العراقيون يوجهون لومهم واتهاماتهم إلى الأميركيين كلما وقعت هجمات

TT

وقف الحارس متأهبا عند باب مسجد المهدي، في نفس الموقع الذي فجر فيه انتحاري، قبل ساعتين فقط، عبوته القاتلة من المتفجرات اول من امس، حيث قتل أكثر من عشرة كانوا يهمون بدخول المسجد ذي القبة الزرقاء. قال حارس المسجد، واسمه أبو يعرب الخفاجي، 26 سنة: «الأميركيون هم الذين فعلوا ذلك. فقد رأينا طائراتهم الهليكوبتر قبل يوم وهي تقوم باستطلاع هذه الأماكن بغرض ضربها».

بصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن هذه التفجيرات فإن العراقيين يلقون اللوم على الولايات المتحدة عندما تنفجر أية قنبلة، بل عندما ترتكب اية جريمة أو يحدث خطأ. وقد ألقي اللوم على الاحتلال عندما انفجرت الصيف الماضي ورشة سرية لتصنيع القنابل في ساحة أحد المساجد في مدينة الفلوجة (غرب بغداد)، كما اتهموا ايضا بأنهم المذنبون عندما تفجرت شاحنة امام مركز للشرطة في بلدة الخالدية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وهوجمت قوات التحالف أيضا عندما قتل عدد من الشيعة في أحد المساجد بالنجف، واتهمت بأنها لم توفر حماية أمنية كافية لهذه المرافق. وتوجه انتقادات شديدة لهذه القوات كذلك لشدة التفتيش الذي تقوم به في نقاط المرور وبعد الهجمات.

تكررت هذه الانتقادات نفسها في بغداد وكربلاء، اول من امس، الذي كان دون منازع أسوأ يوم مر به العراق منذ سقوط صدام حسين. وقد حاول المسؤولون الأميركيون أن يلطفوا كثيرا من ردود فعلهم في وجه الانتقادات الموجهة لهم. فقد قال الجنرال مارك كيميت، المتحدث العسكري الأميركي، عندما سئل عن قيام عراقيين بقذف قواته بالحجارة:

«من المفهوم تماما بالنسبة لنا، وفي مثل هذه الظروف من الأسى العميق، أن يعبر الناس عن حزنهم ويصبوا جام غضبهم على بعض الناس الذين لم يرتكبوا الجريمة المعينة. أعتقد أن الانفعال الآني هو الذي دفعهم إلى ذلك».

ومع ذلك فإن هذه الإدانة التلقائية للأميركيين كانت مصدر حيرة لكبار قادة قوات التحالف. فقد قال الليفتنانت كولونيل ريكاردو سانشيز، كبير الضباط الأميركيين في العراق وهو يعلق على اللوم الذي تعرضت إليه الولايات المتحدة من جراء التفجيرات التي حدثت في وقت سابق في مدينتي الحلة والإسكندرية: «لا أدري لماذا يفكر الناس بهذه الطريقة. ما أعرفه أن هذه المعلومات ليست صحيحة. إنها إشاعات ليس إلا. ولا يمكنني مهما قلت أن أوضح بصورة كافية أن الولايات المتحدة أو قوات التحالف لا علاقة لها بأية هجمات ضد العراقيين أو ضد الشرطة العراقية وغيرها من أجهزة الأمن العراقية. إن مثل هذا لم يحدث مطلقا».

وتشير المقابلات التي تجرى مع العراقيين بعد كل هجوم إلى أن المسألة أعمق من مجرد التنفيس. فهذا مجتمع هش يخرج من ثلاثة عقود من الدكتاتورية التي رسخت أجهزة امنها الوحشية جوا من الشكوك والارتياب في كل شيء. وتشير التعليقات كذلك إلى خيبة أمل عامة في مسيرة العراق المتعرجة نحو إعادة الاعمار والديمقراطية، سواء تعلق ذلك بالعنف المستمر ام بانعدام الكهرباء والصفوف الطويلة من أجل النفط والغاز أو الحصول على وظيفة.

هناك بالإضافة إلى ذلك غضب حقيقي بين العراقيين على الاحتلال الأجنبي لبلادهم. وتساءل محمد حسين وهو من سكان كربلاء، اول من امس قائلا، وهو يقف في موقع تفجرت فيه قنبلة قتلت خمسة أشخاص: «أين هي كل تلك الوعود التي وعدنا بها الأميركيون؟ إنهم غارقون في نفطنا ولكنهم فشلوا في حمايتنا. وعلى أميركا أن تنتبه لهذا الغضب الشديد من قبل الأغلبية الشيعية».

قضية حماية الأماكن الكثيرة المقدسة في العراق، سلاح ذو حدين. ويعترف القادة الأميركيون بمسؤوليتهم العامة عن الأمن في العراق، ولكن الكثيرين منهم يحاولون ألا يتدخلوا بصورة عنيفة. ويستخدم كثير من العسكريين مصطلح «الحساسية الثقافية» لتبرير إحجامهم عن إقحام أنفسهم في كل شيء. ومن وجهة نظر الجنود فإن القوات الأميركية ملومة في الحالتين; لو فعلت أو تركت. ويعترف بعض العراقيين أن هذا القول ينطوي على بعض الحقيقة. وعلى سبيل المثال فإن العراقيين يمارسون ضغوطا مستمرة على القوات الأميركية لتنقل مزيدا من السلطات إلى الشرطة وأجهزة الأمن العراقية. وقد حاولت القوات الأميركية أن تستجيب لهذا المطلب فانسحبت من أغلب اجزاء بغداد وغيرها من المدن. ولكن عندما حدثت الهجمات وقع اللوم عليها باعتبارها تخلت عن مسؤولياتها. وكذلك فإن تفادي الأماكن الأكثر اكتظاظا بالسكان يوفر أمانا أكثر بالنسبة للقوات الأميركية. وقال عدنان باجه جي، عضو مجلس الحكم العراقي، في مقابلة أجريت معه اول من امس: «طلبنا من القوات الأميركية الانسحاب من المدن. وقد خرج الاميركيون من المدن نتيجة لإصرارنا. ولا نستطيع أن نلومهم لأنهم لم يكونوا في موقع الحدث».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»