الإدارة الأميركية تطلق حملة دبلوماسية لكسب التأييد لمبادرة «الشرق الأوسط الكبير»

بوش يكسب المستشار الألماني لمشروعه ويسعى لإقناع العرب والأوروبيين المتحفظين بمزاياه السياسية والثقافية والاقتصادية

TT

تطلق الولايات المتحدة هذا الاسبوع حملة دبلوماسية للحصول على تأييد لمبادرتها للديمقراطية في العالم العربي، طبقا لما ذكره المسؤولون، بايفاد دبلوماسي كبير في جولة في الشرق الاوسط لاقناع الدول التي اعربت عن شكوكها في تلك الحملة الاميركية. تجدر الاشارة الي ان مبادرة «الشرق الاوسط الكبير»، وهي اكثر جهود نشر الديمقراطية الاميركية طموحا منذ نهاية الحرب الباردة، تشمل اجراءات ثقافية واقتصادية واسعة النطاق ايضا، طبقا لمسودة الخطة.

وتشير المسودة الى «التحدي والفرصة غير المسبوقة المطروحة امام المجتمع الدولي» وتقول ان هناك ثلاث نقاط «عجز» ـ الحرية والمعلومات وتمكين المرأة ـ «ساهمت في الوضع الذي يهدد المصالح القومية» لمجموعة الدول الثماني الصناعية. ويقول التقرير «طالما زاد عدد الافراد المحرومين اقتصاديا وسياسيا في المنطقة، فسنشاهد زيادة في التطرف والارهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة».

ومن المتوقع ان يبحث مارك غروسمان وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية المبادرة مع الحكومات والهيئات الخاصة خلال جولة تشمل المغرب ومصر والبحرين والاردن وتركيا. وستتبع تلك الزيارة محادثات في بروكسل مع المسؤولين من حلف شمال الاطلسي (الناتو) والاتحاد الاوروبي طبقا لما ذكرته وزارة الخارجية. وتهدف الولايات المتحدة الى اصدار تلك المقترحات رسميا خلال ثلاثة اجتماعات قمة ستعقدها في يونيو (حزيران) مجموعة الثماني و«الناتو» والاتحاد الاوروبي.

وتبدأ رحلة غروسمان في الوقت الذي ذكرت فيه الدول العربية انها سترفض الخطة اذا كانت تبدو قادمة من خارج المنطقة. وحذرت بعض الدول العربية والاوروبية من ان الحملة الاميركية للترويج للديمقراطية ستفشل الا اذا رافقها جهدا اكثر تصميما من جانب ادارة الرئيس جورج بوش لحل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. ويصر المسؤولون الاميركيين انهم لا يسعون الى فرض الخطة على المنطقة. ويشمل تعريف «الشرق الاوسط الكبير» الدول العربية بالاضافة الى تركيا واسرائيل وباكستان وافغانستان.

وقال ريتشارد المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية وهو يعلن رحلة غروسمان «كما ذكر الرئيس، فإن افكار الاصلاح يجب ان تنبع من المنطقة. ومبادرة الشرق الاوسط الكبير تهدف الى الاستجابة لاحتياجات المنطقة. فهذه دول ذات سيادة ولديها مصالحها الخاصة المطلوب حمايتها».

وتدعو مسودة الخطة الواقعة في 8 صفحات مجموعة الثماني الى وضع خطة شراكة طويلة المدى مع «قادة الاصلاح» في المنطقة لبلورة «رد فعل منسق» للترويج للتغييرات الديمقراطية. وحددت الخطة مجموعة واسعة من التحركات سيدعمها الغرب. ففي ما يتعلق بالانتخابات، فإن مسودة الخطة تدعو الى تقديم مساعدات في مجال التعليم المدني وتشكيل هيئات انتخابات مستقلة وتسجيل الناخبين، ولا سيما النساء. وفي ما يتعلق بتطبيق اصلاحات تشريعية، يمكن للغرب انشاء او تمويل مراكز دفاع قانونية لتقديم المشورة في مجال القوانين المدنية او الجنائية او الاسلامية، وافساح المجال لاستخدام محامين.

