طبيب لكل 625 نسمة في السعودية و1930 ريالا متوسط الإنفاق الصحي على الفرد

دراسة تطالب باستراتيجية للأمن الصحي في السعودية خلال العقدين المقبلين تراعي الزيادة السكانية

TT

طالب أكاديمي سعودي وضع استراتيجية للأمن الصحي في بلاده للعشرين سنة المقبلة تكون واضحة المعالم ومتضمنة الاحتياجات الصحية الأساسية من القوى العاملة والمرافق الصحية وبرامج التمويل الصحي وتنمية اعداد القوى العاملة الصحية الوطنية لرفع معدلات السعودة. ورأى أن الإنفاق الحكومي يمثل حوالي 80 في المائة من حجم الإنفاق الإجمالي على الرعاية الصحية، لافتاً إلى أن معدل الأطباء للسكان في السعودية للعام الماضي يبلغ طبيب واحد لكل 625 نسمة مقارنة بطبيب واحد لكل 370 نسمة في الدول المتقدمة، كما أن معدل الاسرّة للسكان في السعودية في الوضع الراهن يبلغ سرير واحد لكل 434 نسمة مقارنة بسرير واحد لكل 250 نسمة في الدول المتقدمة. وأوضح الدكتور عبد الرحمن بن حمد الحميضي أستاذ الإدارة المشارك بجامعة الملك سعود في دراسة خص بها «الشرق الأوسط» أن تكاليف تقديم الخدمات الصحية تتزايد بسرعة لم يشهدها العالم من قبل، وخاصة خلال الثلث الأخير من القرن العشرين. وتلك الظاهرة التي تتزايد يوماً بعد يوم حدثت نتيجة لعدة عوامل تراكمت وتفاقمت عبر السنوات الأخيرة تأتي في مقدمتها الزيادة المطردة في عدد السكان والتطور السريع في التقنيات الطبية الحديثة وارتفاع تكلفة إنشاء وتشغيل المستشفيات، والتغير الذي حدث في نمط الأمراض وظهور أمراض العصر، إضافة إلى ارتفاع متوسط العمر المأمول عند الولادة وزيادة نسبة المسنين.

وقد تضافرت كل هذه العوامل لتجعل أسعار الخدمات الصحية تتزايد بمعدلات أعلى من تزايد أسعار السلع والخدمات الأخرى في جميع أنحاء العالم. وحسب تقديرات البنك الدولي، فقد بلغ الإنفاق العالمي على الخدمات الصحية عام 2004 أكثر من 2.2 تريليون دولار وذلك بنسبة تصل إلى حوالي 8% من إجمالي الدخل العالمي.

واشار إلى أن السعودية ليست استثناءً في ذلك من بقية دول العالم التي أصبحت حكوماتها تحس بوطأة ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية، حيث أن المملكة تنفق حوالي 10% من ميزانيتها السنوية على الخدمات الصحية وذلك بنسبة تقدر بحوالي 4.8% من حجم الناتج المحلي البالغ 760 مليار ريال تقريباً لعام 2004. ويقدر متوسط الإنفاق على الرعاية الصحية على كل فرد من السكان بحوالي 1930 ريالاً سنوياً، ويمثل الإنفاق الحكومي حوالي 80% من حجم الإنفاق الإجمالي على الرعاية الصحية.

وذكر أن التقديرات المستقبلية لاستراتيجية الأمن الصحي بالمملكة العربية السعودية للعشرين سنة القادمة (2020) تعتمد على متغيرين أساسيين هما معدل النمو السكاني المرتفع ومقارنة الوضع الراهن لبعض المؤشرات الصحية بالمملكة مع تلك في الدول المتقدمة.

موضحاً انه في ما يتعلق بمعدل النمو السكاني المرتفع بالسعودية فان الإحصاءات السكانية والتقديرات المستقبلية تشير إلى أن عدد سكان المملكة الإجمالي سيرتفع بنسبة 56.6% خلال المدة من 2000 ـ 2020، في حين سيزداد عدد السكان السعوديين بنسبة 89.2%، فإن عدد السكان المقيمين (من غير السعوديين) سيتناقص بنسبة 33.4%. وقد وصل عدد السكان الإجمالي في عام 2000 إلى 21.4 مليون نسمة، والسعوديين منهم 15.7 مليون وغير السعوديين 5.7 مليون. ويتوقع أن يصل إجمالي عدد السكان في عام 2020 إلى 33.5 مليون نسمة، بحيث يصل عدد السكان السعوديين إلى 29.7 مليون نسمة وغير السعوديين 3.8 مليون نسمة.

