كيف يرى خبراء السياسة الخارجية في واشنطن العراق والشرق الأوسط في الذكرى الأولى للحرب؟

ريتشارد بيرل: رغم الأخطاء فالتخطيط للحرب كان جيدا للغاية في ظل ما كان متاحا من معلومات والعراقيون الآن في وضع أفضل* شبلي تلحمي: توقعت الولايات المتحدة المزيد من الحريات في البلدان العربية.. وما نراه الآن ردة في عمليات التطور الديمقراطي الحقيقي

TT

مع مرور الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحليفتاها بريطانيا وأستراليا على العراق، حاورت «الشرق الأوسط» مجموعة من أهم مفكري وخبراء السياسة الخارجية الأميركية، وجمعت آراء آخرين هنا في واشنطن، كان من بينهم مايكل أوهلنان زميل الدراسات الدولية في معهد بروكينجز، وجوديث كيبر رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، ومارك جروتيش زميل الدراسات الدولية بمعهد أميركان انتربرايز، وجيمس ستينبرج رئيس قسم الدراسات الدولية بمعهد بروكينجز، وتوماس من دونيلي خبير شؤون دولية من معهد أميركان انتربرايز، وكينيث بولاك، خبير شؤون المخابرات بمعهد بروكينجز، وريتشارد بيرل زميل الدراسات الاستيراتيجية في معهد أميركان انتربرايز، والدكتور شبلي تلحمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ولاية ميريلاند.

وكذلك كانت «الشرق الأوسط» موجودة في معظم الندوات والمناقشات التي انعقدت بمناسبة الذكرى الأولى للغزو، وذلك بهدف عرض الآراء واستطلاع ما يدور في عقول أكثر الناس تأثيرا في صنع السياسة الخارجية الأميركية وما يرونه بخصوص سياسة بلادهم الخارجية خاصة فيما يتعلق بالوضع في العراق خلال السنة الماضية الأولى للاحتلال، وما يتوقعونه خلال السنة الثانية من الاحتلال، بالاضافة الى عرض رؤيتهم بخصوص انعكاسات الأوضاع في العراق على ما طرحته الولايات المتحدة أخيرا من مبادرة عرفت بـ«الشرق الأوسط الكبير»، فالنجاح أو الفشل الأميركي في المشروع العراقي مسألة شديدة الأهمية ليس فقط للعراقيين كما هو منطقي، ولكنه كذلك مهم للأميركيين ولجميع الدول والشعوب العربية من المحيط الى الخليج، لذا تطرقت الأسئلة والمناقشات الى الخطوط العامة للاستراتيجيات الأميركية في المنطقة العربية.

وكانت الولايات المتحدة قد شنت الحرب مع حلفائها لتحقيق أهداف أربعة معلنة: القضاء على أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، واسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، والقضاء على البؤر الارهابية الموجودة بالعراق وانهاء علاقة العراق بـ«القاعدة»، وتوفير النموذج الناجح لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. ولكن السؤال هو الى اي مدى نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هذه الاهداف؟

مع نتائج استطلاع للرأي نشرت نتائجه يوم الثلاثاء الماضي والتي أشارت الى أن آراء العراقيين متفاوتة بشأن الاحتلال، حيث يرفض معظمهم وجود قوات أجنبية في بلدهم الا أن كثيرين يقولون أن هذه القوات يجب أن تبقى وتظل حتى يعود الأمن للعراق بشكل كامل، وفي نفس الوقت يشعر غالبية العراقيين بأن حياتهم تحسنت بعد عام من بدء المعارك. ومن هذا المنطلق ترى جوديث كيبر رئيسة برنامج الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، «ان العراق ما زال يعاني من العديد من المشكلات في الشؤون الاقتصادية والسياسية والأمنية، لكن الحقيقة أن هذا الوضع يتحسن يوميا رغم استمرار أعمال العنف»، وهنا ذكرت كيبر لـ«الشرق الأوسط» أن هذا أمر طبيعي في دولة حكمها نظام ديكتاتوري لأكثر من 40 عاما منها 13 عاما تحت عقوبات دولية صارمة.

