القذافي: مشكلتنا مع أميركا في السابق تمثلت في عدم وجود فرصة للحوار.. ولكن الآن بات بإمكاننا التحدث

السيناتور بيدن يثير جدلا في البرلمان الليبي: تحولات طرابلس تدعو للتفاؤل.. لكننا لن ننسى ما فعلته في الماضي

TT

دخل العقيد معمر القذافي الى غرفة الاستقبال وهو يرتدي ثوبا من الحرير بخطوط سوداء وبيضاء وعباءة فضفاضة من الصوف. ولكن يبدو ان «القائد»، كما يطلق عليه الليبيون، لا يرغب في الحديث عن الماضي. فقد رد على مراسل سأله عما اذا كانت ليبيا مسؤولة عن تفجير طائرة «بان اميركان» فوق بلدة لوكربي في اسكوتلندا عام 1988 قائلا: «دعنا لا ننبش هذه القضية مرة اخرى».

انتقاء الزعيم الليبي القذافي للكلمات يشير بوضوح الى رغبته في وضع الماضي وراء ظهره ونقل ليبيا الى حقبة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية ودول اخرى ظل يصب عليها في السابق جام غضبه. تخلت ليبيا، وبسرعة مثيرة للدهشة، عن برنامجها الخاص بتطوير اسلحة نووية، وسلمت المعدات التي كانت تعتزم استخدامها في هذا المشروع فضلا عن تدميرها قذائف فارغة كانت معدة لحمل ذخيرة كيماوية. يضاف الى ما سبق، ان ليبيا وجهت الدعوة الى مسؤولي منظمات حقوق الانسان لزيارة البلاد كما فتحت اقتصادها الذي كان مغلقا أمام التجارة والاستثمار، كما ان مسؤولين اميركيين يبحثون في العاصمة طرابلس عن موقع مناسب للسفارة الاميركية بعد 20 عاما تقريبا من اغلاق السفارة.

لعل مجهود القذافي الحالي لإحداث تغيير في ليبيا يعتبر اكثر التحولات حدة في تاريخه السياسي. فقد اعتبر نفسه في السابق محررا للعالم العربي ثم للقارة الافريقية بكاملها ومؤيدا لما كان يسمى بحركات التحرر الوطني من جنوب افريقيا الى فلسطين واقليم الباسك الى ايرلندا الشمالية. اما الآن، فإن القذافي يصف نفسه بأنه رجل سلام بات يتفهم النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، قال القذافي خلال لقاء له مع مجموعة من الصحافيين يوم الاربعاء الماضي: «شعبنا متنور وواع بالواقع الجديد». وقال القذافي انه يرى مستقبلا زاهرا للعلاقات بين بلاده والولايات المتحدة، التي كانت في السابق عدوه اللدود. كما علق قائلا خلال لقائه مع الصحافيين بمجمع حكومي في مدينة سرت: «المشكلة كانت تكمن في عدم توفر فرصة للحوار، ولكن بات بوسعنا ان نتحدث الآن».

وفيما يتعلق بالمعارضة السياسية للجماعات الاسلامية، اكد القذافي رفضه لإدخال الاسلام في السياسة، وقال: «لا نريد ان نقحم اسم الله في مسائل تتعلق بالبنية التحتية ونظام الصرف الصحي والتكنولوجيا والمياه. الاسلام هو الله. كيف نقحمه في مثل هذه الشؤون اليومية؟».

يشار الى ان متاجر البيع بالتجزئة كانت محظورة في ليبيا حتى اواخر العقد الماضي، كما ان الصناعة، بما في ذلك انتاج النفط، كانت في يد الحكومة، إلا ان القذافي سمح الآن بامتلاك الاعمال التجارية الخاصة ويعتزم تخصيص قطاع الصناعة غير النفطية. وتأمل ليبيا ايضا في اجتذاب استثمارات اجنبية لقطاع الصناعات الخفيفة وتحديث حقول النفط الذي يدر 95 في المائة من عائدات البلاد. تعتزم ليبيا ايضا زيادة حصتها الانتاجية ضمن منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك). وعلق دبلوماسي غربي قائلا ان ليبيا تعتزم تحرير الاقتصاد على الطريقة الصينية، وان القذافي يحاول تسخير الاقتصاد العالمي للبقاء في السلطة كما هو الحال بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني.