وفي ما يخص مقارنة بعض المؤشرات الصحية مع تلك في الدول المتقدمة فان المحلل يستطيع أن يتعرف على الوضع الصحي لبلد ما من خلال مقارنة المؤشرات الصحية القائمة مع تلك في الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ معدل الأطباء للسكان بالمملكة لعام 2000 طبيب واحد لكل 625 نسمة مقارنة بطبيب واحد لكل 370 نسمة في الدول المتقدمة. كذلك يبلغ معدل الأسرة للسكان في المملكة في الوضع الراهن، سرير واحد لكل 434 نسمة، مقارنة بسرير واحد لكل 250 نسمة في الدول المتقدمة. ويبلغ معدل التمريض للسكان، ممرض واحد لكل 296 نسمة مقارنة بممرض واحد لكل 135 نسمة في الدول المتقدمة. ومن المؤكد أن معرفة الوضع الصحي الراهن من خلال هذه المؤشرات يعطي المحلل دراية موضوعية بعمل الاسقاطات المستقبلية الملائمة.

وحول الملامح الرئيسة لاستراتيجية الأمن الصحي في السعودية، أشار الدكتور الحميضي إلى أن هذه الاستراتيجية المقترحة تنطلق من خلال التركيز على خمسة محاور أساسية تشمل تحسين المؤشرات الصحية وتلبية الاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة الطبية وتلبية الاحتياجات من الموارد الصحية وتلبية الاحتياجات من الموارد المالية، وتنمية الكفاءات البشرية الوطنية لرفع معدلات السعودة.

وأوضح أن ما يتعلق بتحسين المؤشرات الصحية فان الأمر يتطلب عمل دراسات مقارنة تعكس التغير في المؤشرات الصحية ما بين الماضي والحاضر لمدة عشرين سنة سابقة من 1980 إلى 2000 وكذلك تقدير التحسين المستهدف لهذه المؤشرات للمملكة لعام 2020 بناءً على تقليص الفارق بين المملكة والدول المتقدمة بنسبة 50% كحد أدنى. فعلى سبيل المثال فإن معدل الأطباء لكل 10.000 نسمة من السكان في الوضع السابق لعام 1980 كان 12.5 طبيب وتطور في الوضع الراهن لعام 2000 إلى 16 طبيب مقارنة بـ27 طبيب في الدول المتقدمة، وبذلك فإن المستهدف لتحسين هذا المؤشر هو 21.5 طبيب لعام 2020. وبينما كان العمر المتوقع عند الولادة في الوضع السابق 57 سنة فقد تحسن إلى 71.4 سنة في الوضع الراهن مقارنة بـ78 سنة في الدول المتقدمة والمستهدف لتحسين هذا المؤشر هو 75 سنة. كذلك فقد بلغ معدل وفيات الرضع لكل 1000 مولود حي 32 وفاة في عام 1980 وتحسن إلى 18 وفاة في عام 2000 مقارنة بـ10 وفيات في الدول المتقدمة والمستهدف للمملكة لتحسين هذا المؤشر هو 14 وفاة.

وبخصوص تلبية الاحتياجات المستقبلية من القوى الطبية وضح الدكتور الحميضي انه على ضوء الزيادة السكانية المتوقعة بنسبة 56.6 لعام 2020 وكذلك تحسين المؤشرات الصحية من خلال تقليل الفارق بين المملكة والدول المتقدمة بنسبة 50% كحد أدنى، فإنه يمكن قياس الاحتياج من القوى العاملة الطبية لعام 2020 وفقاً للتالي: فبينما يبلغ عدد الأطباء في الوضع الراهن لعام 2000 نحو 29025 طبيب، فإن المستهدف لعام 2020 هو الوصول إلى 45435 طبيب، وبذا يكون الاحتياج من الأطباء حتى عام 2020 هو 16428، كذلك فإن عدد العاملين بالتمريض في الوضع الراهن هو 66948 والمستهدف هو 104840 ويكون الاحتياج بذلك من الهيئة التمريضية 37892 ممرض وممرضة.

