002 باعتماد استراتيجية استباقية «ضد كل القوى التي تشكل خطراً وشيكاً»، وكان العراق اول محك لتطبيق هذه الاستراتيجية. إذا اخذنا في الاعتبار ما ورد في تقرير كبير مفتشي الاسلحة السابق ديفيد كاي وآخرين حول عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق. هل كانت تنطبق معايير الخطر او التهديد الوشيك، كما وردت في «استراتيجية الأمن القومي»، على العراق في ذلك الوقت؟

ـ الخطر الذي ظلت تواجهه الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001، آخذين بعين الاعتبار الطبيعة الغامضة لشبكات الارهاب وتطوير اسلحة الدمار الشامل والعلاقة بينهما، يتمثل في استحالة ادراك وقت وقوع الخطر. بالتالي يجب تغيير مفهوم «وشيك» المرتبط بهذا الخطر المحتمل. ما قاله الرئيس جورج بوش في خطاب «حالة الاتحاد» يتلخص على وجه التحديد في ان الولايات المتحدة «لا تحتمل الانتظار» حتى يصبح الخطر العراقي «وشيكا». فبعد حوالي 12 عاما من محاولات حمل العراق على الوفاء بوعوده بالالتزام بقرارات الامم المتحدة، صدر القرار النهائي رقم 1441 الذي نص بوضوح على منح العراق فرصة اخيرة للالتزام بهذه القرارات، عند ذلك فقط قررت الولايات المتحدة اتخاذ خطوة ضد العراق. هل توفرت معايير الخطوة الاستباقية؟ العالم صبر كثيرا على صدام حسين.

* المحك إذن هو «عدم احتمال الولايات المتحدة الانتظار حتى يصبح الخطر وشيكا» وليس اعتبار جهة ما كونها تمثل «خطرا وشيكا»؟ ـ ما قلته هو انه من الصعب تعريف «الخطر الوشيك» في عالم لا تستطيع فيه ادراك ما سيحدث لك. هل كنا ندرك قرب وقوع هجمات 11 سبتمبر؟ لم نكن نعرف يوم 10 سبتمبر ان هذه الهجمات ستحدث في اليوم التالي، لذا، ما لا يمكن احتماله هو السماح بتزايد وتجمع الأخطار والمهددات لأنه ليس بالإمكان معرفة الوقت الذي ستصبح فيه وشيكة.

* اعتمادا على ما اتضح من معلومات، ألا تعتقدين ان مفتشي الامم المتحدة كانوا اكثر اقترابا من الادارة الاميركية بشأن معرفة ما بحوزة العراق من اسلحة؟ فقد قال كبير مفتشي الاسلحة السابق بالامم المتحدة، رولف ايكيوس، ان المفتشين تمكنوا في نهاية عام 1998، أي قبل الحرب الاخيرة بحوالي خمس سنوات، من القضاء على 95 في المائة من البرنامج العراقي الخاص بتطوير اسلحة الدمار الشامل بنهاية عام 1998، كما اوضح آيكيوس انه لم يكن بوسع العراق استخدام ما تبقى من عناصر كيماوية لأن مفعول هذه المواد سيتراجع اذا لم يجر استخدامها. هل توافقين على ان مفتشي الامم المتحدة كانوا يعرفون على وجه التحديد مدى قدرات العراق في هذا المجال؟ ـ مع احترامي لما قيل في هذا الشأن، فإن تقرير لجنة «اونسكوم» النهائي اورد ان بحوزة العراق مخزوناً من الاسلحة «غير معروف». ماذا حدث للعناصر البيولوجية وهل استخدمت في انتاج اسلحة؟ لا نعرف، تقرير لجنة «اونسكوم» اورد ان ثمة مخزونا للاسلحة «غير معروف». اتذكر ان هانز بليكس قال (للعراقيين) ان «غاز الخردل ليس مثل المربى. يجب ان تحددوا ما فعلتم به»، لذا فإن ما كان يقوله مفتشو الاسلحة هو انهم «لا يعرفون الفارق بين ما وجدوه بالفعل ودمروه وما كان العراقيون قادرين على تطويره» هذا ما قاله المفتشون. وفي واقع الامر، فإن تقرير ديفيد كاي يقول ان مفتشي الامم المتحدة لم يكونوا على وشك كشف الاسلحة العراقية المحظورة خلال جهودهم الاخيرة، فلو نجح بليكس في كشف أي من مئات المواد والمختبرات العراقية، لعدنا الى الامم المتحدة للحديث حول «الانتهاكات المادية». الحقيقة هي ان صدام حسين كان قادرا على خداع العالم على نحو فاعل على مدى سنوات طويلة. فقد كانت نية استخدام هذه الاسلحة واردة لديه وكانت تتوفر للعراق المقدرة على ذلك، كما انه استخدم هذه الاسلحة من قبل. واعتقد ان الوقت كان قد حان للتعامل مع هذه المشكلة، اذ لم تكن الولايات المتحدة في وضع يحملها على الاعتماد على صدق نيات صدام حسين وافتراض افضل السيناريوهات.

