فضيحة التجسس البريطانية على كوفي أنان تتوالى باكتشافات جديدة

دبلوماسيون: الكل يتجسس على الكل والجميع يعرف أن مقر الأمم المتحدة يعج بالجواسيس

TT

سعى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير امس، من دون ان يحقق نجاحا ملموسا، الى وضع حد للفضيحة التي فجرتها كلير شورت وزيرة التنمية الدولية السابقة في حكومته اول من امس والتي قالت ان بريطانيا تجسست على مكتب الامين العام للامم المتحدة وسجلت اتصالاته.

وفي حين سعى بلير في خطاب امام المؤتمر السنوي لحزب العمال في اسكوتلندا امس الى التركيز على القضايا المحلية والابتعاد عن حرب العراق، الا ان فضيحة التجسس شغلت اهتمام معظم وسائل الاعلام لتجر وراءها تصريحات جديدة عن اعمال تجسس تعرض لها المفتشون الدوليون الذين كانت وظيفتهم الوحيدة هي اخبار الامم المتحدة من جهة وحكوماتهم الخاصة من جهة اخرى عما اذا كانوا قد عثروا على اسلحة دمار شامل في العراق.

وقالت الامم المتحدة اول من امس ان تجسس بريطانيا على مكتب كوفي انان الامين العام للامم المتحدة، ينتهك المعاهدات الدولية ويجب ان يتوقف على الفور اذا ثبت حدوثه. وقال فريد ايكهارد المتحدث باسم الامم المتحدة للصحافيين «ها نحن نهدئ الاجواء قائلين اذا كان صحيحا اذن فأوقفوه... انه ليس بالامر الجيد بالنسبة لعمل الامم المتحدة. وهو غير قانوني». وقال ان «الامانة العامة تتخذ في العادة اجراءات فنية للحماية من مثل هذه الاختراقات للسرية والخصوصية وهذه الجهود ستتكثف الان». واشار الى معاهدات بشأن حرمة مباني الامم المتحدة.

وقالت شورت لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) اول من امس «ان الولايات المتحدة اتهمت بالتنصت على مكاتب بعض اعضاء مجلس الأمن العام الماضي، لذا اعتقد انه من الصواب ان الشعب في بريطانيا يجب ان يعرف ان المملكة المتحدة تفعل ذلك مع الامين العام». ولم تعلق الولايات المتحدة التي يقطن مسؤولوها في مبنى مكون من اثني عشر طابقا قبالة مقر الامم المتحدة، مباشرة على الادعاءات.

ورفض وزير الخارجية الاميركي كولن باول مساء اول من امس التعليق على اتهام بريطانيا بالتجسس على انان قبل الحرب على العراق. واكتفى بالقول اثر لقاء مع وزير الخارجية البلغاري سولومون باسي «ليس عندي اي شيء اقوله حول موضوع نشاطات المملكة المتحدة. نحن لا نتكلم ابدا بشكل علني في المسائل التي تتعلق بالمخابرات». واكد ريتشارد باتلر الرئيس السابق لفرق المفتشين التابعين للامم المتحدة في العراق امس ان اربع دول على الاقل من بينها فرنسا قامت بالتجسس على اتصالاته بينما كان يجري مفاوضات حساسة لازالة اسلحة العراق. وقال الدبلوماسي الاسترالي معلقا على تصريحات شورت، انه كان يتعرض لعملية تجسس في الامم المتحدة. واوضح لاذاعة «اي بي سي» الاسترالية «بالتأكيد كنت موضع تجسس وكنت على علم بذلك». واضاف ان «الذين فعلوا ذلك جاؤوا للقائي واسمعوني تسجيلات لاشخاص آخرين لمساعدتي في مهمتي لازالة اسلحة العراق». وتابع «قالوا لي (نحن هنا لمساعدتك فقط) ولم يكشفوا لي اي تسجيل لاتصالاتي»، موضحا ان الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين والروس قاموا بالتجسس عليه. واكد باتلر «عرفت ذلك من مصادر اخرى وكنت على قناعة بان اربع دول اعضاء في مجلس الأمن الدولي على الاقل تقوم بالتجسس علي». ورفض رئيس الوزراء الاسترالي جون هاورد التعليق على هذه المعلومات، مؤكدا ان سياسته كانت دائما عدم نفي او تأكيد معلومات متعلقة بأجهزة الاستخبارات. واوضح باتلر الذي ترأس فرق مفتشي الامم المتحدة من 1997 الى 1999، ان دبلوماسيين كانوا يبحثون دائما عن طريقة لتبقى اتصالاتهم سرية لانهم يعرفون ان مقر الامم المتحدة يعج بالجواسيس. وقال «عندما كنت اريد فعلا اجراء حديث حساس مع اي شخص كنت اضطر للتوجه الى المقهى الصاخب في المنظمة الدولية واتحدث همسا او اغادر مبنى المنظمة الدولية للسير في حديقة (سنترال بارك)». ورأى باتلر ان الاتهامات بالتجسس في مكتب كوفي انان تكشف الدرجة التي تطغى فيها المصالح الشخصية على العلاقات الدولية. وقال «لو كان الناس يعرفون درجة دناءة هذه اللعبة لعبروا بالتأكيد عن احتجاجاتهم». وقالت اذاعة «اي بي سي» ان مسؤولين في اجهزة الاستخبارات الاسترالية رأوا نصوصا لاتصالات اجريت من الهاتف النقال لهانس بليكس الذي كان رئيسا لمفتشي الامم المتحدة قبل الحرب على العراق، سلمتها عناصر في الاستخبارات البريطانية او الاميركية. ونقل صحافي في الاذاعة عن مصادر لم يحددها انه «في كل مرة كان يصل بليكس الى العراق كان يخضع هاتفه للتنصت وتوضع نصوص المحادثات بتصرف الولايات المتحدة واستراليا وكندا وبريطانيا ونيوزيلاندا».

