متحف الدمام يحكي تاريخ 17 ألف سنة من الحضارة ويبحث عن الزوار والمكان

TT

متحف الدمام الإقليمي، المكان الذي يحكي قصة عصور تمتد إلى 17 ألف سنة قبل الميلاد، يبدأ من عصر ما قبل التاريخ إلى الوقت الحاضر، مسافة زمنية تدل على عمق تاريخي للمنطقة. تقبع كل هذه الأزمنة في طابق واحد من مبنى تعود ملكيته في الأساس إلى إدارة التربية والتعليم للبنين. ويضم المبنى المتحف والمكتبة العامة. فعندما انتقلت وكالة الآثار من وكالة تابعة لوزارة المعارف سابقاً (التربية والتعليم حاليا) إلى الهيئة الوطنية للسياحة لم يطرأ تغيير يذكر على المتحف، فما زال يحتل نفس الموقع السابق ونفس المساحة السابقة ونفس الزوار ليبقى طلاب المدارس ومرافقوهم هم الأكثر زيارة له على طوال فترات العام.

عندما تتنقل في أرجاء المتحف تأخذك الدهشة من كل هذا الإرث التاريخي. فيمكنك التنقل من حضارة إلى أخرى، فقط عليك الانتقال من القاعة التي تقف فيها إلى القاعة الأخرى. والمساحة الممنوحة لكل حضارة لا تتجاوز 16 متراً مربعاً في الغالب، باستثناء قاعة الحضارة الإسلامية وقاعة التراث الشعبي. ويضم المتحف بين أقسامه، العصر الحجري حيث يعرض وسائل الصيد القديمة التي تعود إلى تلك الحقبة التي عثر عليها في المنطقة، وبعض الرسومات التي تصورها، ثم القسم الخاص بحضارة العبيد التي عمت المنطقة قبل 4300 سنة قبل الميلاد. وبحسب علماء الآثار، فإن هذه الحضارة هي التي أقامت الحضارة في العراق، حيث هاجرت القبائل في تلك الفترة إلى العراق لتقيم حضارتها هنالك بعد أن أقامت المدن والمعابد في المنطقة، وبعد أن بلغت من القوة ما يؤهلها لغزو الحضارات الأخرى. وفي القسم تعرض الفخاريات التي تعود إلى تلك الحقبة، وكذلك بعض شواهد الحضارة، مثل القار الذي كان يستخدم لسقف المنازل. وامتدت هذه الحضارة إلى ما يقارب من 800 سنة عمت أرجاء من المنطقة وبعض المناطق الحضارية في العراق. وقسم حضارة دلمون التي ازدهرت منذ عام 2500 قبل الميلاد. وأهم شواهد هذه الحضارة القبور التي يعرض المتحف عينة منها، ويقول عبد الحميد الحشاش مدير المتحف «تم حصر ما يقارب من 500 قبر في مدينة الظهران وحدها، تعود إلى فترة حضارة دلمون، وفتح منها 50 قبراً فقط».

ويضاف إلى القبور، بعض الآثار التي جمعت من أماكن متفرقة من المنطقة الشرقية مثل «العقير، وجواثا، وثاج» من شواهد للقبور، وغير ذلك كتبت بالخط المسماري وخط المسند «الخط المنتشر في جنوب شبه الجزيرة العربية».

وفي قسم الحضارة الإسلامية، حيث المخطوطات والمقتنيات التي تعود إلى فترات مختلفة من العصور الإسلامية، يعرض المتحف النقود التي ضربت في العصور الإسلامية المختلفة، وشواهد القبور ومعلومات وصور عن مسجد جواثا «أقدم مسجد في المنطقة» الذي يعتبر ثاني مسجد تقام فيه صلاة الجمعة بعد المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. ويفضي بك التجول في المتحف حسب تسلسله إلى قاعة التراث الشعبي وفيه عرض للموروثات الشعبية من مصوغات وملبوسات ومقتنيات وغير ذلك.

وتعكف إدارة المتحف حالياً على اقامة قاعة خاصة بالتراث البيئي تمثل مختلف بيئات المنطقة الشرقية.

كما يضم المتحف قاعة الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية التي تضم أنواعاً من الأسلحة وخزفيات من حضارات متعددة وأبواب خشبية يصل عمر بعضها إلى 300 سنة، وعدداً من العملات الإغريقية والساسنية والأموية والأندلسية والعباسية تبلغ حوالي 1100 قطعة نقدية من مختلف العصور. وهي «أكبر مجموعة نقدية في المنطقة» بحسب كلام مدير المتحف. وفي القسم الآخر من القاعة البيت الشرقاوي بكامل تفاصيله وأقسامه المختلفة، ونظامه المعماري، والمناشط الحياتية التي تمارس فيه هذه الكمية من المقتنيات، ويقول عنها عبد الحميد الحشاش «هذه المجموعة التراثية يمتلكها الأمير محمد بن فهد، وخص بها المتحف دعماً له في مسيرته التعريفية بتاريخ المنطقة». ويضيف الحشاش «تمثل قاعة الأمير محمد إضافة نوعية للمتحف بما تحتويه من مقتنيات ثمينة». وبما أن المتاحف تقاس بعدد زوارها، يذكر الحشاش «بلغ زوار المتحف في العام الماضي أكثر من 38 ألف زائر، وهي نسبة لا بأس بها، إذا أخذنا في الاعتبار مساحة المتحف الضيقة».

ويتابع الحشاش حديثة «قدرات المتحف أكبر من المعروض بكثير، ولدينا مقتنيات أثرية كثيرة لا تتسع المساحة الحالية للمتحف لها، لذلك تبقى حبيسة المخازن. فالمعروض من المقتنيات لا يتجاوز 3 آلاف قطعة أثرية. ولكن نأمل في منحنا أرض لإقامة المتحف عليها. كما اننا نحاول جذب رجال الأعمال للمساهمة معنا في تطوير قدرات المتحف ليجذب أكبر قدر من الزوار، وليكون واجهة حضارية للمنطقة، ومحطة مهمة لزوارها ليتعرفوا على هذه المنطقة عن قرب. ويكون شاهداً على تاريخها الموغل في القدم».