وزير حقوق الانسان المغربي : تقارير المنظمات الدولية حول الوضع الحقوقي بعد تفجيرات الدار البيضاء تكتنفها سلبيات

قال إن أصحاب الفكر الانتحاري لا يترددون في ترويج ادعاءات لكسب التعاطف معهم

TT

كشف محمد أوجار، الوزير المغربي المكلف حقوق الإنسان ان هيئة تضم مسؤولين بوزارات حقوق الانسان والعدل والداخلية، تقوم بتحقيقات وتحريات بشأن ما ذكرته بعض تقارير المنظمات الحقوقية الدولية من مزاعم حول ارتكاب عمليات تعذيب وتجاوزات تعرض لها المعتقلون في المغرب اثر تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو (أيار) الماضي.

واكد أوجار في حديث مع «الشرق الأوسط»، ان المغرب لن يتردد في اتخاذ تدابير عقابية وتأديبية ضد من يرتكبون تجاوزات تمس بالتزام المغرب بنهج احترام حقوق الانسان، لكنه لاحظ أن تقارير المنظمات الحقوقية تكتنفها سلبيات عديدة مثل عدم معاينتها للمحاكمات واعتمادها على مصادر غير دقيقة. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هو ردكم على مضمون التقرير الأخير الذي أصدرته الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان (باريس) والذي تحدث عن تراجع في الوضع الحقوقي، بعد تفجيرات الدار البيضاء؟

ـ كان الاجتماع الاخير للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب، مناسبة للحديث حول التقرير الذي قدمه المغرب أمام اللجنة، كما كان مناسبة لكل المنظمات غير الحكومية لتقديم تقارير مضادة، وهي آلية ترتبت عن انضمام المغرب للمعاهدة الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب، وتلتزم ضمنها كل دولة عضو بتقديم تقارير دورية حول مدى احترامها لمقتضيات المعاهدة. وبلادنا تعتبر من الدول القلائل في العالم، التي تلتزم بالأجندة الدقيقة للمعاهدة والمواعيد المضبوطة لتقديم التقارير الدورية.

ورغم حدة الانتقادات التي توجه الى بلادنا فقد حرصنا على تقديم تقرير المغرب في وقته أمام لجنة خبراء الأمم المتحدة في جنيف، المكلفة معاهدة مناهضة التعذيب.

والمغرب ليس لديه أي عقدة أو تابو في هذا المجال، وقد تضمن التقرير الإنجازات والجهود الجبارة التي يبذلها في كل القطاعات الحقوقية، ولا سيما ما يتعلق منها بمناهضة التعذيب.

وإذا كانت مؤاخذات المنظمات الحقوقية الدولية والمغربية، تنحصر في كيفية تدبير وتعاطي المغرب مع العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الدار البيضاء وما أعقبها، فهذا يعني أن المغرب غير سلوكه الإداري والسلطوي، وقام بمجهود لدرجة أنه ليست لدينا مشاكل وملاحظات تذكر مع المنظمات الحقوقية، في ما يتعلق بالتدبير اليومي وسلوك الإدارة ومختلف السلطات، في تعاملها اليومي مع المواطنين، وهي شهادة إيجابية كبيرة لصالح بلادنا.

* ولكن كيف تردون على المؤاخذات المتعلقة بتدبير ملف ما بعد حادث 16 مايو، لا سيما ان سياسات مكافحة الارهاب تكتسي طابعا شموليا، الأمر الذي يمكن أن يهدد بعض المكتسبات الحقوقية، وتتحول من تدابير استثنائية لمكافحة الارهاب الى سياسات عامة؟

