العاهل المغربي يزور الحسيمة اليوم ويقيم في خيمة تضامنا مع المنكوبين.. وعدد المحتاجين إلى مساعدات يرتفع إلى 30 ألفا

وزير الإعلام: الهزات الارتدادية حالت دون عودة الناس إلى منازلهم * ترحيل 500 سجين من سجن المدينة

TT

يتوجه العاهل المغربي الملك محمد السادس اليوم الى مدينة الحسيمة التي ضربها فجر الثلاثاء الماضي زلزال عنيف أوقع حسب آخر حصيلة 571 قتيلا و405 جرحى والآلاف من المشردين. وسيقيم العاهل المغربي خلال مقامه فيها في خيمة، وذلك في بادرة تضامنية مع سكان المنطقة المنكوبين، حيث سيتابع سير عمليات الإنقاذ، وتقديم المساعدات.

وكان الملك محمد السادس قد ادى امس صلاة الجمعة وصلاة الغائب، في مسجد محمد الخامس بطنجة، وترحم على أرواح ضحايا الزلزال.

ولوحظ أمس تسريع في وتيرة تقديم المساعدات، بيد أن السلطات المغربية ما تزال تواجه صعوبات بسبب انعدام التوازن بين احتياجات السكان ونوعية المساعدات المتوفرة، وينتظر أن تلجأ الحكومة المغربية لمناشدة الدول المتبرعة تقديم مساعدات تغطي حاجيات السكان. وقالت مصادر منظمة الهلال الأحمر المغربي ان طلب السكان للمساعدات ارتفع بشكل كبير مع تواصل الهزات الارتدادية، ولم يعد الامر مقتصرا على منكوبي زلزال فجر الثلاثاء الماضي، الذي تقول تقديرات اولية ان عدد المحتاجين الى مساعدات ارتفع الى حدود الثلاثين ألفا.

وقال نبيل بن عبد الله وزير الاتصال (الاعلام)، والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية لـ«الشرق الأوسط»، إن الطلب الأكبر للمساعدات يتمثل في الخيام والأغطية، ثم تليها المواد الغذائية، مشيرا الى انه حتى صباح أمس تم توزيع ثلاثة آلاف خيمة، بينما يحتاج السكان اضعاف هذا الرقم.

وذكر الوزير بن عبد الله ان القسم الأكبر من المساعدات الأجنبية التي وصلت حتى الآن كانت موجهة لعمليات الإنقاذ وشملت الأدوية.

وقال بن عبد الله في مؤتمر صحافي امس ان حالة الهلع المسيطرة على السكان تعتبر طبيعية أمام استمرار الهزات الارتدادية التي تجاوز عددها 70 هزة، وهو ما جعل السكان يخشون العودة إلى منازلهم، وقضاء ليلة خامسة في العراء وسط أجواء باردة وممطرة.

وكانت عمليات تقديم المساعدات التي تقوم بها فرق من الجيش والوقاية المدنية في مدينة الحسيمة، قد تعرضت مساء اول من امس الى صعوبات بسبب قلتها قياسا للطلب عليها، وأيضا بسبب أعمال عشوائية قام بها بعض الشبان المحتاجين الذين يعمدون الى ايقاف الشاحنات وسلب أكياس المساعدات.

ورغم أن ملاجئ تضم مئات الخيام نصبت يومي الخميس والجمعة في أطراف مدينة الحسيمة وبلدة ايمزورن، فان الآلاف من سكانهما ظلوا يتظاهرون في الشوارع حتى ساعة متأخرة من يوم اول من امس، احتجاجا على بطء تقديم المساعدات وعدم كفايتها. ووصلت فجر امس الى بلدة ايمزورن المجاورة لمدينة الحسيمة، التي تعرضت لأكبر الخسائر البشرية والمادية (اكثر من 200 قتيل)، شاحنات عسكرية حاملة على متنها 350 مساعدة اجتماعية (مرشدات)، قرر الملك محمد السادس الاسراع بإيفادهن الى المناطق المنكوبة.

وستكون مهمة المرشدات اللائي يعملن في مصالح الأعمال الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، هذه المرة صعبة للغاية، كما تقول احداهن لـ«الشرق الأوسط»، لأنهن مدركات أن حاجة السكان تفوق بكثير ما يمكن أن يقدمنه لهم. مشيرة الى ان ما يضاعف صعوبة مهمتهن هو طابعها المعنوي والنفسي، ذلك انهن سيقمن بتعزيز قدرات وحدة الأطباء النفسانيين، الذين لا يتجاوز عددهم خمسة اطباء، باشروا مهامهم في مستشفى محمد الخامس بالحسيمة مباشرة بعد وقوع الزلزال. وبينما تتركز مهمة الأطباء النفسانيين في المستشفيات فان عمل زميلاتهم المرشدات الاجتماعيات سيركز بالدرجة الاولى على الملاجئ والمواقع التي يتجمع فيها المنكوبون.