* الديمقراطيون الحقيقيون في روسيا مثل ميخائيل غورباتشوف ومساعده اليكساندر ياكوفليف قلقون ازاء مساعي الرئيس فلاديمير بوتين للعودة بروسيا الى الممارسات السوفياتية السابقة، بل ان ياكوفليلف يصف ما يحدث بأنه «عودة الى نظام الطبقة الحاكمة في الاتحاد السوفياتي». بحكم خبرتك في شؤون الاتحاد السوفياتي السابق، هل تشعرين بالقلق ازاء روسيا هذه الايام؟

ـ ثمة اسباب تدعو للقلق، وابلغنا الجانب الروسي بهذه الشأن، ولكن اذا حاولنا وضع الاشياء في سياقها، فإن روسيا باتت ابعد ما تكون عن طرق الاتحاد السوفياتي. هناك من يقولون انهم يعتقدون ذلك، إلا ان لروسيا الآن اقتصاداً منفتحاً على نحو اكبر بكثير مما كنا نتخيل سابقا، بيد اننا نشعر بالقلق بسبب وجود مؤسسة رئاسة قوية من دون ان تكون هناك مؤسسات موازية. مجلس الدوما (البرلمان) لا يتمتع بالفعالية اللازمة، كما يشعر الناس بالقلق ازاء استقلال القضاء، فضلا عن ان استقلالية وسائل الإعلام الخاصة تأثرت بفعل مساهمة الدولة في ملكيتها، نعم، هناك خطر يتمثل في ان يسفر غياب مؤسسات موازية عن تركيز الكثير من السلطات في يد الكرملين. هذه بالطبع مشكلة تواجه روسيا لأنها ستفتقر الى وجود اقتصاد نشط وفاعل في ظل غياب وجود مجتمع مفتوح.

ومن ناحية اخرى، تعتبر هذه مشكلة لأن تعميق العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة يعتمد على تقارب القيم. فإذا كان لا بد لروسيا ان تتمتع بديمقراطية راسخة ومستقرة، لا بد من تطوير المجتمع المدني ومؤسساته ابتداء من الروابط الخاصة حتى الاحزاب السياسية. هذه هي الجوانب التي تجعل الديمقراطية اكثر نشاطا وفعالية.

* اتفق محمد البرادعي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وادارة الرئيس جورج بوش على السعي لوضع حد لإنتاج المواد الانشطارية بهدف وقف تطوير الاسلحة النووية. إلا ان البرادعي يقول ان خطط الولايات المتحدة الخاصة بالتحديث النووي، مثل القنابل المدمرة للمخابئ، تضعف المساعي الرئيسية لميثاق الحد من التسلح النووي، أي تخلي الدول غير النووية عن السعي للحصول على هذا النوع من السلاح اذ تقدمت القوى النووية خطوات بشأن نزع السلاح. ما رأيك في هذه القضية؟ ـ بذل الرئيس بوش في سبيل نزع السلاح النووي جهودا اكثر من غيره، فاتفاق موسكو اسفر عن خفض جزء كبير من القوة النووية التي تنشرها روسيا والولايات المتحدة، مما ادى الى تغيير الصورة الخاصة بالسيطرة على التسلح. لم يحدث ذلك من خلال الاطلاع على آلاف الصفحات التي تفاوض واتفق حولها الجانبان وإنما حدث بصورة سريعة انطلاقا من رغبة الطرفين في تقليل الأخطار النووية، اذ اقدمت الولايات المتحدة على خفض قوتها النووية وفعلت روسيا نفس الشيء. اما فيما يتعلق بتشييدنا لنظام الدفاع الصاروخي، فإن هذا المشروع سيعطي دفعة لجهود ومساعي نزع السلاح النووي لأنه سيقلل في الاساس من الحاجة الى المزيد من الصواريخ. لم يجر التوصل بعد الى قرار بشأن الخطوة المقبلة التي ستتخذها الولايات المتحدة في مجال التطوير النووي. لم يحدث شيء من ذلك حتى الآن، وما هو موجود حول هذا الجانب لا يعدو ان يكون دراسات فقط. القضية الحقيقية اننا نتعامل مع اكثر المشاكل صعوبة فيما يتعلق بتطوير السلاح النووي. ما تنص عليه معاهدة الحد من السلاح النووي، وهي اهم ما لدى الولايات المتحدة من اتفاقيات في المجال النووي، لم يعد نافذاً بالكامل. كذلك ليس هناك وجود فعلي لفكرة ردع كوريا الشمالية وايران وليبيا والعراق من خلال الإعلان عن رغبة قوى نووية في نزع سلاحها. ما يمكن قوله في هذا السياق هو ان اتفاق الحد من التسلح النووي يعاني من مشكلة عميقة، ذلك ان الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير قررا تنفيذ كلمة المجتمع الدولي ضد العراق ولأن وكالات استخباراتنا نجحت في البدء بكشف شبكة (العالم النووي الباكستاني) عبد القدير خان. بدأنا في بناء بعض الثقة ازاء تماسك وفعالية اتفاق الحد من التسلح النووي. يمكن القول ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تواجه صعوبة كبيرة في حمل ايران على التعاون بشأن برنامجها النووي، رغم ان ايران لا تزال تتحين أي فرصة للتنصل من أي اتفاق ابرمته من قبل. وحدث اخيرا اول تغير حقيقي من الجانب الليبي بعد سنوات طويلة اثر قرار طرابلس بالعدول عن المضي قدما في مشروعها النووي. كانت هناك حاجة للتعامل على نحو متشدد مع فرض ما نصت عليه الاتفاقيات في هذا الجانب. وبسبب تشددنا في مسألة وقف انتاج الاسلحة النووية، اعطينا روحا جديدة لاتفاق الحد من التسلح النووي.