ويتوقع زميل الدراسات الدولية بمعهد بروكينجز بواشنطن مايكل أوهلنان في اجابته على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أنه «خلال السنة المقبلة سيعرف العراق الانتخابات الحرة لأول مرة في تاريخه ومن خلال نقل السلطات من الادارة الأميركية لحكومة مؤقتة، ستنخفض أعمال العنف والجرائم المنظمة بالاضافة الى أعمال المقاومة»، ويتوقع أوهلنان أن «يتمتع العراقيون بمزايا اقتصادية كبيرة خلال السنة الثانية بعد الحرب»، وهذا طبيعي من وجهة نظره، حيث يقول «نتيجة طبيعية لبرامج اعادة الاعمار والبناء الجارية الآن، ووجود عدد ضخم من الاستثمارات الدولية والتي ستبدأ في اتيان ثمارها في العام الثاني».

ومن الجدير بالذكر أن استطلاع الرأي الذي أعلنت نتائجه يوم الثلاثاء أشار الى اعتقاد الغالبية العظمى من العراقيين أن حياتهم ستتحسن خلال السنة الثانية من الاحتلال، وتعكس هذه الحالة من التفاؤل الاحساس العام بتطور الأوضاع للأفضل في العراق بصفة عامة.

أما مارك جروتيش زميل الدراسات الدولية بمعهد أميركان انتربرايز المحافظ في واشنطن، فهو يعبر عن تفاؤله الشديد حيث أنه يرى «أن أعداء العراق وأعداء الولايات المتحدة لم ينجحوا في تحويل الوضع في العراق لما كانا يأملان فيه من حرب أهلية تتقاتل فيها الطوائف السنية والشيعية والأكراد بعضهم البعض». كذلك يرى جروتيش أن «اتخاذ خطوة الاتفاق على مسودة الدستور المؤقت هو انجاز هائل»، و يقول انه مع «انتقال السلطة للعراقيين في نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل، فإن قيام انتخابات عامة حرة وليس انتخابات جزئية سيدعم النجاح الأميركي في العراق».

بالنظر لما جرى خلال العام المنصرم منذ بدء المعارك في الحرب على العراق، سألت «الشرق الأوسط» من قابلتهم عما اذا كان ما حدث ويحدث حتى الآن في الساحة العراقية يعتبر نجاحا أم فشلا من وجهه نظر خبراء السياسة الخارجية بواشنطن. هنا قال جيمس ستينبرج رئيس قسم الدراسات الدولية في معهد بروكينجز بواشنطن ان «الغزو العسكري وما تلاه حتى الآن ليس فشلا ذريعا» ولكنه أردف قائلا «انه أيضا ليس نجاحا ساحقا». وبرغم أن المعارك الأساسية في الحرب كانت سهلة نسبيا بالنسبة للجانب الأميركي، حيث لم تتعرض القوات الأميركية لمشكلات كبيرة، وما يجري الآن من تعرضها لكثير من الضربات العسكرية منذ احتلالها بغداد في ابريل (نيسان) من العام الماضي المتمثلة في أعمال المقاومة المسلحة المستمرة، وكذلك العمليات الانتحارية والتفجيرات شبه اليومية، بالاضافة للمشكلات الأمنية التي تعرقل سير وسرعة عمليات اعادة الاعمار والبناء، تلك الهجمات اليومية ما زالت تترك قتلى في صفوف قوات التحالف وكذلك القوات العراقية من جيش وشرطة ودفاع مدني، هذا بالاضافة لأعداد كبيرة من المدنيين العراقيين.

واعتبرت جوديث كيبر أن «مسودة الدستور العراقي المؤقتة تعتبر في حد ذاتها نجاحا كبيرا، ليس فقط للعراق، بل لكل العالم العربي، حيث تقل لدرجة كبيرة المشاركة السياسية وتغييب الحريات». وهي تعتبر هنا أن ضمانات حقوق الانسان الأساسية، بالاضافة لاحتواء مسودة الدستور العراقي على حقوق غير مسبوقة للمواطن العربي والمرأة العربية على وجه الخصوص فيما يعتبر نجاحا قد يترك آثارا ايجابية على الدول العربية الأخرى.

