فرنسا وألمانيا تقودان الرد الأوروبي على المبادرة الأميركية بطرح ورقة عمل من أجل «شراكة استراتيجية» مع الشرق الأوسط

TT

بدأت في بروكسل اول من امس مناقشات معمقة بين فرنسا والمانيا والممثل الاعلى للسياسة الخارجية الاوروبية خافيير سولانا حول «ورقة عمل» فرنسية ـ ألمانية مشتركة تحمل اسم «علاقة استراتيجية من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط».

وتأتي هذه المناقشات في إطار المساعي الاوروبية التي تقودها باريس وبرلين، لبلورة موقف اوروبي مشترك في مبادرة «الشرق الأوسط الكبير» الاميركية، ومن اجل طرح مشروع أوروبي بديل يكون، وفق ما أفادت به مصادر واسعة الاطلاع، «نقطة الانطلاق للتأثير على المشروع الاميركي وتعديله، وبحيث لا يصل الاتحاد الاوروبي الى الاستحقاقات الرئيسية القادمة، أي القمة الاطلسية في اسطنبول، وقمة الدول الصناعية في سي ايلاند (ولاية جورجيا)، والقمة الاميركية ـ الاوروبية، وكلها في الشهر السادس من هذا العام من غير مشروع اوروبي صلب وموحدة».

كذلك، فان الورقة الفرنسية ـ الالمانية غير الرسمية التي تجمع بين افكار وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر و«ملاحظات» نظيره الفرنسي دومينيك دو فيلبان، يراد لها ان تكون «العمود الفقري» للمشروع الذي كلف خافيير سولانا بصياغته، في شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي.

وبحسب المصادر المطلعة، فان الورقة الفرنسية ـ الالمانية التي تتألف من خمس صفحات، تنقسم الى ثلاثة اقسام هي الاهداف ومبادئ العمل التي تستوحيها المبادرة ثم مقترحات عملية، تتضمن اشارات الى القمة العربية في تونس والى مجلس التعاون الخليجي والى ما يجب ان يكون عليه الموقف الاوروبي في القمم الثلاث المذكورة والى دور الحلف الاطلسي وخلافه.

وفي الاهداف، تنص ورقة العمل، وفق المصادر الاوروبية، على ان «مستقبل منطقة الشرق الأوسط هم مشترك لدول المنطقة وللاتحاد الاوروبي ولشركائنا عبر الاطلسي». وتضيف: «ان التزامنا مع دول حوض المتوسط والشرقين الادنى والاوسط يعد اولوية لتحرك الاتحاد الاوروبي».

ورغم ان «الورقة» تؤكد على ان «كل مبادرة للشرق الأوسط يجب ان تستجيب لحاجات وتطلعات المنطقة»، مما يعد انتقادا مباشرا للمبادرة الاميركية، الا انها تلاحظ ان «الولايات المتحدة قدمت افكارا حول الشرق الأوسط وحول طرق التحديث والديمقراطية فيه، وعلينا ان نرحب بامكانية العمل والتعاون معها (حول مبادرتها)، وعلى الاتحاد الاوروبي ان يسعى الى شراكة واشنطن للتعامل مع الشرق الأوسط». لكن «الورقة تصر» على ضرورة بلورة «مقاربة مستقلة» عن المقارنة الاميركية التي يمكن «ان تتكامل معها» وعلى ضرورة تسخير «الادوات والمؤسسات التي بحوزة الاتحاد الاوروبي لتحقيق خطته واهدافه».

وفي مبادئ العمل، تنص «الورقة» على ان «كل المجتمعات» والدول المعنية عبّرت عن «اعتراضات جماعية وشديدة لأية محاولة لفرض نموذج من الخارج وبالتالي علينا ان نعمل مع كل هذه الدول والاستجابة قدر ما هو ممكن لمطالبها، كذلك اشراك الدول المعنية بشكل وثيق ومبكر قدر الامكان في هذا العمل». وتدعو «الورقة» الى اتباع اسلوب «الحوار والتحفيز» والتعامل مع الحكومات ومع المجتمع المدني على السواء «مع الاخذ بعين الاعتبار حقائق كل بلد»، وكذلك «الشعور الوطني والهوية الخاصة به وتفادي فخ الفرض (من خارج). وتطالب الورقة بـ«تشجيع الدول المعنية للتعبير عن آرائها وآمالها ان في اطار الجامعة العربية او في اطار محافل اخرى».