وللتشجيع على تشكيل جماعات مصالح مستقلة، يمكن للولايات المتحدة والحلفاء الاوروبيين زيادة التمويل بالنسبة لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان ووسائل الاعلام وجماعات المرأة وغيرها من الجماعات، بالاضافة الى تدريب الجماعات على تحديد اهدافها، وطرح قضاياها امام اجهزة الحكم وتطوير استراتيجيات.

وفي مجال التعليم فإن الهدف يجب ان يكون دعم برنامج الامم المتحدة الذي يهدف الى خفض معدلات الامية بنسبة النصف في عام 2010، مع التأكيد على تقديم تقنيات الكومبيوتر في المدارس وان تركز معاهد تدريب المدرسين على النساء. ويجب ان يكون الهدف هو تدريب «فرق لمحو الامية» من حوالي 100 الف مدرسة بحلول عام 2008.

وتشتمل المسودة المبدئية على مجموعة واسعة من الاهداف الاقتصادية منها ان تمول مجموعة الثماني الكبار مؤسسة تمويل الشرق الاوسط الكبير تكون على غرار مؤسسة التمويل الدولية، لدعم الاعمال المتوسطة وكبيرة الحجم. كما تقترح تمويل قروض صغيرة تصل الى 400 دولار بقيمة اجمالية 500 مليون دولار، وهو ما يمكن ان يؤدي الى اخراج 1.2 مليون شخص من الفقر الى مجال الاعمال. الى ذلك، تجاوز كل من الرئيس بوش والمستشار الالماني غيرهارد شرودر خلافات استمرت لعامين ووافقا خلال اجتماع في المكتب البيضاوي بالبيت الابيض اول من أمس على التعاون في اطار هذه المبادرة. واقر شرودر فعليا خطة بوش للسعي للحصول على دعم اوروبي ومن مجموعة الثماني للمبادرة، طبقا لما ذكره المسؤولون في البلدين. ولكنهما لم يتفقا على ما اذا كان ذلك سيصبح جزءاً من مبادرة اوروبية قائمة او ستعمل بطريقة منفصلة عنها. وذكر فولفغانغ ايشينغر السفير الالماني في واشنطن «لقد تمكنا من ايصال العلاقات الى ما كانت عليه قبل اندلاع الازمة العراقية قبل عامين. واظهر اجتماع الجمعة سعي الجانبين الى اعتبار ما مضى قد ولى». وبالرغم من معارضة المانيا للحرب في العراق، فإن شرودر ذكر ان بلاده ملتزمة الآن بالمساعدة في اعادة بناء العراق.

وقال شرودر في المؤتمر الصحافي المشترك مع بوش في البيت الابيض «لقد تبادلنا الحديث، ليس عن الماضي. لقد اتفقنا على ذلك. علينا الحديث عن الحاضر والمستقبل الآن. لدينا مصلحة كبيرة في تطوير عراق ديمقراطي ومستقر». وبالنسبة لباقي دول الشرق الاوسط، فإن شرودر كان حريصا على القول ان الجهود الاميركية في الشرق الاوسط لنشر الديمقراطية في المنطقة، يجب ان لا تحل محل عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية، التي تعطلت منذ العام الماضي.

وفي الوقت ذاته ذكر ايشينغر «ان وجهة نظرنا هي انه لا يمكننا تحقيق تقدم في الشرق الاوسط الاكبر بدون وضع الموقف الفلسطيني الاسرائيلي في الحسبان. ولكن، في الوقت نفسه لا يمكن ان تسمح للموقف الفلسطيني الاسرائيليي بعرقلة التقدم في مجالات اخرى في المنطقة».

