كيف ينظر العراقيون الى قانون إدارة الدولة؟

تلبية المتطلبات المعيشية أولا.. وتطبيق القانون أهم من الخلاف أو الاتفاق حول نصوصه

TT

يمكن القول ان هناك شبه اجماع بين العراقيين بأن «قانون الدولة العراقية» الذي تم الاتفاق عليه بين القوى السياسية في مجلس الحكم وسلطة التحالف هو افضل ما يمكن التوصل اليه في ظروف العراق الحالية. الا ان معظم الناس هنا غير متحمسين لما يعتبره الآخرون «طفرة سياسية». فقد خفت ذلك البريق الديمقراطي الذي اعقب سقوط نظام صدام حسين وسط المشغوليات المتعددة في ملاحقة متطلبات الحياة ومحاولات التكيف مع الانقطاعات المستمرة للخدمات ولأمور اساسية تتعلق بوسائل العيش، وفي مقدمتها حماية النفس ازاء الانفلات الأمني وعدم وجود «قانون» يمكن اللجوء اليه، فضلا عن عدم وجود من ينفذ القانون.

وهنا يطرح قانون الدولة نفسه.. وهل سيحقق ما يطمح اليه العراقيون ولو في الحدود الدنيا؟ وكيف؟

يقول احمد كاظم الزبيدي (مزارع): المهم هو وجود قانون.. ووجود ضمانات لحرية المواطنين وحماية ارواحهم وممتلكاتهم.. بلا شك ان قانون ادارة الدولة يؤشر بشكل واضح الحقوق والواجبات.. ولكن من الذي سينفذ هذا القانون، ومن الذي يختاره؟ وهذا ما نأمله من خلال مؤتمر وطني شامل. وحبذا لو ابتعد التمثيل في هذا المؤتمر عن التعصب الحزبي او الطائفي او القبلي. فالمطلوب هو مؤتمر يمثل مختلف شرائح الشعب غير المعلبة في احزاب او تنظيمات لها ولاءاتها الخاصة.

ويضيف: قرأت وسمعت فقرات من القانون ولكن - بصراحة - اقول اننا تعبنا من القوانين والقرارات. المهم هو التطبيق. والاهم من المهم هو عودة الاستقرار والخدمات للمواطنين.

ويرى الحاج عبد الستار كريم جودي (اعمال حرة) ان القانون الجديد مهم جدا على الرغم من انه لم يحدد كيفية انتقال السلطة والمدة التي ستبقى فيها قوات الاحتلال في العراق. وتأتي اهمية القانون من وضعه الحدود في الصلاحيات والمسؤوليات وبرمجة الحياة السياسية والعامة، الا ان تطبيقه يحتاج الى سلطة قوية. وهذه السلطة غير موجودة حاليا. ومن المشكوك فيه ان توجد خلال شهور وربما اكثر. بعض الجهات الحزبية تطالب بتحميلها مسؤولية الأمن (لتأكل الاخضر واليابس). وفي هذا المجال انا افضل الاحتلال على ذلك. ولو كان الاحتلال لبى بعض المتطلبات الرئيسية التي تهم حياة المواطنين لما ضجرنا منه بهذه السرعة.

اما (ابو عدي) صاحب احد الحوانيت في الشوارع الفرعية لبغداد، فيقول: انه «قانون» وسبق لصدام ان وضع تعريفا للقانون بقوله «انه ورقة نحن نكتبها ونحن نمزقها». هكذا كانت القوانين في العهد السابق. وما نريده الآن هو ان ينقلب ذلك المفهوم. وان تحترم القوانين، لا ان ينقضها من يضعها. فهل ستفعل ذلك سلطة التحالف؟ نحن نعرف جيدا ان القوانين يطبقها الاقوياء وفق مصالحهم. وما دام هناك احتلال يمتلك سلطة الفيتو فان تطبيق القانون مشكوك فيه.

وهنا لا بد من القول ان كل الدساتير ـ حتى في الدول القمعية ـ تتضمن مواد مثل حرية الرأي وحرية العقيدة وحقوق الانسان، وما شابه. ومع ذلك نقول «تفاءلوا بالخير تجدوه».

ويقول خالد موفق (صاحب مكتب لبيع وشراء العقارات): في الحقيقة لا يهمني ذلك كثيرا. المهم ان تعود الكهرباء والاتصالات الهاتفية وان تختفي ازمة الوقود والسكن.. وقبل ذلك ان تختفي الوعود الكاذبة.

