لبنان: الانتخابات البلدية في بيروت «جس نبض» لقوة الحريري والتوازن الطائفي هاجس الموالين والمعارضين

TT

ينظر الكثيرون الى الانتخابات البلدية المرتقبة في بيروت في مايو (ايار) المقبل على انها «ام المعارك» بين رئيس الحكومة رفيق الحريري ومعارضيه الذين قد يسعون الى محاولة الحاق «هزيمة معنوية» به في العاصمة التي يسيطر عليها انتخابياً سواء عبر مجلسها البلدي او عبر احتكاره تمثيلها النيابي.

ويعتبر الاستحقاق البلدي محطة فاصلة، اذ كانت الانتخابات البلدية في بيروت عام 1998 بمثابة «بروفة» مهمة للانتخابات النيابية لعام 2000، والتي اكتسح فيها الحريري كل مقاعد بيروت حين كان في صفوف المعارضة، وعاد بسببها الى الحكم رغم الخلاف الواضح بينه وبين رئيس الجمهورية اميل لحود.

وقد ادى «ثناء» رئيس الحكومة على اعضاء المجلس البلدي الحالي الذي ترجم رغبة منه باعادة انتخاب المسلمين منهم الى «خضة» في الشارع السني البيروتي، اذ بدا انه اعلان من الحريري بعدم رغبته بالتوافق الانتخابي مع القيادات السنية التي لم تتعاون معه عامي 1998 و2000، في حين بدا ان جبهة الحريري الرئيسية لن تتحرك في انتخابات بيروت بسبب عدم وجود ثقل انتخابي للرئيس لحود وتياره في بيروت. فحزب «الكتائب اللبنانية» الذي يمثل الحليف الابرز للرئيس لحود ابدى رغبته بتجديد التفاهم مع الحريري، واعادة ترشيح ممثله في المجلس البلدي برنار جرباقة، على لائحة الحريري التوافقية.

ورغم ان الانتخابات البلدية تختلف عن النيابية نظرا لعدم وجود نص على توزيع طائفي للمقاعد، الا ان الجميع يسعى لتأمين مناصفة اسلامية مسيحية في المجلس البلدي قد تكون في خطر اذا ما تمت مواجهة انتخابية. ويتهم عضو كتلة قرار بيروت النيابية التي يرأسها الحريري، النائب باسم يموت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بعض معارضي رئيس الحكومة بالسعي لانتخاب مجلس بلدي «من لون واحد» اي من الطائفة الاسلامية سعياً لايقاع «هزيمة معنوية» بالحريري الذي يصر على هذا التوازن ويرمي بثقله لتحقيقه.

وكانت «عقدة» بيروت سبباً رئيسياً في عدم انجاز قانون الانتخابات البلدية في مجلس النواب. فنواب بيروت يشكون من ان الصلاحيات التنفيذية لرئيس المجلس (المسلم السني) غير موجودة عملياً عكس بقية البلديات في لبنان، ذلك ان هذه الصلاحيات انيطت بمحافظ المدينة (الارثوذكسي) لأن بيروت هي العاصمة، علماً ان نظام الانتخابات البلدية في لبنان مختلف عن غيره. فالمقيم لا ينتخب ويحصر الامر بالمسجلة اقامته في المنطقة، وتغيير هذا النظام «مستحيل لاعتبارات طائفية وسياسية»، كما يقول النائب يموت، الذي كشف عن اقتراح تقدم به نواب بيروت يقضي باعطاء الصلاحيات لرئيس المجلس البلدي على ان تتم المناوبة على هذا المنصب بين السنة والارثوذكس كل ثلاث سنوات. لكن الاقتراح لم يلقَ قبولاً مما ادى الى تجميد القانون.

ويشدد النائب يموت على أهمية الحفاظ على «صيغة العيش المشترك في بيروت خصوصاً بين السنة والارثوذكس»، مؤكداً ان تيار الحريري «سيرمي بثقله في الانتخابات لتحقيق هذا التوازن». وأوضح ان هذا التيار ينتظر الآن ردود القيادات المسيحية لتسمية ممثليها في اللائحة التي ستخوض الانتخابات، مشيراً الى «وصول ردود من البعض وانتظار من البعض الآخر». واشار الى انه من الجانب الاسلامي يبدو ان ممثلي «حزب الله» و«حركة امل» مستمران في لائحة التفاهم.

اما في الجانب الاسلامي السني فتبدو الصورة اوضح لدى مؤيدي الحريري، ذلك ان الخيار حسم لجهة اعادة ترشيح السنة من اعضاء المجلس الحالي الى عضو اضافي لاقفال «الثغرة» التي تسبب بها خرق عبد الحميد فاخوري للائحة الحريري عام 1998.

ولا يرى النائب يموت ضرورة لـ«التفاهم» مع الذين يقفون ضد الحريري في بيروت، مشيراً الى ان النائب السابق تمام سلام «يحارب الحريري في كل الاوقات ويطلب التفاهم عندما يحين وقت الانتخابات».

