الرئيس أريستيد غادر هايتي في وجه الثوار واستجابة لضغوط دولية حملته مسؤولية التمرد

TT

أفادت مصادر رسمية في بور او برانس ان الرئيس الهايتي جان برتران اريستيد غادر بلاده امس، مستجيبا للضغوط الدولية ـ خاصة الاميركية والفرنسية ـ التي حملته مسؤولية التمرد. واوضح مصدر ان اريستيد، الذي واجه تمردا مسلحا بدأ في الخامس من فبراير (شباط) الماضي، وصل الى جمهورية الدومينيكان لكنها لن تكون وجهته النهائية. وذكرت معلومات اخرى انه قد يتوجه ايضا الى المغرب او تايوان او بنما او جنوب افريقيا. لكن مسؤولا رفيعا في الرباط نفى ان يكون المغرب احد المستقرات المحتملة للرئيس الهايتي. مضيفا ان بلاده لن تمنحه اللجوء السياسي اذا طلبه لديها.

وهذه هي المرة الثانية التي يهرب فيها اريستيد من البلاد. وكانت الاولى عام 1991 في اعقاب انقلاب عسكري عليه بعد مجيئه للسلطة بثمانية اشهر. ووقتها فر اريستيد الى الولايات المتحدة مكث فيها الى ان ارسل الرئيس الأميركي وقتها، بيل كلينتون، 20 ألف جندي اميركي الى هايتي وضعوا حدا لحكم العسكر. وكانت الولايات المتحدة قد القت باللائمة على الرئيس الهايتي في الثورة الدامية التي واجهته وطالبته بالتخلي عن السلطة لمصلحة بلاده. وفي الوقت الذي اقترب فيه المتمردون المسلحون من العاصمة بور أو برانس، أعلن البيت الابيض أنه يتعين على أرستيد «قبول المسؤولية عن انتهاك المبادئ الديمقراطية واثارة الانقسام في البلاد». وقال البيت الابيض في بيان خطي: «هذه الازمة التي تجيش منذ فترة طويلة من صنع أريستيد الى حد كبير. تصرفاته أثارت شكوكا في أهليته لمواصلة حكم هايتي. نحثه على دراسة موقفه بعناية وقبول المسؤولية والتصرف بما يحقق مصلحة شعب هايتي».

وزادت تلك الكلمات القاسية من ادارة الرئيس جورج بوش من الضغوط التي يتعرض لها أريستيد. فقد دعته فرنسا، التي استعمرت هايتي سابقا، الى «الاستقالة من أجل المساعدة في انهاء التمرد المسلح». ويذكر ان أريستيد كان بطلا شعبيا للديمقراطية في هايتي وتدعمه قوة من الشرطة ذات تدريب ضعيف وتضم أربعة الاف فرد.

وقال بيان البيت الابيض: «عدم تمسكه بالمبادئ الديمقراطية ساهم في الاستقطاب العميق والاضطرابات العنيفة التي نشهدها في هايتي». وتعرض الرئيس بوش، الذي يواجه انتخابات رئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لانتقادات من أبرز مرشحي الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس، جون كيري، لاهماله عدم الاستقرار السياسي في هايتي. ودعا كيري الى تعيين مبعوث خاص للمساعدة في انهاء هذه الازمة.

وواجهت هايتي حالة من الفوضى ونقص في المواد الغذائية مع تقدم مجموعة من الجنود السابقين وأفراد العصابات نحو العاصمة في محاولة لاطاحته. وقتل ما لا يقل عن 65 شخصا خلال الثورة ضد أرستيد الذي يتهمه خصومه بـ«الفساد والبلطجة السياسية». واقام أنصاره المسلحون حواجز مشتعلة على الطرق وراحوا يرهبون سكان بور أو برانس وهم يجوبون في العاصمة في شاحنات صغيرة.

وكان المسؤولون الاميركيون يصرون على أنهم يحاولون التوصل لحل دبلوماسي للازمة رغم أن وزارة الدفاع الاميركية درست بعض الخيارات في حالة اتخاذ بوش قرارا بالتدخل. وقال البيت الابيض ان الولايات المتحدة «ستكون مستعدة لدعم قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام اذا تم التوصل لحل سياسي قابل للاستمرار في هايتي».

وكان المسؤول السياسي في جبهة المقاومة الوطنية المعارضة، ونتر اتيان، قد اعلن اول من امس ان المتمردين الهايتيين سيغادرون (اليوم) مدينة كاب هايتيان الشمالية بعد سقوطها في ايديهم تاركين وراءهم سلطة مدنية وعسكرية وذلك من اجل الزحف على مدينتي سان مارك الغربية وبور او برانس.

وقال: «يجب منع اريستيد من مواصلة اعمال القتل» وان «الهدف ما زال بور او برنس». وكانت الولايات المتحدة قد طلبت عبر بيان صادر عن سفارتها في بور او برانس مساء الجمعة من «القوات المسلحة في الشمال» وقف تقدمها. وكانت تلك هي المرة الاولى التي تتوجه فيها الولايات المتحدة علنا الى المتمردين. وقال ونتر اتيان: «هذا يثبت انهم يأخذوننا على محمل الجد». ويذكر ان جبهة المقاومة الوطنية، التي انطلقت من الشمال كانت تسيطر على اكثر من نصف البلاد وقت رحيل اريستيد.

وكان حوالي الفي شخص من انصار اريستيد قد تظاهروا اول من امس حول السفارة الاميركية في بور او برانس رافعين صور زعيمهم امام اعين وحدة المارينز الاميركية التي قدمت لحظف امن السفارة. وسار المتظاهرون الذين كانوا قد تجمعوا امام القصر الرئاسي حتى السفارة وداروا حولها مرات عدة وهم يرددون شعارات مؤيدة لاريستيد على انغام موسيقى وطنية. وردد بعض المتظاهرين شعارات معادية للحرب على العراق، لكن المظاهرة كانت سلمية بالرغم من وجود عشرات الناشطين المقنعين.

كما بدأت كندا نقل رعاياها جوا من هايتي على متن طائرات عسكرية كندية أرسلت الى الجزيرة للمساعدة في أي عملية اجلاء محتملة. وقال مسؤول حكومي كندي في اوتاوا أن طائرة نقل عسكري نقلت مجموعة مؤلفة من 20 كنديا وأميركيا وهايتيا من مطار بور أو برانس الى جمهورية الدومينيكان المجاورة.

وفي وقت سابق اول من أمس بعثت كندا بثلاث طائرات نقل عسكري الى هايتي. وقالت متحدثة باسم بيل غراهام، وزير الخارجية الكندي، انه لم يتم اتخاذ قرار ببدء اجلاء رسمي وهو أمر سيلزم جميع الكنديين بالرحيل. ويوجد نحو 800 كندي مسجلين في السفارة بهايتي.

ويوجد نحو 20 جنديا كنديا بالفعل في هايتي للاشراف على أي عملية اجلاء. وتقول اوتاوا ان 120 جنديا جاهزون للذهاب الى هايتي اذا دعت الحاجة للمساعدة في اجلاء الرعايا الكنديين.