أما توماس دونيلي من معهد أميركان انتربرايز فيري أن «الولايات المتحدة قد حققت أهدافها من وراء الحرب في العراق، فالاقليم (الشرق الأوسط) أصبح بلا شك أقل خطورة الآن عما كان عليه قبل الحرب على العراق، ومن أهم الانجازات هو فشل اعداء الولايات المتحدة في جر هذا البلد لحرب أهلية».

يعتبر الفشل الأميركي حتى الآن في العثور على أسلحة الدمار الشامل هو الأكبر، حيث أن موضوع الأسلحة المحظورة كانت أحد أهم أسباب الحرب طبقا للرواية الأميركية الرسمية، لذا فالنقد المتتالي ضد ادارة الرئيس جورج بوش بخصوص هذه النقطة كبير وله ما يبرره. فمع التقديرات المبدئية لفريق البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي تم تشكيله من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية بعد احتلال العراق برئاسة المفتش ديفيد كاي، والتي أقرت بعدم وجود أسلحة عراقية محظورة أثره البالغ على رؤية وزيادة نقد عمل أجهزة المخابرات الأميركية. ورفع ذلك الفشل المخابراتي حتى الآن الكثير من الأصوات التي تطالب بمعرفة أسباب الحرب الحقيقية.

وفي هذا الاطار يقول خبير شؤون المخابرات في معهد بروكينجز كينيث بولاك ان «الولايات المتحدة تتعرض لأزمة حقيقية فيما يتعلق بمعلومات المخابرات المتعلقة بالعراق». ويرى أن هناك الكثير من اللوم والتساؤل الشرعي عن كفاءة أداء أجهزة المخابرات الأميركية. وأضاف كينيث «اعتقدنا كلنا أن هناك الكثير من أسلحة الدمار الشامل المحظورة في العراق وأنها خطرة جدا»، وهذا ما قد انتهى اليه الكثير من المحللين والخبراء بناء على تقارير مؤكدة من مصادر المخابرات الأميركية والبريطانية، ولكن ما تم وجوده هو اقل كثيرا جدا مما اعتقدوا». وأضاف بولاك «ان هذا الفشل من قبل أجهزة المخابرات يمثل تحديا جديد وغير مألوف للقدرات العسكرية الأميركية في هذا العالم المضطرب».

وتظهر خطورة فشل عمل أجهزة المخابرات الأميركية في الحالة العراقية في انعكاسها على تبني الادارة الأميركية لمبدأ جديد في سياساتها الخارجية، وهو المتمثل في مبدأ الرئيس جورج بوش الجديد «الضربات الاستباقية»، وهو المبدأ الذي يفترض أن يعتمد كليا على معلومات مخابراتية دقيقة لتحديد مصادر الخطر المحتملة والتعامل العسكري معها، التي ثبت من خلال خبرات الحالة العراقية عدم دقتها الكبير وما يمثله هذا من خطورة في حد ذاتها.

أما ريتشارد بيرل زميل الدراسات الاستراتيجية من معهد أميركان انتربرايز، وهو أحد أهم مهندسي الحرب على العراق ويعتبر في واشنطن من أهم منظري صقور السياسة الخارجية الأميركية، وهو أحد أهم المفكرين المحافظين في الولايات المتحدة الآن، فيرى أن «الوضع الآن في العراق أفضل من الوضع في عصر صدام حسين».

ويرى بيرل «أن التخطيط للحرب كان جيدا للغاية في ظل ما كان متاحا من معلومات، والعراق حالة فريدة وليس حالة متكررة ذات خبرة من الممكن الاستفادة منها»، وأقر بيرل بوجود أخطاء أميركية قائلا «هناك أخطأ، وعندما ترك الادارة الأميركية هذه الأخطاء تستفيد منها وتصلح ما يمكننا اصلاحه».

ويرى كينيث بولاك من معهد بروكينجز أن خلال الخمس عشرة سنة المقبلة «قد يوفر العراق نموذج مجتمع متعدد ديمقراطي يعيش في ظل رخاء اقتصادي واستقرار اجتماع وديمقراطية سياسية بصورة تتمناها أميركا لكل الشرق الأوسط، أو على النقيض، سيكون العراق في حالة فوضي عارمة». وهنا تبدو فترة الخمس عشرة سنة طويلة نسبيا، الا أن كبار الخبراء يشغلهم المدى الطويل مثلما يشغلهم المدى القريب أيضا.