ويؤكد يموت ان لا مشكلة مع رئيس الجمهورية في بيروت لأن لا ثقل انتخابياً لانصاره فيها، لافتاً في هذا الاطار الى ان «حزب الكتائب» المقرب من الرئيس لحود ابدى رغبته باعادة ترشيح ممثله في المجلس البلدي، وان الرئيس الحريري لم يمانع.

وفيما ينأى الرئيس السابق للحكومة الدكتور سليم الحص بنفسه عن هذه الانتخابات، رافضاً الخوض فيها، يرى النائب السابق تمام سلام ان الانتخابات البلدية هذا العام مختلفة عما كانت عليه عام 1998، معتبراً ان حديث الحريري عن التجديد للمجلس القائم «غلطة الشاطر». ورأى ان الموضوع اصبح عند الناس وهم سيقررون الافضل للمدينة.

واشار سلام في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الى ان اللبنانيين «راغبون بالتغيير على كافة المستويات لأنهم يائسون من الوضع الجاثم عليهم، ولأن مزاج الناس هو مع التغيير».

وتوقع سلام تشكيل لوائح «انتخابية» بلدية وانفتاح الساحة على كافة الاحتمالات، معتبراً ان اعضاء المجلس البلدي الحالي «هم اقل حظاً بعد الذي جرى». ورأى ان الرئيس الحريري «اثقلهم بموقفه وعاملهم كمجلس ادارة لديه».

واكد سلام انه مع التوافق، لكنه اشار الى ان هذا التوافق «يحتاج الى الانطلاق من رغبة بالتوافق فيما لم نلمس حتى هذه اللحظة اي رغبة مماثلة وكل ما لمسناه موقف فوقي سد كل المنافذ للتحاور والتوافق». ورأى انه «من المفترض ان يبادر الحريري نفسه الى الدعوة للتوافق، لكنه فضل عكس ذلك عندما اعلن رغبته باستمرار الاعضاء المسلمين، ودعا الاعضاء المسيحيين الى مراجعة مرجعياتهم الدينية». وقال: «هذا اسلوب خاطئ وفيه اذى لبيروت».

ونفى سلام بشدة ان يكون هو من يعرقل التوافق، وأوضح: «نحن مع التوافق وكل ما يخدم بيروت واهلها، ونحن تحديداً مع التشاور الذي يوصل الى توافق او من خلال انتخابات بمشاركة اكثر من لائحة».

وأعلن سلام عن وجود «تواصل مع كثير من الذين يتحركون في موضوع الانتخابات البلدية». واشار الى «صعوبة بالغة في تأمين التوافق في ظل المواقف المسبقة»، وحمّل «من اقفل باب هذا التوافق» المسؤولية.

واكد سلام حرصه على التوازن في هذه الانتخابات في اشارة الى التمثيل الطائفي، وحذر من «بعد استقطابي طائفي مضر في حال تعذر تأمين هذا التوازن، وهو توازن لا يتم بالضرورة «على المسطرة». ودعا المسيحيين الى «المشاركة بكثافة في الانتخابات وعدم التخلي عن دورهم لأن تغييبهم عن المشاركة يزيد الخطر». وشدد على ان تأمين التوازن ليس مطلوباً من المسلمين بل هناك دور للمسيحيين ايضاً.

وطالب سلام بابعاد الاستحقاق عن السياسة، ورأى ان الكفاءة يجب ان تكون المعيار الاساسي في هذه الانتخابات التي تحمل طابعاً بلدياً لا يمت الى السياسة بصلة.

اما النائب بشارة مرهج (عضو كتلة الحريري) فقد اعتبر في حديث ادلى به امس «ان هناك تحت السطح السياسي اجواء غير مريحة اطلاقاً في مدينة بيروت، وهذا يستدعي استدراكاً واعادة دراسة ونظر في المواقف المتخذة لرأب الصدع وتصحيح ما يجب تصحيحه». وقال انه «لا يمكننا في بيروت ان نبدأ معالجة الامور من خارج الوفاق الذي يحتاج الى تشاور وحوار للبناء على قواسم مشتركة». وأضاف: «الرئيس الحريري كونه رئيس حكومة وأكبر كتلة نيابية في بيروت من واجبه ان يدرس هذا الموضوع ملياً لأن ما حصل ترك المجال لتكهنات عديدة ليست في مصلحة احد، ومن واجب الرئيس الحريري ان يعيد درس الموضوع لأنه تبين ان الكثير من الامور تحمل التفسير والتأويل مثل اللقاء الذي ضمه مع المجلس البلدي في بيروت وفهم منه انه مباركة للتجديد للمجلس الحالي، وهذا الامر يستدعي اعادة النظر»، لافتاً الى هذا اللقاء «يحصل في حضور اعضاء الكتلة».