ـ رغم هول المأساة وفظاعة ما حدث بالدار البيضاء، فقد حرص المغرب في أول رد فعل له على الحادث على موقفه الحازم والرافض للإرهاب، وعزمه الراسخ على مكافحته بوسائل القانون وفي إطار دولة القانون. ونحن في المغرب نؤمن إيمانا راسخا بأن على الدول أن تتسلح بالقانون والشرعية في مواجهة الارهاب، ونسعى بكل الوسائل حتى لا تتحول مكافحة الارهاب الى ذريعة لتجاوزات جديدة في مجال حقوق الانسان. ان ما حدث في 16 مايو كان فظيعا ومؤلما، وقد جوبه بإجماع وطني قوي وصلب، وكحكومة حرصنا على أن يكون سلوك المغرب الأمني والقضائي والإداري في مواجهة الارهاب، منسجما مع قيم حقوق الانسان والقانون ومقتضيات المحاكمة العادلة، وسنبقى متمسكين بهذا النهج.

والآن تسجل بعض المنظمات الحقوقية الدولية عددا من الملاحظات على التدبير المغربي لملف 16 مايو، وتلصق بنا كثيرا من التهم، وكان بإمكاننا أن نعلن في جواب سياسي عام رفضنا لهذه الاتهامات والادعاءات.

* لماذا تأخر ردكم عليها إذن؟

ـ احتراما لهذه المنظمات، ولاعتقادنا أننا نتقاسم مع المجتمع الحقوقي نفس القيم. فقد بادرنا الى إجراء سلسلة من التحقيقات الداخلية المشتركة بين وزارات الداخلية والعدل وحقوق الانسان، وهي سارية الآن حول كل الادعاءات والمزاعم التي وردت في عدد من التقارير. ونحن نعمل بمنهجية مهنية عالية، لأننا نريد أن تكون للإجابة المغربية المصداقية التي يستحقها بلد يبذل جهودا جبارة في ميدان حقوق الانسان.

* هل يمكنكم إعطاء مزيد من التفاصيل حول كيفية إجراء تلك التحقيقات، وهل تشمل رجال الأمن والقضاة؟

ـ تتعلق التحقيقات بكل ما ورد من تهم وادعاءات، خاصة حينما يتعلق الأمر بممارسة تعذيب أو اعتقال خارج القانون. وقد اعتمدنا منهجية شاملة ورصدنا كل التقارير وملاحظاتها وقمنا بتحليلها. وتقوم السلطات المختصة بدراسة تلك الملاحظات بنزاهة واستقلالية وتجرد، لأن المغرب الذي أقدم بجرأة سياسية نادرة على فتح ملفات انتهاكات الماضي، محدثا هيئة مستقلة للإنصاف والمصالحة، لن يسمح لنفسه بالعودة للوراء، والا سنكون أمام حالة ازدواجية في الشخصية.

اننا نقول بكل مسؤولية ان المغرب لن يدخر أي جهد في مكافحة الارهاب، وسيعبئ كل الوسائل لحماية أمنه وسلامته وطمأنينة مواطنيه، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن حزمه وصرامته ضد الارهاب، يعتمده في إطار نهج احترام القانون وحقوق الانسان.

* وما هي توقعاتك بشأن هذه التحقيقات؟

ـ حينما تنتهي التحريات والتحقيقات، ستتمخض عنها قرارات بما فيها إجراءات تأديبية أو إحالات الى القضاء إذا ثبت أنه بالفعل وقعت تجاوزات وأن بعض الموظفين أقدموا على هذه التجاوزات الواردة في التقارير الحقوقية، فنحن بلد يعمل من دون عقد في هذا المجال، والمغرب بلد يسير في نهج سياسات عمومية رسمها عاهله الملك محمد السادس ضمن مشروع سياسي حداثي قائم على دولة الحريات وحقوق الانسان. كما أن خطاب الشراكة الذي توخيناه في التعامل مع هيئات المجتمع المدني ليس مجرد شعارات استهلاكية، بقدر ما نأخذه مأخذ الجد. وعندما وردت الينا تقارير المنظمات الحقوقية تعاملنا معها بكل جدية، رغم ما لدينا من ملاحظات كبيرة لم نكن نريد إبداءها قبل اجراء تحقيق بشأنها.

