«الموساد» يشهد ثورة داخلية لتغيير أسلوب عمله ورئيسه يتوعد بأن يجعل علماء الذرة الإيرانيين يتمنون لو أنهم مديرو مدارس

TT

يشهد جهاز المخابرات الاسرائيلية الخارجية (الموساد)، هذه الايام ثورة داخلية لإحداث تغيير جذري في اسلوب عمله وادارته ووظائفه ومهامه. ويقف وراء هذه الثورة «الاصلاحية» مائير داغان الضابط السابق في الجيش الاسرائيلي الذي اختاره مسؤوله الاسبق رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الى هذه المهمة الصعبة.

وتسلم داغان مسؤولية الموساد من افرايم هاليفي البريطاني الاصل الذي اصيب الجهاز في عهده بالترهل وتراكم الصدأ وفقد هيبته ووصل الى ادنى درجات نشاطه، ليقوم بعملية «نفض» للجهاز الذي كان حتى فترة ليست بالبعيدة يعتبر افضل جهاز مخابرات في العالم.

وخوله شارون عند تعيينه بصلاحيات لم يخول بها من قبله اي رئيس للجهاز. وطلب منه ان يفعل ما يراه مناسبا ولازما لتجديد وتحديث عنفوان الموساد وتنشيطه واعادته الى سابق عهده.

وباختصار ترمي هذه الاصلاحات كما ذكرت نشرة «فورين ريبورت» نصف الشهرية الصادرة عن مجلة «جينز انتيليجانس» البريطانية الشهرية الى تحويل الموساد من منظمة لجمع المعلومات الى منظمة قتالية اكثر جرأة واقداما.

وداغان، 57 عاما، عسكري متشدد ولعب دورا كبيرا في مواجهة الفدائيين الفلسطينيين. تلقى تعليمه في اسرائيل وترفع في صفوف الجيش حتى وصل الى رتبة جنرال.

وقبل ان يصل الى هذه الرتبة كان قائدا لوحدة كوماندوز صغيرة كانت تعرف باسم «ريمون»، اي القنبلة اليدوية، مهمتها كانت تقتصر على مواجهة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وخدم تحت إمرة شارون الذي كان قائدا للمنطقة الجنوبية في الجيش الاسرائيلي التي كانت تشمل قطاع غزة وصحراء سيناء والنقب. وواصل داغان ملاحقة الفلسطينيين وقتل منهم العشرات في غضون حملة استغرقت عامين ضد منظمة التحرير الفلسطينية.

وامضى داغان وقتا طويلا في دراسة تاريخ الموساد ليجد انه دخل مرحلة الترهل والبيرقراطية خاصة في العقدين الاخيرين من القرن الماضي, بعد ان اتسمت العقود الثلاثة التي سبقتهما وهي الخمسينات والستينات والسبعينات، بالنشاط الكبير في حماية اليهود في دول الاتحاد السوفياتي السابق وتنفيذ عمليات سرية لترحيل اليهود سواء من الدول العربية او دول الاتحاد السوفياتي الى اسرائيل وملاحقة وتصفية المسؤولين الفلسطينيين في اوروبا كما حصل في قبرص وفرنسا وبلجيكا وكذلك ملاحقة خبراء الذرة العرب او من يتعاونون معهم من الاجانب وتصفيتهم.

فلم تشهد الثمانينات سوى عملية ترحيل يهود الفلاشا التي بدأ التحضير اليها قبل اعوام من تنفيذها وكذلك عمليات اغتيال ضد مسؤولين فلسطينيين في بلجيكا وفرنسا.

اما التسعينات فانه شهدت سلسلة من العمليات الفاشلة منها محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الاردنية عمان بحقنه في اكتوبر (تشرين الاول) 1997 في الاذن بمادة تؤدي تدريجيا الى الموت، الامر الذي اثار ازمة بين الاردن بعد اعتقال اثنين من عملاء الموساد. واضطرت اسرائيل تحت ضغط العاهل الاردني الراحل الملك حسين الى تقديم المصل المضاد لهذا السم والافراج عن الشيخ احمد ياسين مؤسس «حماس» الذي كان يقضي حكما مؤبدا في سجون الاحتلال, وذلك في اطار صفقة للافراج عن عميلي الموساد.

كذلك اعتقال مجموعة من عملاء الموساد في سويسرا وهم يحاولون وضع جهاز تنصت في شقة مسؤول مزعوم في «حزب الله» اللبناني، وكذلك اعتقال 3 من عملاء الموساد في اليونان وهم يلتقطون صورا قرب قاعدة عسكرية. يضاف الى ذلك صراعات النفوذ الداخلية بين رؤساء الدوائر المختلفة.

وتدهور الوضع في الموساد الى حد نشر اعلانات في الصحف الاسرائيلية لأول مرة لتجنيد عملاء للموساد. وحسب «فورين ريبورت» بدأ داغان بمعالجة فورية للترهل، فأقال عددا من رؤساء الدوائر بينما اضطر اخرون لم يقبلوا اسلوبه الى تقديم استقالاتهم. وفتت داغان اكبر الدوائر في الجهاز وتعرف باسم «تيفل» المسؤولة عن العلاقات السرية مع الدول والمنظمات التي لا تقيم علاقات مع اسرائيل. وعلق عمل دائرتي الابحاث والتحليل، وسرح مجموعة اخرى من كبار المسؤولين في الجهاز واعقبهم برؤساء عدد من الاقسام. وتقول «فورين ريبورت» انه لا يزال امام داغان مزيدا من العمل، لكن يتوقع ان يصبح الموساد مع منتصف العام الجاري اكثر قوة ومعرفة.

وحسب «فورين ريبورت» فان داغان كان محظوظا في اجراء عملية اعادة البناء الكبرى هذه، في مثل هذا الوقت الذي تلاشت فيه اهمية الموساد، مع تركيز اسرائيل على الاخطار الداخلية مثل الانتفاضة الفلسطينية التي يتعامل معها جهاز الامن الداخلي «شين بيت». وتضيف «فورين ريبورت» انه اذا ما توقفت الانتفاضة «فان اسرائيل ستوجه اهتمامها الى الاخطار الخارجية ومصدرها ايران وباكستان والقاعدة، وهي مهام كبرى عجزت وكالة المخابرات المركزية الاميركية وجهاز «ام اي 6» البريطاني في التعامل معها».

والى ان يحصل ذلك فان داغان سيكون جاهزا لهذه المهام وسيكون الموساد قد تحول من منظمة لجمع المعلومات الى منظمة قتالية. ونقل عن داغان القول ان الموساد لن يركز على جمع المعلومات بل سيتعامل فقط مع المعلومات التي تفيد عملاءه في عملياتهم. ونسبت «فورين ريبورت» اليه القول «اننا سندرب العملاء الى درجة من المهارة والاداء ستجعل القاعدة تندم لوجودها. وسنتصيد علماء الذرة الايرانيين الى ان يتمنوا ان يكونوا مديري مدارس وليس علماء. وسنجعل حياة «حزب الله» جحيما ويندم على انه حمل الكلاشينكوف يوما».