وحول تلبية الاحتياجات من الموارد الصحية فانه بذات المنهج الذي تم فيه تقدير الاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة الطبية بالمملكة، فإن الاحتياج من الموارد الصحية لعام 2020 يتضح من التالي: فبينما يبلغ عدد المراكز الصحية في الوقت الحالي 1766 مركزاً صحياً - حيث لم يتم حساب المراكز الصحية التابعة للقطاع الخاص ومراكز الجهات الحكومية الأخرى لأنها إما لا تفي بمعايير منظمة الصحة العالمية أو أنها تقدم خدماتها لمنسوبي تلك الجهات فقط - فإن المستهدف لعام 2020 هو الوصول إلى 2756 مركز، وبذا يكون الاحتياج هو 999 مركز صحي. كذلك يبلغ عدد الأسِّرة في الوضع الراهن 45919 سرير والمستهدف هو الوصول إلى 71909 سرير، وبذا يكون الاحتياج من الأسِّرة لعام 2020 هو 25990 سرير.

وبخصوص تلبية الاحتياجات من الموارد المالية فان حجم الإنفاق الإجمالي على الخدمات الصحية في الوضع الراهن لعام 2003 يقدر بحوالي 30.343 مليار ريال سنوياً توزع كالتالي: 45% تقريباً من قبل وزارة الصحة و36% تقريباً من قبل الجهات الحكومية الأخرى و19% من قبل القطاع الخاص الصحي. ويشكل الإنفاق الإجمالي على الخدمات الصحية بالمملكة حوالي 4.8% من حجم الناتج المحلي مقارنة بـ 8.3% للدول المتقمة. ويبلغ الإنفاق على الخدمات الصحية بالمملكة على كل فرد من السكان بحوالي 515 دولار، مقارنة بـ 2381 دولار للدول المتقدمة.

ولفت الدكتور الحميضي إلى انه لكي يتم تقدير حجم الإنفاق الكلي على الخدمات الصحية لعام 2020، فقد تم وضع افتراضين لتقدير حجم الإنفاق. حيث يتوقع الافتراض الأول أن يرتفع حجم الإنفاق الكلي على الخدمات الصحية من قبل القطاع الصحي العام (وزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى) والقطاع الصحي الخاص إلى 45.2 مليار ريال تقريباً لعام 2020، إذ يقدر أن تنفق وزارة الصحة 25.2 مليار ريال والجهات الحكومية الأخرى 20.1 مليار وينفق القطاع الخاص 8.8 مليار ريال. وقد بلغ الإنفاق على الخدمات في الوضع الراهن 2003 حوالي 30.343 مليار ريال موزعة كالتالي: 13.7 مليار من قبل وزارة الصحة و10.9 من قبل الجهات الحكومية الأخرى و5.6 من قبل القطاع الصحي. وأشار إلى انه تم تقدير حجم الإنفاق الكلي بناءً على توقعات أن يزداد حجم الإنفاق الحكومي بنفس متوسط الزيادة السنوية البالغة 4.65% في اعتمادات وزارة الصحة وذلك للعشر سنوات الماضية منذ 1990، كما من المتوقع أن يزداد حجم الإنفاق الخاص بنفس نسبة الزيادة السكانية 56.6% وحتى 2020 .

أما الافتراض الثاني فإنه يقدر أن يرتفع حجم الإنفاق الكلي على الخدمات الصحية لعام 2020 إلى 54.212 مليار ريال، إلا أن تقديرات مصادر الإنفاق (حكومي، خاص) تختلف في الافتراض الثاني عن الأول وفقاً لما يلي:

* تم تقدير حجم الإنفاق الحكومي لعام 2020 بناءً على متوسط الزيادة السنوية في اعتمادات وزارة الصحة البالغة 4.65% للعشر سنوات الماضية منذ 1990 .

* من المتوقع أن تستمر نسبة الزيادة السنوية 4.65% في التمويل الحكومي للعشر سنوات القادمة وحتى 2010 .

* وحيث زاد حجم القطاع الخاص بنسبة 75% خلال العشرين سنة الماضية، فمن المتوقع أن يستمر هذا التزايد خاصة مع تطبيق الضمان الصحي التعاوني والاتجاه نحو التخصيص بأكثر من الضعف بحوالي 130% لعام 2020 .