* ماذا عن نوعية تلك الملاحظات؟

ـ مثلا، لاحظنا أن تلك المنظمات لم تقم بعملية الملاحظة القضائية للمحاكمات ولم تتابعها بصفة مباشرة منذ البداية، وجاءت تقاريرها لاحقة لما وقع، انطلاقا من بعض الشهادات وما نشرته بعض الصحف، وإفادات عدد من العائلات. نحن لا نشك في نيات هذه المنظمات، ولكننا نعتقد أن الجهات التي أقدمت على العمليات الإرهابية وعلى فكر انتحاري لا تتردد في ترويج ما تشاء من ادعاءات لخلق نوع من التعاطف الإعلامي أو الحقوقي مع بعض أعضائها، ولذلك وجب الانتباه والتعامل بحذر مع هذا الموضوع.

وقد أخذنا الوقت الضروري لتتأكد كل الأطراف بأننا نأخذ هذه الأمور بجدية كبيرة، ولا يضيرنا إذا ثبت وقوع انزلاقات، الإقرار بها، بل على العكس، نحن حريصون على أن نؤسس عليها في حالة ثبوتها ما يتعين اتخاذه من تدابير وقرارات تأديبية.

* كيف تصنفون المعتقلين تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب، وهل تشاطرون تصنيفهم كمعتقلي رأي حسب ما تذهب إليه بعض المنظمات الحقوقية؟

ـ اعتقد أن قضايا حقوق الإنسان يجب أن تكون في منأى عن السجالات السياسية، وأن نوفر لها حرمة ضرورية وقدرا من التوافق بين الجميع. وأود أن أوضح أولا أنه لا يوجد في بلادنا حاليا أي معتقل رأي ولا أي معتقل سياسي، ولا يمكن أن يوجد في مغرب اليوم معتقلو رأي. ان الانتماء الى تيار سياسي أو لإحدى الجمعيات، لا يعطي لصاحبه أي حصانة إذا ارتكب جنايات أو جنحا أو قضايا تقع تحت طائلة القانون. والذين اعتقلوا اثر احداث 16 مايو، لا تزال قضاياهم سارية تحت نظر القضاء بمستوياته المختلفة. وعندما تكتمل المسالك القضائية لهذه الملفات، سيقرأها المغاربة قراءة متأنية وموضوعية لاستخلاص ما يجب استخلاصه، أما في الظرف الحالي فإننا نعتبر أنه ليس هنالك أي معتقل رأي في السجون المغربية.

* اثر تفجيرات الدار البيضاء وجهت أصابع الاتهام الى التيار الاسلامي المغربي بما فيه حزب العدالة والتنمية (43 نائبا في البرلمان)، وهناك من دعا لاستئصاله وإقصائه من العملية السياسية، فهل تم تجاوز هذه المقاربة الآن؟

ـ معاذ الله، فالمغرب بلد يحكمه أمير المؤمنين، والمغاربة مسلمون ومتمسكون بدينهم، وبطبيعة الحال فان القوانين المغربية تحرم تأسيس الأحزاب على أساس ديني، وهنالك تيارات وحركات تستمد أفكارها وبرامجها واطروحاتها من الإسلام، ونحن نأمل ونسعى الى أن يتوسع الفضاء الديمقراطي لكل الحساسيات السياسية والحقوقية والثقافية والجمعوية، ولكن عندما تقرر هذه الفعاليات الانخراط في الفعل السياسي المباشر، فان هذا الفعل السياسي تحكمه قوانين، ولا بد من إيجاد الملاءمات والتجانس والإجابات الواقعية لما يتطلبه شرط الفعل السياسي المباشر من خلال المؤسسات، وفي مقدمتها احترام الدستور والقوانين. ان المغرب يعيش اليوم جوا ديمقراطيا قادرا على توفير فرص الفعل المباشر من داخل المؤسسات وآليات الديمقراطية، لكل الحساسيات. ولذلك فان السؤال لا يطرح فقط على الدولة بل أيضا على تلك الحساسيات نفسها.