وتدعو الورقة الفرنسية ـ الالمانية للنظر في العلاقة الاوروبية ـ الشرق أوسطية «في اطار بعيد الامد»، والى الانطلاق في «الاستراتيجية الامنية الاوروبية» التي تم تبنيها في ديسمبر الماضي، على ان تشمل «الجوانب السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك بناء المجتمع المدني».

وفيما المبادرة الاميركية تذهب من المغرب وحتى باكستان، فان الشراكة التي تدعو اليها الورقة الفرنسية ـ الالمانية «يجب ان تشمل كل الدول في الشرق الأوسط»، من غير ان تحددها. وإلى جانب البناء على «مسار برشلونة» ومنتدى الحوار المتوسطي، فان «الورقة» تحث على «بناء علاقة وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي».

وفي ميدان المبادرات والخطوات العملية، تنص الورقة الفرنسية ـ الالمانية، وفق المصادر الاوروبية، على تنظيم اجتماع بين وزراء الخارجية الاوروبيين ونظرائهم العرب لشرح المبادرة الاوروبية وحث القمة العربية على إصدار بيان يؤكد فيه القادة العرب التزامهم تنفيذ الاصلاحات والتحديث والديمقراطية.

وفي كل فقرات «الورقة»، ثمة رغبة ثابتة هي التركيز على التشاور والحوار والابتعاد عن تقديم الحلول الجاهزة. وإلى جانب الاجتماع الوزاري المذكور، تدعو الورقة قمة الدول الصناعية الثماني التي ستلتئم ما بين الثامن والعاشر من يونيو الى الرد على «اعلان تونس» عبر «بيان سياسي» من المفترض ان ينكب على صياغته وزراء الخارجية لدول المجموعة خلال اجتماعهم في شهر مايو (ايار) بعد ان يكون المديرون السياسيون لوزارات الخارجية قد ناقشوه في شهر مارس (آذار) الجاري.

وترى «الورقة» ان ثمة امكانية للجمع بين الخطوط الكبرى للمبادرة الاميركية والمبادرة الاوروبية، مع اشراك المنظمات المعنية مثل الامم المتحدة وغيرها في عملية الشراكة والتحديث. ومن باب التحفيز، فان الورقة تدعو مجموعة الثماني الى ابداء استعدادهم لاستخدام الادوات الاقتصادية التي بحوزتهم لتطوير التعاون ودعم الدول التي باشرت عمليات الاصلاح.

وترغب باريس وبرلين بتنظيم اجتماع للتشار والشرح بين وزراء خارجية مجموعة الثماني ونظرائهم في المنطقة الشرق أوسطية، كما تحبذ عقد لقاء بين قادة من هذه المنطقة وزعماء مجموعة الثمانية. وترى العاصمتان في مثل هذه المبادرة «تعبيرا عن الارادة الحسنة» للمجموعة في التعاون والتنسيق مع دول المنطقة وتشجيعا لها للسير في العملية الاصلاحية. اما على الصعيد الاوروبي البحت، فان باريس وبرلين ترغبان في ان يتبلور الموقف الاوروبي المشترك ابان اجتماع وزراء الخارجية في ايرلندا، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي، على ان تصادق عليه القمة الاوروبية التي سترعى هذا الاجتماع في دبلن.

وبحسب معلومات توافرت لـ«الشرق الأوسط»، فان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، «لم يبد كثيرا من الحماس» لمبادرة أوروبية وبمواجهة المبادرة الاميركية مما يحفز المانيا وفرنسا على التركيز على نقاط التقارب بين الرؤيا الاوروبية والرؤيا الاميركية، لا بل الوصول الى مبادرة موحدة أميركية ـ أوروبية تكون بمثابة «تسوية» بين الجانبين وتغيب منها المآخذ التي عبرت عنها دول اوروبية ابرزها فرنسا وألمانيا. اما بخصوص دور الحلف الاطلسي، فان «الورقة» تشير الى ما يمكن ان يضطلع به عبر «الحوار المتوسطي» القائم مع مجموعة من الدول العربية وغير العربية مثل المغرب وتونس ومصر والاردن، او من خلال التركيز على مسألة الامن وامكانيات التعاون بشأنها وذلك بمعناها الواسع.