أحد الطلبة الدارسين للفن التشكيلي يقول لصديق له «الإنسان والألوان حكايات تعود بنا إلى قناعات ثقافية حياتية»، هذه هي قصة الإنسان مع الألوان التي تكونت منذ بدائيات الحياة عندما أخذ يفتح عينيه لما حوله كي يرى الطبيعة تتجسد في حياته، وتشكل ثقافته ومملكته المتجانسة وفق قانون رباني يبعث على التأمل حتى اليقين.
والفنانة التشكيلية نوال مصطفى مصلي التي بدأ عطاؤها التشكيلي في معرض الفنانات السعوديات عام 1406 هـ، إحدى الرائدات السعوديات في الفن التشكيلي التي اخترقت اللون برؤية فنية تكاد تكون الأولى في المملكة، وقد قال عن تجربتها الدكتور الفنان السوري محمد عفيفي حين رأى دخولها لعالمها اللوني الخاص «هل عرفت الوحشية كما ذكرتها في كتابي لعلك ستجدين انك المصورة التي تجب أن تبحث عن الألوان في بلاد الشمس والتقليد وأنك كعربية يجب أن تتابعي الطريق من دون أن تلتفتي إلى الوحشية ولكن إلى المناخ الذي تعيشين فيه».
وقد تم تكريم الفنانة نوال مصلي من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب كونها من الرائدات في الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية وقال عن جرأتها اللونية الفنان الدكتور عبد الحليم رضوي «لقد أثبتت نوال أن اقتحام عالم الألوان القوية يمكن أن يصنع التميز والتفرد الفني»، إذ تعانق أفكار لوحاتها لغة الألوان على مدى عشرين سنة وقد جسد معرضها الرابع والأخير الذي أقيم في شهر فبراير (شباط) عام 2004 تجربة فنية لونية جديدة برؤيتها الذاتية التي اعتادت عليها متمثلة بمرحلة اللون البني. وقد افتتح المعرض في أتليه جدة تحت رعاية الدكتور محمد سعيد عبد الله مصلي رئيس قسم التخطيط والعمارة بجامعة الملك سعود سابقا، والمعرض يضم 24 لوحة تحت مسمى ربوع بلادي أم القرى المنطقة الغربية، وهي تحمل خصائص العمارة القديمة بمكة وتبرز من خلالها البيئة المميزة لعمارة مكة المكرمة.
وتعد تجربة نوال مصلي اللونية في معرضها الأخير هي الثالثة بعد أن أحسنت استخدام تجربتها اللونية الأولى (اللون الأحمر) إذ تراءت بوضوح في نجاح لوحتها (تسبيح) وحظيت بإعجاب النقاد والمهتمين بالفن التشكيلي في الداخل وفي الخارج عندما عرضتها في جناح المعرض السعودي بالكويت عام 1409 هـ، وكذلك عندما اختيرت لبروشور الدعاية لمعرضها الذي أقيم بمبنى الأمم المتحدة بجنيف عام 2000، ثم أردفتها بتجربتها اللونية الثانية (اللون الأخضر) عندما أقامت معرضها الشخصي الأول عام 1413 هـ وهي مرحلة ( اللون الأخضر) وقد انقسمت إلى جزءين الجزء الأول تمثل في (ربوع بلادي ـ الجنوب الأخضر)، أما الجزء الثاني فتمثل في (ربوع بلادي ـ المنطقة الوسطى).
وتقول الفنانة نوال معلقة على منهجها اللوني في لوحاتها التشكيلية «إن تعاملي مع فني ينطلق من اعتمادي على النشاط الذهني أكثر من اعتمادي على المهارة اليدوية، فلوحاتي لم تكن تتضمن منظرا طبيعيا ولا رسما وصفيا، ولكن تجربتي تمثل جزئية من الطبيعة أحاول من خلالها إيصال رؤيتي التعبيرية وبلغة جمالية عفوية في تبسيط الأشكال وإخضاع اللوحة لنسق لوني أحادي والوصول بها إلى لوحة متناسقة متكاملة يرى من خلالها المتلقي شيئا غير الملامح الظاهرة للأشياء وهذا ما أتبناه داخل لوحاتي التشكيلية». وترجع نوال سبب تبنيها لهذه الفكرة التي تميزت بها في لوحاتها إلى فلسفة الفنان داخلها إذ لها مفردات تصاحبها وتستحوذ عليها وعلى أفكارها ومشاعرها، وربما تباين الثقافات والبيئات التي عاشتها نوال منذ الطفولة في تنقلها بين بعض دول العالم لعمل والدها في السلك الدبلوماسي كانت من أهم الأساسيات التي اعتمدت عليها في منهجها الفني الذي أعطاها رؤية فنية خاصة تنطلق من خلالها إلى ممارسة لغة لونية تجسد حالة فكرية تأملية، وأشارت الفنانة نوال إلى أنه سوف تعرض كامل التجربة قريبا تحت مسمى تجربة تشكيلية معاصرة دراسة بيئية محلية لجغرافية المملكة بالريشة واللون، وهكذا ستستمر لغة الألوان في تأمل الحياة الإنسانية في الفن التشكيلي.