* ونظراً للزيادة المتوقعة في حجم الإنفاق من قبل القطاع الصحي لخاص، فمن المتوقع أن يتناقص حجم الإنفاق العام بنسبة 18.8% حتى عام 2020 . وبذلك، فإن حجم الإنفاق الإجمالي على الخدمات الصحية يقدر بأن يصل إلى 54.212 مليار ريال موزعة كما يلي: 22.6 مليار ريال من قبل وزارة الصحة بنسبة 41.8%. و18.1 مليار ريال من قبل الجهات الحكومية الأخرى بنسبة 33.4% و13.5 مليار ريال من قبل القطاع الخاص بنسبة 24.8%.

وفي ما يتعلق بتنمية الكفاءات البشرية لرفع معدلات السعودة وضح الباحث الحميضي أن من الإشكاليات التي تواجه القطاع الصحي بالمملكة طوال فترة إعداد الكوادر البشرية الطبية ومحدودية استيعاب كليات الطب مما يضعف من مواكبة الطلب على الكوادر الطبية المؤهلة مما جعل معدلات السعودة متدنية جداً مقارنة بالقطاعات الخدمية الأخرى. حيث تبلغ نسبة السعودة في الوضع الراهن للأطباء 19.9% وللصيادلة 15.7% وللفنيين 15.7% وللتمريض 18.7%. ومن خلال عدد من الإجراءات المقترحة مثل زيادة استيعاب كليات الطب وافتتاح خمس كليات للطب خلال العشرين عاماً القادمة وزيادة استيعاب كليات الصيدلة والكليات والمعاهد الصحية وتطوير قدراتها، فإن المعدل المستهدف للسعودة لعام 2020 هو 40% للأطباء و52.6% للصيادلة و52.6% للفنيين الصحيين و50% لهيئة التمريض.

وحدد الدكتور الحميضي التحديات المستقبلية التي تواجه القطاع الصحي بالمملكة في سبع نقاط هي:

ـ توفير الرعاية الصحية وتيسير الحصول عليها وتغطية المواطنين كافة بالخدمات الصحية الأساسية مع شمول الفئات الأكثر تعرضاً من غيرهم للمخاطر مثل الأطفال والنساء والعجزة بالرعاية الكاملة.

ـ تحسين الصحة وحفظ معدلات الأمراض والوفاة بواسطة وقاية المجتمع من الأمراض المستوطنة والمعدية والحد من مخاطر الأمراض غير السارية التي يقدر لها أن تشكل حوالي 80% من عبء الأمراض في عام 2020 .

ـ توفير الرعاية العلاجية العالية بالمرافق الصحية بواسطة تحسين كفاءة الأطباء وجهاز التمريض ورفع نسبة إشغال المستشفيات من المعدل الراهن 65% إلى 80% على الأقل والاستفادة من مفاهيم «الحكومة الإلكترونية" لتيسير تقديم الخدمات العلاجية.

ـ توفير بدائل مناسبة لتمويل الخدمات الصحية بواسطة التركيز على الضمان الصحي التعاوني كأحد أهم روافد التمويل وتخصيص بعض الخدمات الصحية، خاصة أن تقديم الخدمات الصحية بالمملكة يعتمد بشكل كبير جداً على التمويل الحكومي وبما يشكل حوالي 80% من حجم التمويل الإجمالي.

ـ التنسيق والتكامل بين الجهات الصحية ذات العلاقة بالخدمات الصحية بواسطة وضع سياسة صحية شاملة وتنسيق الخطط الصحية بين جميع الجهات لتلافي الازدواجية وتوزيع الخدمات الصحية وفقاً للحاجة الفعلية ومبدأ عدالة التوزيع.

ـ إعداد وتطوير القوى العاملة الصحية بواسطة زيادة نسب العاملين الصحيين حسب المعدلات العالمية وزيادة نسب السعوديين والعنصر النسائي السعودي.

ـ تطبيق أساسيات اقتصاديات الصحة وترشيد الإنفاق واحتواء التكاليف مثل استخدام الأدوات التحليلية التي تساعد على صياغة السياسات الصحية كالحسابات الصحية الوطنية وتحليل التكاليف. كذلك تطوير أساليب توفير وتخزين وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية وفقاً للمعايير الاقتصادية، مع إعداد سياسة وطنية للدواء.