لو كنا في اية دولة لاستطعنا مقاضاة المسؤولين لكثرة وعودهم وتصريحاتهم الوردية التي لا وجود لها على ارض الواقع. لذا فان القانون يكتسب مصداقيته من مصداقية القائمين عليه، فهل نثق بقانون وضعه او اسهم في وضعه (اصحاب الوعود)! وهم الذين سيشرفون على تطبيقه! ويقر عادل سلمان (بائع صحف) بأنه لم يتعمق في هذا الموضوع، ولكنه استمع في الاذاعة والتلفزيون الى فقرات منه هي بمثابة حلم. ويقول: هذا الحلم نأمل ان يتحقق، ان يعم الاستقرار ويعود النظام وتزدهر الحياة. وأنا متفائل، لان شعب العراق يستحق ذلك وأكثر. وهو لن يفرط بعد الآن في أي من مكتسباته. هذا القانون ليس هبة من احد، بل جاء بعد صبر العراقيين ومعاناتهم وجهدهم الحثيث لانتزاع كل فقرة منه، لذلك فهم سيصونونه وسيلتزمون به، مسؤولين وغير مسؤولين. فهو ليس حكرا على احد. هناك من يقول انه غير مستوف لكل المضامين المطلوبة. وأنا اقول المثل الشعبي «العافية تأتي بالتدريج» ونحن فعلا نستحق اعلى الدرجات لان أي شعب في العالم ما كان بإمكانه ان يعيش هذه المدة كلها بدون قوات أمن او مرور او حكومة. وبهذا الشكل.

ويلاحظ داود مطشر (مدرس متقاعد) ان من المستغرب اخذ رأيه وهو المواطن العادي في قضية سياسية من قبل الصحافة. ويتساءل: لو فعل المسؤولون (مهما كانوا) مثل ذلك هل يخسرون شيئا؟ فربما يكون رأي المواطن العادي اهم من رأي السياسي، وربما تكون لديه ملاحظات غابت عن السياسيين. وهذا يشمل جميع المجالات. القانون امتدحه كل اعضاء مجلس الحكم، وهذا ما يريده المواطن العادي. ان يكون المسؤولون متوافقين في الآراء والمواقف.. وهذا يعني ان القانون جيد. وما يهم المواطنين العاديين هو حسن تطبيقه. وقبل ذلك فان اكثر ما يهم المواطنين هو تلبية احتياجاتهم الآنية وتوفير الأمن والحياة الكريمة لهم. انا شخصيا مع القانون واعتبره خطوة او خطوات الى الامام على طريق عودة الحياة الطبيعية.

اخيرا، تحدثت الصحافية عدوية الهلالي من صحيفة «النهضة» اليومية: سأقول رأيي كامرأة اولا وكصحافية ثانيا. القانون انصف المرأة ولم ينصفها. فقد اعطاها نسبة تزيد على 25% في حين نسبتها العددية زهاء 60%. والاعتراض ليس على النسبة، بل ان واضعي القانون ارادوا تجاوز التقسيم الطائفي في مجلس الحكم، ولجأوا الى التقسيم حسب الجنس في قانون الدولة. ان نسبة تمثيل المرأة لا تحددها نسبتها العددية، والا عدنا الى التقسيم العرقي والطائفي، بل تحددها الكفاءة وإمكانية شغلها هذا المنصب او ذاك، سواء كانت نسبتها تمثل 1% او 90%. المهم ان تكون الكفاءة هي المقياس، وحبذا لو يطبق هذا المعيار في كل المجالات وفي كل المناصب. اما كصحافية فأقول ان قانون الدولة هو قانون انتقالي، وهو لا يخلو من الثغرات. ومع ذلك «العبرة بالتطبيق» فلم يعد الناس يبهرهم «بريق الديمقراطية» ورفع «الشعارات»، بل الواقع العلمي، لذا فان اوراقا كثيرة ستتساقط. وستتساقط غيرها، اذ لم يقترن مفهوم الديمقراطية مع العدالة الاجتماعية وليس السياسة او العرقية. و«القانون الوليد» ستحكم نجاحه امكانية تطويره نحو الافضل لتلبية رغبات وطموح العراقيين الذين هم يستحقون الافضل.

=