ماذا وراء قرار الرئيس بوتين إقالة الحكومة الآن وأي بديل؟

TT

قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاخير اقالة الحكومة، الذي اعاد الى الاذهان اسلوب الصدمة الذي طالما اتبعه الرئيس السابق بوريس يلتسين، استهدف به بالدرجة الاولى رئيسها ميخائيل كاسيانوف. وكانت استقالة كاسيانوف امرا تداولته الألسن في كل مناسبة باعتبار انه المرشح الاول للرحيل بسبب ارتباطه الشديد بفريق الرئيس السابق ورموز الاوليغاركا، فضلا عما تداوله الشارع الروسي من شائعات حول تورطه في تلقي عمولات، وهو مما جعل الكثيرين يطلقون عليه اسم «السيد 2 في المائة».

ورغم كل هذه المبررات التي تكشف ما وراء اقالة كاسيانوف، لم يكن متوقعا ان يقدم بوتين على مثل هذه الخطوة في مثل هذا التوقيت وان كان القرار منصوصا عليه بموجب نص دستوري يقضي باستقالة الحكومة في اعقاب الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مارس (آذار) المقبل.

ورغم ان الرئيس الروسي اسهب في تفسير قراره وتبريره بأنه يريد اطلاع ناخبيه على الفريق الذي ينوي العمل معه في حالة انتخابه لفترة ولاية ثانية، فان اهتمام الداخل والخارج يظل يتركز حول شخصية المرشح لخلافة كاسيانوف، لاسباب كثيرة اهمها محاولة معرفة اسم خليفة بوتين الذي سبق ان قال ان من حقه اختياره لقيادة الدولة بعد انتهاء ولايته الثانية في ربيع عام 2008. ولعل مثل هذا الهدف الذي سبق ان اعلن عنه بوتين في لقائه مع ناخبيه في مطلع الشهر الحالي يحدد ضمنا الاسباب التي دفعته الى اقالة كاسيانوف المحسوب عمليا «للعائلة» أي انصار الرئيس السابق بوريس يلتسين. كما ان الرجل معروف بعلاقاته الوثيقة مع رموز الاوليغاركا والتيار اليميني الليبرالي بزعامة اناتولي تشوبايس.

واذا كان واضحا ان بوتين اقال كاسيانوف رغبة منه في اعلان ناخبيه انه يتخلص من ارث سلفه بوريس يلتسين الذي كال له الاتهامات غير المباشرة في معرض انتقاده للفترة الماضية واعرابه عن اسفه على سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، فان البديل المطروح لا بد ان يكون بعيدا عن هذه الدائرة التي سبق ان اطاح الكثير من رموزها ممن وجدوا الملاذ في الهروب الى الخارج ومنهم فلاديمير جوسينسكي وبوريس بيريزوفسكي او ممن لم يسعفهم الوقت فراحوا اسرى السجون من امثال ميخائيل خودوركوفسكي اكبر اثرياء روسيا ورئيس شركة «يوكوس» النفطية. على ان البديل المقترح يجب ان يكون على مستوى رفيع من الاهلية للمنصب بسبب امرين رئيسيين: اولهما قيادة الفريق الاقتصادي نحو الهدف الذي سبق ان حدده بوتين في خطابه الى الامة في اطار الاصرار على مضاعفة الدخل القومي ونسبة النمو واللحاق بالعصر وتحديث الاقتصاد الوطني. أما الأمر الثاني فيتلخص في تمتعه بما يكفل له خلافة الرئيس بعد انتهاء ولايته الثانية حسب رغبة بوتين التي اشار اليها. ومن هذا المنظور يتوقف المراقبون عند عدد من الشخصيات المعروفة على المستوى الفيدرالي ومعظمهم من نواب رئيس الحكومة وفي مقدمتهم فيكتور خريستينكو، الذي كلفه بوتين القيام بأعمال رئيس الحكومة، والكسندر كودرين، نائب رئيس الوزراء الذي ساهم في الحاق بوتين بالكرملين يوم ان كان يبحث عن عمل عام 1996 بعد فشل استاذه اناتولي سوبتشاك في انتخابات عمادة سنت بيترسبرغ.

واذا كان هناك من يربط بين كل من كودرين وخريستينكو وبين اناتولي تشوبايس، احد اكبر خصوم بوتين، فان واقع السنوات الماضية يكشف ضمنا الكثير من شواهد فك الارتباط بين نائبي رئيس الوزراء وتشوبايس على خلفية التقارب الشديد مع رئيس الدولة.

ولذا فليس من المستبعد ان يقع اختيار بوتين على أي من هذين المرشحين وان كان هناك من يرشح سيرغي ايفانوف وزير الدفاع بوصفه المرشح الاوفر حظا لخلافة بوتين نظرا للعلاقة القديمة التي تجمعهما منذ سنوات عملهما في جهاز امن الدولة «كي. جي. بي» بعد تخرجهما في وقت واحد عام 1975 من جامعة لينينغراد واختيار بوتين له ليخلفه في قيادة جهاز الامن الفيدرالي عام 1999 قبل تعيينه وزيرا للدفاع.

واذا كان ايفانوف يظل في صدارة المرشحين بوصفه ممثلا لاجهزة القوة فان هذا التوجه قد لا يلقى تأييدا واسعا نظرا للكراهية التي يكنها البعض لممثلي هذه الاجهزة من جانب وكون المرحلة المقبلة تستدعي اختيار شخصية على درجة عالية من الكفاءة الاقتصادية تتناسب مع متطلبات هذه المرحلة. وهذا صحيح رغم ان ذلك المبرر غير قادر على الصمود امام خلفية اختيار بوتين في صيف عام 1999 رئيسا للوزراء ثم رئيسا للدولة ولم يكن هناك من يعرف عن قدراته أي شيء فضلا عن انه سليل جهاز امن الدولة.

ومع ذلك فان بورصة الترشيحات تتداول الكثير من الاسماء ومنها دميتري كوزاك، النائب الاول لرئيس ديوان الكرملين، وايغور شوفالوف، نائب رئيس الديوان ايضا وهو الذي اوكل اليه بوتين مؤخرا صياغة برنامج الاصلاح الاقتصادي.

وهناك ايضا بوريس اليوشن، نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الصناعات العسكرية، اضافة الى الكسندر تكاتشوف، محافظ مقاطعة كراسنودار وهو شاب واعد استقطبت مواهبه ومواقفه الوطنية وقدراته الاقتصادية اهتمام بوتين في اكثر من مناسبة.