* العديد من الناس يصعب عليهم تصديق ان العالم النووي الباكستاني عبد القادر خان، عندما سرب اسراراً نووية، كان يتصرف بدون علم الرئيس برويز مشرف والمؤسسة العسكرية. هل انت مقتنعة بأن الوضع في باكستان مسيطر عليه، كما يقول مشرف؟

ـ لم يكن خان عالما منفردا، كان وضعه غير عادي لأنه بطل قومي، ربما كان حالة خاصة. الامر المهم هو اننا نحصل على تعاون جيد من باكستان في الكشف عن هذه الشبكة. ومن المؤكد ان عملاء الدكتور خان يشعرون بالعصبية. فكوريا الشمالية التي تقول انه ليس لديها برنامج لتخصيب اليورانيوم، عليها الآن التأكد من وجود مصادر اخرى للمعلومات عن برامجها النووية.

فقبل 11 سبتمبر، كان التوجه الاستراتيجي لباكستان يتجه اتجاها خطيرا، وكانت العلاقات مع طالبان قوية، وكان المتطرفون يحظون بمزيد من القوة في البلاد، وكان المتطرفون في كشمير يحظون بالدعم ايضاً. اما بعد 11 سبتمبر، فإن الولايات المتحدة ابلغت مشرف ان عليه الاختيار، وكان اختياره ان يقف في الجانب الصحيح في الحرب ضد الارهاب. ونتيجة لذلك وقعت عملية اعادة توجيه استراتيجي هائلة، وأصبحت لباكستان الآن علاقات افضل مع افغانستان والهند. وتم القبض على مزيد من نشطاء «القاعدة» بمساعدة من باكستان اكثر من أي وقت مضى. وألقى مشرف عدداً من الخطب غير العادية قال فيها ان باكستان العصرية والارهاب لا يمكنهما التعايش في جسد واحد، وهو على استعداد لاجراء اصلاحات في نظام التعليم. ليس ذلك بالوضع المثالي. ولكن اذا نظرت الى توجهات باكستان قبل 3 اعوام واليوم، فالأمر مثل الليل والنهار.

* يعتقد مستشار الأمن القومي بكوريا الجنوبية، را جونغ ييل، ان تفادي كوريا الشمالية للعزلة يتطلب «نزع سلاحها مثلما نزعت كوريا الجنوبية سلاحها» او مثلما حدث مع ليبيا. إلا ان ويليام بيري، وزير الدفاع الاميركي السابق يعتقد ان كوريا الشمالية لن توافق على نزع سلاحها. ما رأيك في دوافع كوريا الشمالية ورد فعلك تجاه مطالبتها بـ «تخلي الولايات المتحدة عن سياساتها المعادية» كشرط لقبولها التفاوض حول نزع سلاحها؟ ـ سمعنا هذا التصريح من قبل، أي ادعاءات بيونغ يانغ بأن عداءنا هو الذي جعل كوريا الشمالية في حاجة الى ضمانات امنية. الولايات المتحدة ليست لديها نيات عدوانية تجاه كوريا الشمالية وهذا ما اوضحته واشنطن كثيرا. الولايات المتحدة ليست هي الدولة التي تعتزم توجيه ضربة الى سيول. كوريا الشمالية تدرك جيدا عدم وجود نيات عدوانية تجاهها من قبل الولايات المتحدة. لا اعرف الدوافع التي تحرك بيونغ يانغ، إلا ان سياسة واشنطن تجاه هذه القضية لا تزال كما هي. إذا اردت اختبار نيات كوريا الشمالية في المشاركة في عملية شاملة وجادة لازالة اسلحة الدمار الشامل بحوزتها، وهذا هو السبيل الوحيد لاندماجها في المجتمع الدولي، يجب ان تطبق ما تفعله الولايات المتحدة، أي تكوين تحالف دولي، محادثات الأطراف الستة الجارية حاليا في بكين، حيث لا تواجه كوريا الشمالية الولايات المتحدة فحسب، بل تواجه ايضا الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية. سننتظر لنرى ما يمكن ان نتوصل اليه، وسنعرف المزيد من دوافعهم مع استمرار المحادثات. الجانب الايجابي هنا هو ان العملية الراهنة، المحادثات السداسية بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا الى جانب الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نفسها، لن تسمح لكوريا الشمالية بالاستعانة بواحد من الأطراف لإزالة الضغوط التي تواجهها، السير في هذا الاتجاه يعتبر من اكثر القرارات المهمة التي اتخذناها.

*خدمة «غلوبال فيوبوينت» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»