وزير الشؤون الإسلامية المغربي يدعو العلماء إلى الإيمان بالديمقراطية باعتبارها واجبا دينيا

TT

دعا أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربي، إلى إعادة النظر في المهمة التقليدية للعلماء باعتبار أن السياق الديمقراطي يفرض اندماج مهام جميع الفاعلين الاجتماعيين.

وأوضح التوفيق، في محاضرة القاها اول من امس في الرباط موضوع «مهمة العلماء في سياق الاختيار الديمقراطي»، أن هناك سببين رئيسين يؤكدان ضرورة إعادة النظر هذه، ويتمثلان في كون سياق الديمقراطية ساهم في ظهور جماعات جديدة تشارك العلماء الكثير من مهامهم الأولى، ثم ضرورة اندماج كل مهام الفاعلين الاجتماعيين في هذا السياق الديمقراطي تحت طائلة «إلقاء النفس إلى تهلكة التهميش أو الشذوذ أو الصدام مع اختيار الجماعة».

وقدم التوفيق مجموعة من المقترحات بخصوص متطلبات قيام العلماء بمهمتهم في سياق الاختيار الديمقراطي، أولها «وجوب إيمان علماء الاسلام بالديمقراطية إيمانا خاليا من شوائب التشكك والتقية»، وانخراطهم في الديمقراطية باعتبارها «واجبا دينيا يدخل في احترام إرادة الجماعة»، وتمثلهم لقيم الديمقراطية في انسجام مع فهمهم الشرعي الاجتهادي من أجل الدفاع عن الديمقراطية ضد «المبطلين» و«السطحيين»، وغيرهم من «المغفلين أو المغرر بهم أو المغرضين».

أما المتطلب الرابع فيتمثل في «اقتناع العلماء بكونية التجارب البشرية تحت ملك الله، وتطلب الحكمة التي هي ضالة المؤمن في تاريخ وحاضر انسانيين يجب ان تدخل دراستهما العميقة في تكوين العالم الجديد».

واعتبر التوفيق أن المراجع الكونية للحقوق كما تملى على المسلمين تبين عجزا في الريادة ينبغي تداركه دون أن تكون أجنبية المصدر عقدة في تقبل حقائق هي في أفق لم يسعف التاريخ الامة الاسلامية في المسابقة اليها.

وحسب التوفيق، يتطلب السياق الديمقراطي ايضا اجتهاد العلماء في قبول التعدد المرافق للديمقراطية وذلك بان يكون لهم «وسع رباني لا يضيقون معه من اختلاف لا في الرأي ولا في السلوك ولا حتى في الدين داخل الدائرة التي تحددها قوانين البلد وتقتضيها مصلحة الاسلام على حسب الاولويات وطاقات اهله».

وفي هذا التقبل والوسع يقول التوفيق «ثقة بالله وبالذات مبنية على ان النموذج الذي يعرضه العلماء على الناس كفيل بالاقناع والاغراء بعيدا عن كل انواع الاكراه»، مضيفا أن العلماء مطالبون ايضا في هذا السياق بقبول التخصص المصاحب للديمقراطية على مستوى السلطات والمؤسسات بـ«حيث ينهض كل بواجبه في حدود مسؤولياته».

وتوقف التوفيق عند متطلب آخر من متطلبات قيام العلماء بمهمتهم ضمن السياق الديمقراطي، وهو ضرورة قبولهم بمبدأ الحرية المرادفة للديمقراطية، مشيرا الى أن هذا المفهوم «لم ينته عند المفكرين المسلمين الى التعبئة على القضايا الكبرى. أما على صعيد الفرد فكان يطلب من المسلم ان يلتزم في حريته بالمعتقدات ، وان يراعي السلوك المكرس بعوائد الجماعة، وهو مع ذلك متشبث بحريته ومعتز بها ولم يكن من المتوقع تفعيل هذا الاعتزاز على الصعيد السياسي باختيار المحكوم لحاكمه علما بأن الجو العام للثقافة الاسلامية لم يقبل ظهور اي نوع من انواع الخنوع المكرس».