واشار دبلوماسي شارك في المناقشات حول مبادرة الشرق الاوسط الكبير ان الاوروبيين والاميركيين يواجهون ورطة في كيفية مساعدة الاصلاحيين على احداث التغييرات المطلوبة. وذكر ان دعم الاصلاحيين بطريقة زائدة عن الحد يمكن ان تحولهم الى اتباع للاجانب. بينما تقديم مساعدات محدودة، لن تعطيهم فرصة في مواجهة حكوماتهم. واضاف الدبلوماسي انه يمكن تحقيق هذا التوازن اذا ما تعاونت الولايات المتحدة مع اوروبا، مضيفا «هناك اشياء، لا يمكن تنفيذها اذا ما نفذتها الولايات المتحدة وحدها». وبالرغم من حماس بعض الدول الاوروبية بخصوص هدف «الاصلاح» فهي تريد ضمانات بأن المقترحات ليست مجرد لعبة انتخابية او خطة لفرض الطريقة الاميركية في منطقة تشعر بشكوك تجاه الاجندة الاميركية. وكان رد الفعل واضحا في الرياض، حيث اصدرت الحكومتان المصرية والسعودية بيانا في الاسبوع الماضي يرفض الخطة بإعتبارها «مفروضة على الدول العربية والاسلامية من الخارج». وقال البيان ان التحديث سيحقق احتياجات الناس وسيكون متوازنا مع «خصوصيتهم العربية وهويتهم». وقال وزير الخارجية الاميركي كولن باول في رده على سؤال حول رد الفعل هذا «ان ما نحاول القيام به هو مساعدة كل منهم، بالطريقة التي يختارونها، على التقدم». واشار الى وجود وكيل وزارة الخارجية في المنطقة الان لمناقشة الخطة واكد ان بلاده لن«تقترح ابدا خطة اصلاحات قادمة من الخارج».

والخطة معدة على قياس اتفاقيات هلسنكي لعام 1975، التي ادخلت دول اوروبا الشرقية في حوار دولي وقادتهم نحو مزيد من حقوق الانسان والحريات. ولكن خطة الشرق الاوسط، وفي محاولة لتجنب الظهور بمظهر فرضها على دول اخرى، لن تشمل رقابة متشددة، او اصدار احكام على تقدم تلك الدول، طبقا لما ذكره المسؤولون.

وكان كل من نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ووزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد قد اشارا الى تلك الجهود خلال جولات في اوروبا في الشهر الماضي. كما لمح وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر، في خطاب في ميونيخ الى اهتمامه القوي بالاهداف العامة للعمل من اجل تقوية المنطقة.

وقالت متحدثة باسم الاتحاد الاوروبي ان وجهة النظر الاوروبية كانت «ايجابية». واضافت انه من الضروري ان تشمل المبادرة جهداً لتحقيق التقدم في عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين و«مشاركة دول». وفي الوقت ذاته اشار دبلوماسيون اوروبيون الى انهم يأملون ان تقدم المبادرة فرصة لشراكة جديدة، في الوقت الذي يسعون فيه الى التغلب علي الانقسامات في العلاقات عبر الاطلسي في ما يتعلق بالحرب في العراق. لكنهم يشعرون بالقلق من احتمال ان تكون المبادرة محاولة لتجنب المشاركة في عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية، التي يعتقد العديد ان ادارة بوش غير مهتمة بمتابعتها.

ويخشى البعض الا يكون لمبادرة الشرق الاوسط الكبير، مثل خطة السلام في الشرق الاوسط المدعومة من الولايات المتحدة، استمرارية ـ او انها ستصبح مجرد جهد للعثور على تبرير جديد لحرب العراق، لان جهود البحث عن اسلحة غير مشروعة قد تداعت. ومن بين المخاوف الاخرى ان المبادرة الاميركية يمكن ان تغطي على او تستوعب جهود الاتحاد الاوروبي، المعروفة باسم «عملية برشلونة» ويدعو هذا البرنامج الذي تم التوصل اليه قبل 9 سنوات، وتصل قيمته الى مليار دولار، الدول المتوسطية المعنية الى توقيع اتفاقيات شراكة تمدها بإتصالات سياسية، ومساعدات على التحديث وتحرير التجارة.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»