وعلى العكس من الخطوات السريعة في نزع السلاح وتدمير المواد ذات الصلة بالبرنامج الليبي للتسلح، ليس هناك ما يشير الى استعداد القذافي لتخفيف قبضته السياسية في البلاد. وردا على صحافي سأل الزعيم الليبي ما اذا «انتهت صلاحية الكتاب الاخضر»، رد القذافي قائلا: «لا. انني اعتبره مرشدا لكل البشرية. سيأتي يوم يصبح فيه العالم بأسره جمهورية للجماهير تطاح فيها الحكومات والبرلمانات».

يبدو ان القذافي اتخذ ايضا الخطوات الاولى ازاء الالتزام بالمعايير الدولية في مجال حقوق الانسان. فقد استضافت ليبيا ممثلين عن منظمة العفو الدولية قبل اسبوعين وذلك لأول مرة منذ 15 عاما. وقال كلاوديو كوردون، رئيس فريق المنظمة الى ليبيا، انهم منحوا اذنا غير مسبوق للتحدث الى المسؤولين الحكوميين، لكنهم لم يمنحوا اذنا مماثلا للتحدث مع اشخاص يشتبه في انهم معتقلون في السجون الليبية.

وكان الليبيون يواجهون، على نحو متزايد، سيلا هائلا من الأفكار الخارجية. وبموافقة الحكومة أصبحت مقاهي الانترنت أماكن مألوفة، واجهزة التقاط القنوات التلفزيونية تزين الأماكن في المدن الليبية.

وفي يوم الأربعاء الماضي زار السناتور الديمقراطي الاميركي جوزيف بيدن ليبيا، وهو واحد من عدد من المسؤولين الاميركيين البارزين الذين زاروا ليبيا خلال الشهرين الماضيين. وقد تحدث بيدن أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) في اجتماع سنوي لمسؤولي اللجان الشعبية.

وحث السيناتور بيدن ليبيا على ان «تعود الى مجتمع الامم»، الا انه شدد على ان الاميركيين لن ينسوا ما فعلته ليبيا في الماضي بما في ذلك تفجير طائرة ركاب اميركية فوق لوكربي في اسكوتلندا، وذلك خلال كلمة القاها بيدن امام مؤتمر الشعب الليبي (البرلمان) اول من امس وأصدر مكتبه نصها لاحقا، وهذه اول مرة يلقي فيها عضو من مجلس الشيوخ الاميركي كلمة امام البرلمان الليبي منذ عقود.

ومن غير الواضح ذلك المدى الذي استطاعت الوفود فهمه. فالمترجم لم يستطع مجاراة سرعة كلام بيدن ويبدو انه ترك ما يقرب من نصف الكلام. واستقبل الجمهور الخطاب بقليل من الترحيب وبشيء من الاعتراض بين حين وآخر. وكان أحدهم يتمتم قائلا ان الولايات المتحدة هي التي خلقت أسامة بن لادن. وكان هناك همس عندما أشار بيدن الى دعم الولايات المتحدة لاسرائيل.

وبعد ملاحظات بيدن قدم أحد المندوبين، وهو أستاذ فلسفة، محاضرة الى الزائرين حول النتائج المتدنية للانتخابات الأميركية. وقال ان ليبيا ترفض «ديمقراطية اللوبي الصهيوني» و«التبعية».وقام متحدث آخر قدم باعتباره ممثلاُ للجنة الصداقة بين الشعوب بمناشدة الأميركيين أن «عفا الله عما سلف».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»