وأكد التوفيق أن اعتكاف المتكونين في العلوم الشرعية اليوم على دراسة مبحث الحرية فلسفيا واخلاقيا وقانونيا بشكل اوسع مما انتهت اليه مدارس الكلام «امر مطلوب بالحاح وذلك بأن يعرضوا على النظر الشرعي العالي تعريفات هذه الحرية ومباحثها عند الغير»، مشددا على أن عرض ما توصل اليه اهل النظر الفكري الفلسفي والقانوني الغربي في هذا الاطار على شروط الحرية التي يمكن استنباطها من الاصول لابد أن يقرن بعرض مبحث اخر على النظر العالي للشرع هو مبحث المسؤولية.

وأوضح أنه «لا انفكاك بين المباحث الثلاثة المطلوب من المتخصص في الشرع النفاذ الى جوهرها وهي الديمقراطية والحرية والمسؤولية».

واذا كان التوفيق قد ركز في المتطلبات السبعة الاولى على اندماج العلماء في مجتمع الديمقراطية، فقد خصص المقترح الثامن لشرط اندماج في الاتجاه الاخر، أي اندماج الديمقراطية في الاسلام، مبرزا في هذا الاطار مسؤولية العلماء في «تخليق الديمقراطية وروحنتها، اي تعبئتها بما تفتقده وتتوق اليه من الروحانية».

وأوضح التوفيق أن ما يتمتع به علماء المسلمين من هيبة لدى الجماهير تمنحهم القدرة على تحقيق هذا الهدف إذ أن «الكمال كله في الانسانية يدور على الدين، والدين مداره على الاخلاق، والاخلاق أنفاس وأنوار ونماذج».

واعتبر أن مبحث تخليق الديمقراطية وروحنتها «كفيل بأن يكون هو البرنامج العريض لمهمة العلماء في عصر مفتوح الافاق على كثير من الخير والنجاح والازدهار لهذا الدين الحنيف.

وابرز أن الامر يتعلق بتخليق اليات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبتخليق الانسان المنخرط فيها والمدبر لها في المؤسسات ورعاية حرمة القانون.

واقترح التوفيق أيضا، ضمن رؤيته لمتطلبات مهمة العلماء في المجتمع الديمقراطي، ضرورة «احترام شفافية الديمقراطية واعتبار الاسفاف في القول والفعل مسيئا لاخلاقيات هذه الشفافية مما يتوقف علاجه على حكمة العلماء التي وصفت بأحسن الحكم»، وكذا احترام كل القوانين الصادرة في سياق الديمقراطية على أنها داخلة في تدبير مصالح المسلمين، و«هي كذلك ما لم تتناقض مع نص صريح قطعي من نصوص الشرع الحنيف».

وأضاف أنه «في هذا الجو الديمقراطي القائم بناؤه يفسح المجال لتجاوز عدد من العوائق امام مهمة العلماء». مشيرا الى ان الامر لا يتعلق فقط بالعلماء الاعضاء بالمجالس العلمية وحدهم بل بجميع العلماء المؤمنين بمهمتهم فوق كل العلل والاسباب والاعتبارات».

وشدد على أن «ارتباط العلماء بامارة المؤمنين، هو العقيدة الصلبة التي تؤهل المغرب لبناء نموذج بلد يدافع عن الاسلام لا بالمجاملة الكلامية التي قد لا يصغي اليها أحد بل بتجربة قائمة غير مسبوقة تلعب فيها المساندة المعنوية للعلماء دورا مهما في تقوية الدولة وتنمية الاقتصاد ورعاية العلوم والثقافة ودعم العائلة وتربية الناشئة واقناع الشباب بالاسلوب المناسب له بقيم تصونه من العبث».