وقال بطرس بطرس غالي الامين العام السابق للمنظمة الدولية انه لم يدهش لسماع المزاعم بأنه تم التنصت على مكاتب خلفه كوفي انان في الفترة التي سبقت الحرب. واضاف لراديو هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي»، «المهم هو انه يجب ان تدرك سلفا انه يجري التجسس على مكتبك وعلى محل اقامتك وسيارتك وهاتفك». وكان بلير امتنع عن التعليق على اتهام شورت واكتفي بالقول، ان اجهزة الأمن البريطانية تصرفت في حدود القانون المحلي والقانون الدولي. وقال بطرس غالي ان التجسس على مقر الامم المتحدة يمثل انتهاكا لميثاقها. وكانت شورت التي توصف بأنها شوكة في جنب بلير قد استقالت من الحكومة البريطانية في الفترة التي سعت فيها لندن وواشنطن للحصول على تفويض من الامم المتحدة للقيام بعمل عسكري ضد العراق.

ولكن روبن كوك الوزير السابق بحكومة بلير الذي استقال ايضا بسبب الحرب على العراق، قال انه يشك في اتهام التجسس. وكتب كوك في رد نشرته له صحيفة «ذي اندبندنت» يقول «سوف أدهش لو تبين ان هذا الامر صحيح وانه في الفترة التي سبقت الحرب العراقية تجسسنا على مكالمات انان». واضاف «انني لم التق بأحد في السلك الدبلوماسي أكثر انفتاحا من كوفي» بمعنى انه لم تكن هناك حاجة للتجسس عليه. وشهد بلير الذي يتوقع ان يدعو لاجراء انتخابات عامة في النصف الاول من عام 2005 تدهور الثقة فيه منذ ان فشل الائتلاف الذي انضمت اليه بريطانيا في العثور على اسلحة الدمار الشامل التي كانت الذريعة الرئيسية لخوض الحرب.

وسعى دبلوماسيون الى التهوين من اهمية الفضيحة. وقال اينوسنشيو ارياس سفير اسبانيا في الامم المتحدة «الكل يتجسس على الكل». وقال سيرغي لافروف السفير الروسي في المنظمة الدولية «اعتقد انه غير مشروع ولكنه يبين ان اجهزة الاستخبارات البريطانية محترفة جدا على الاقل فنيا في ما ازعم». وقال وانج جوانجايا سفير الصين والرئيس الحالي لمجلس الأمن «نحن اسفون بالتاكيد اذا كان (هذا) صحيحا». وسأل الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي يزور الولايات المتحدة كوفي انان مازحا وهو يلتقط صورا معه عن شعوره بعد ان عرف ان مكتبه يتم التجسس عليه، الا ان انان تجنب الاسئلة بشان القضية. وقال ايكهارد من دون اعطاء تفاصيل ان السفير البريطاني امري جونز باري الموجود حاليا في لندن اتصل هاتفيا بالامين العام نيابة عن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وقال ايكهارد ان التجسس سيقوض الطبيعة السرية للتعاملات الدبلوماسية وان هؤلاء الذين يتحدثون الى انان «لهم الحق في افتراض ان تكون تعاملاتهم سرية». وكانت حكومة بلير اسقطت يوم الاربعاء الماضي التهم المنسوبة الى مترجمة بريطانية اعترفت بتسريب معلومات وردت في وثيقة أميركية سرية للغاية طلبت فيها واشنطن مساعدة من لندن في التجسس على اعضاء الامم المتحدة قبل نشوب حرب العراق. وقال السفيران السابقان في الامم المتحدة عن دولتي المكسيك وتشيلي في الاونة الاخيرة، ان مكتبيهما تعرضا للتجسس العام الماضي قبيل الحرب على العراق. وكانت الدولتان في ذاك الوقت عضوين في مجلس الأمن الدولي وكانت لهما اعتراضات على غزو العراق.