أما مايكل أوهلنان فيقر شخصيا بعدم حسن توقعاته، حيث ذكر «أنه توقع معارك أكبر وأشرس لكنها كانت معارك سهلة وسريعة... في حين توقعت ما بعد الحرب سهلا ويسيرا لكنه صعب وسريع». ويشير الخبير هنا الى أسباب التفاؤل الأميركي رغم عدم استقرار الأوضاع الأمنية مثل توفر الغذاء والكهرباء والعمل الجاد في آبار البترول العراقية بالاضافة لقدوم المئات من الشركات الغربية للبحث عن فرص استثمارية في العراق، هذا بالاضافة لانخفاض أرقام القتلى في صفوف العراقيين وقوات التحالف بصفة عامة خلال الأسابيع الأخيرة.

وتوقعت جوديث كيبر «ان العراق خلال السنة المقبلة لن يتخلص من كل المشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية، لكنه سيتطور للأفضل مقارنة بما يعيشه الآن».

حرب الأفكار ومشروع الشرق الأوسط الكبير وتبقى نقطة ردود الفعل الدولية والأميركية للحرب على العراق، فالحرب وسيناريوهاتها أدت الى زيادة الشك في سياسات الولايات المتحدة في الدول العربية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور شبلي تلحمي «ان التوقعات الخاصة بالرأي العام العربي كانت دائما على النقيض مما تقوله الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة توقعت المزيد من الحريات والديمقراطيات في البلدان العربية، وما نراه الآن ردة في عمليات التطور الديمقراطي الحقيقي».

وفي سياق الاطار نفسه توقعت الولايات المتحدة ضعف الجماعات الاسلامية المتطرفة وقلة الأعمال الارهابية في أعقاب شن الحرب على العراق التي أدعت انها جزء من الحرب على الارهاب، لكن ما نراه هو ازدياد قوة هذه الجماعات وزيادة العمليات الارهابية ليس فقط في العراق مثلما يحدث كل يوم الآن، بل امتدت العمليات الارهابية للعديد من الدول كتركيا والسعودية والمغرب بالاضافة الى اسبانيا التي كانت آخر هذه الأمثلة خلال الأسبوع الماضي. والأمر كذلك بالنسبة لقضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فالحرب على العراق كانت في نظر الولايات المتحدة احدى الوسائل التي ستؤثر سلبا على التصعيد في الصراع، لكنه ثبت أيضا عكس ذلك. وشهد العام الماضي واحدا من اسوأ الأعوام من حيث القتلى من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.

وهنا يرى ريتشارد بيرل ضرورة تخلص الولايات المتحدة من اعتبار الديكتاتوريات أصدقاء، مذكرا «أن من أكبر أخطاء الولايات المتحدة خلال الخمسين عاما الماضية كانت التعامل مع النظم الديكتاتورية والقمعية» ولا يجد بيرل حاجة الآن للتعامل مع هذه الأنظمة.

وعن مبادرة الشرق الوسط الكبير الداعية لمزيد من الحريات السياسية والاقتصادية للمواطنين العرب، تقول جوديث كيبر «انه مهم للغرب بقيادة الولايات المتحدة أن يدرك أن الأمن والاستقرار والعلاقات الاقتصادية المجزية غير كافية في التعامل مع الشرق الأوسط، وأدراك الغرب أن المجتمعات العربية في حاجة الى اصلاحات اقتصادية وسياسية كما في الأقاليم الأخرى من العالم هو شيء مهم للغاية»، وأكدت كيبر على وجود خصوصية في عملية الاصلاح تنبع من ظروف كل دولة ولكنه في نفس الوقت هناك دور للغرب، حيث ذكرت «أن لكل دولة خصوصية في الاصلاح، ولا يجب ان يفرض من الخارج، ويجب أن يتبنى محليا، وأن مواطني كل دولة يستطيعون اصلاح أنفسهم ولكنه على الرغم من ذلك فللغرب دور يستطيع المساهمة به مثل عمليات التدريب والتأهيل، والمساعدة في بناء المجتمع المدني، وكذلك للغرب دورا اساسيا في عملية التمويل اللازمة لذلك الاصلاح».