وتصدرت خطب أئمة المساجد أمس في اقليم الحسيمة دعوة المواطنين الى الصبر والثبات في مواجهة أقدار الله. كما دعا خطباء صلاة الجمعة الناس الى مواصلة جهود التآزر والتكافل في مواجهة الكارثة. واضطر مئات من المصلين في بلدة ايمزورن والقرى المنكوبة المجاورة لها الى اداء صلاة الجمعة في العراء، بجانب المساجد التي هدمها الزلزال. وتضمنت خطب الجمعة ايضا مواعظ للتخفيف من معاناة سكان المنطقة والصعوبات النفسية الملحوظة في ظل الأوضاع الحالية.

وفي سياق ذلك، قال الدكتور محمد الشيخ بيد الله وزير الصحة المغربي لـ«الشرق الأوسط»، ان المشاكل الصحية التي تسبب فيها الزلزال تمت السيطرة عليها بشكل شبه كلي سواء في مواقع المستشفيات الثابتة أو المتحركة، والتي تطوف في مناطق عديدة منكوبة، بيد انه اوضح ان المشكلة الأعقد هي الاضطرابات النفسية التي تسببها الهزات المتواصلة في المنطقة.

ومن جهته، قال الدكتور ابراهيم دومان، الذي قدم من مستشفي ابن رشد في الدار البيضاء لمآزرة زملائه في مستشفى الحسيمة، ان تنظيم المصابين الذين يفدون للمستشفى يتم بناء على توجيه وحدة طبية للاستقبال تضم تخصصات متعددة وضمنها دائما طبيب نفساني، وتتولى توجيه المصاب نحو القسم المعني. وأضاف الدكتور دومان أن العدد الأكبر من المصابين الذين تم نقلهم في الأيام الثلاثة الأولى للمستشفى، كانوا جرحى في أوضاع متفاوتة الخطورة.

وأضاف أن اليومين الأخيرين شهدا نسبة كبيرة من الوافدين على المستشفى، الذين تعرضوا لحالات اغماء نتيجة نوبات هستيرية بسبب الرعب الذي ينتابهم كلما حدثت هزة أرضية جديدة. وخلال ساعة واحدة بعد هزة أرضية تعرضت لها مدينة الحسيمة اول من امس، بلغ عدد المصابين الذين تم استقبالهم معدل مصاب واحد في الدقيقة، وغالبيتهم من النساء. كما استقبل المستشفى أمس مصابين بكدمات وجروح خفيفة، نتيجة الازدحام في مدارج العمارات التي يهرع السكان لمغادرتها في كل مرة تقع فيها اهتزازات ارضية. وواجهت السلطات اثر وقوع الزلزال، صعوبة ملحوظة في تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية للسكان المذعورين، كما أن أعدادا من المساعدين والمسعفين الذين قدموا من مختلف مناطق وأقاليم المغرب لا يتقنون الحديث باللهجة الريفية «أمازيغية محلية». ومن جهتها، لم تبذل وسائل الاعلام المغربية المسموعة والمرئية جهدا خاصا في هذا الصدد، ولم تخصص برامج خاصة باللهجة المحلية لمساعدة آلاف الذين لا يتحدثون سوى اللهجة المحلية، وهو ما يفسر لجوء أعداد من رواد المقاهي في مدينة الحسيمة للتركيز على متابعة التقارير التي تبثها القنوات التلفزيونية الاسبانية عن حادث الزلزال، لأن غالبية سكان اقاليم شمال المغرب يتقنون لغة الدولة المستعمرة سابقا. لكن أحد نشطاء المجتمع المدني لاحظ أن التغطية الواسعة للقنوات الاسبانية، بقدر ما كشفت عجز وسائل الاعلام المحلية، فإنها ساهمت سلبيا وبشكل مبالغ فيه أحيانا، في تأجيج مشاعر الغضب على المسؤولين عن ادارة الاسعافات والمساعدات. الى ذلك، تقاطرت أفواج المواطنين أمس على مستشفى ابن سينا بالرباط للمساهمة في قافلة التضامن والمشاركة في عملية التبرع بالدم. فيما يتواصل الإقبال على مراكز التبرع بالمواد الغذائية والملابس والأغطية وسواها من التبرعات العينية.

وأعلنت شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية انها وضعت أسعارا خاصة ومخفضة لفائدة المغاربة المقيمين في الخارج مرفوقة بتسهيلات من أجل تمكينهم من نقل المساعدات للمتضررين من هذا الزلزال.

وأوضح بيان للشركة أن الرحلات المنطلقة من فرانكفورت ودوسلدورف وبروكسل نحو الدار البيضاء ستقوم بالتوقف في الحسيمة ابتداء من يوم أمس، وحتى يوم 5 مارس (آذار) المقبل.

على صعيد آخر، ذكرت مصادر وزارة العدل المغربية أنه تم ترحيل 500 سجين على دفعات من السجن المدني في الحسيمة الذي تعرضت جدرانه لتصدعات وتشققات. وتم هذا الترحيل تحسبا لأي طارئ.

وأكدت المصادر ذاتها أن السجناء المرحلين تم نقلهم إلى أقرب سجن في المنطقة حتى يتمكن أهاليهم من زيارتهم في أحسن الظروف.