البصرة: مرحبا بكم في الولاية الإسلامية لجنوب العراق

الأحزاب الدينية تثير الخوف في أرجاء المدينة وتفرض على الأهالي الالتزام بقواعد الشريعة بالقوة

TT

تقدم مدينة البصرة أكثر العلامات وضوحا عما ينمو الآن في جنوب العراق، إذ بدلا من تحقق مجتمع ديمقراطي وحر ومفتوح مثلما وعدت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، أمر ضابط شرطة عند نقطة تفتيش امرأة مسافرة بتغطية شعرها إذا كانت تريد الاستمرار في رحلتها. قال الضابط لها «هذا بلد إسلامي وعليك أن تحترمي مشاعرنا» مرحبا بكم في الولاية الإسلامية لجنوب العراق، حيث تغطي كل واجهة مبنى فيها جداريات لأكثر رجال الدين شهرة والذين قُتلوا نتيجة للفوضى السائدة الآن أو على يد النظام السابق. وهم أبناء وإخوة وأتباع رجال الدين الثلاثة الذي يصوغون السياسات الشيعية في جنوب العراق مع دعم ومباركة الجارة ايران. في هذه المنطقة ليس هناك أي تسامح مع الأفكار العلمانية، ويعرّض باعة الكحول وأشرطة الفيديو أنفسهم إلى القتل، في الوقت الذي تم خلاله إغلاق النوادي والمطاعم لبثها للموسيقى، أما النساء فإنهن لجأن لعباءاتهن خوفا على حياتهن. وإذا كان الخلاف قائما في اعتبار الإسلام «مصدرا» من مصادر التشريع في دستور البلد المؤقت أو هو «المصدر» (الوحيد) وحول شكل الفيدرالية المثلى للعراق، فقد راحت هذه القوى الدينية المتشددة تمد بجذورها فوق تربة الجنوب العراقي وتبني القاعدة لسلطتها عليه.

يقول الكثير من سكان البصرة إن رجال الدين الشيعة الذين يحكمون ايران اليوم هم وراء العنف الذي تمارسه التنظيمات الدينية الشيعية في المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة، وإن دولة إيران الإسلامية مصممة على لعب دور أساسي في مقدراتها. قال رجل الأعمال مصطفى، 26 سنة، «البصرة هي مركز ثقافي وعلمي. معظم المنتمين للأحزاب الدينية هم من المرتزقة الذين عاشوا في إيران.. هم يريدون أن يفرضوا بالقوة أفكارهم علينا. إنهم يريدون أن تصبح كلمتهم قانونا. نحن خائفون منهم».

يخشى الكثير من أهالي البصرة من أنه عند حلول وقت الانتخابات بعد عام واحد وبعد إقرار الدستور الدائم سيكون الوقت متأخرا جدا لإزالة آثار هذه القوى التي ستتخندق بالكامل ضد أي خيار ديمقراطي لا يخدمها. لحد الآن لم يدر الحديث حول ولاية شيعية ضمن عراق فيدرالي لكن البصرة والمحافظات الأربع الأخرى التي تكون جنوب العراق تقدم مفاتيح للكيفية التي ستكون عليها تلك الولاية.

تغيرت الأمور كثيرا منذ الأيام التي سبقت حرب الخليج 1991 حينما كانت البصرة مكانا محببا لقضاء نهاية الأسبوع فيها من قبل الكثير من الكويتيين. وأكثر من تأثر في البصرة من السكان هم النساء حيث أصبح من النادر مشاهدتهن في شوارع المدينة وحتى حينما يخرجن من بيوتهن فكل منهن تكون ملفعة بالحجاب أو العباءة. قالت عهود الفضلي الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء «وضع النساء كان سيئا في وقت صدام لكنه الآن أسوأ بكثير. الآن هن لا يستطعن حتى الخروج إلى الشارع بالملابس التي يرغبن في ارتدائها».

يشتكي بعض سكان البصرة من غض القوات البريطانية التي تحتل البصرة بصرها عما تقوم به المؤسسة الدينية الشيعية من اغتصاب إدارة المدينة عبر الترهيب والتهديد ضد السكان العلمانيين. وبرر الرائد ديفيد كينغ الناطق الرسمي البريطاني هذا الموقف قائلا «نحن لسنا هنا لفرض أسلوب حياتنا على غيرنا. نحن هنا من أجل توفير الأوليات الأساسية كي نساعد وقوف العراقيين على أقدامهم».

من جانبه، لم يندهش المحلل غارث ستانسفيلد من المعهد الملكي للشؤون الخارجية في لندن للدور الإيراني في البصرة، فهذه المدينة لا تبعد أكثر من 50 كيلومترا عن الحدود الإيرانية، وهو يرى أنه من المستحيل للقوة البريطانية التي يبلغ عددها 8220 جنديا أن تصد النفوذ الإيراني. وأضاف المحلل ستانسفيلد «أن البصرة هي الحديقة الخلفية لإيران». وللقول إن إيران لم تتورط هناك، ففي السفر جنوبا من بغداد يكتشف المرء التغير الكبير الذي طرأ على المشهد، إذ يرى المرء جداريات وملصقات لآية الله محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة الإسلامية وآية الله محمد باقر الحكيم مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إضافة إلى انتشار الأعلام السوداء والخضراء فوق البيوت الطينية الممتدة على الطريق الواصل بالبصرة. كذلك هناك جدرايات لآية الله محمد صادق الصدر الذي يقود ابنه المتشدد مقتدى الصدر الآن أتباع أبيه.

وتحظى التنظيمات الدينية الشيعية الثلاثة (حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وأتباع آية الله محمد صادق الصدر) بحضور في البصرة، ومن هذه التنظيمات يتمتع حزب الدعوة بقدر من الشعبية وهو غير بارز في الشوارع مثل الحزبين الآخرين. كذلك هناك ما يقرب من 150 مجموعة صغيرة، وهذه تقف وراء الجريمة المنظمة في المدينة حيث أنها ظلت منذ سقوط نظام صدام ترعب سكانها وابتزازهم.

الحياة في البصرة تعطي أملا ضئيلا للمسلمين العلمانيين الذي كانوا يأملون في تحقق المجتمع المنفتح الذي وعد بتحققه الأميركيون والبريطانيون حينما غزت قواتهم العراق. هناك خوف آخر بينهم يتمثل في تلك الفقرة الموجودة في الدستور المؤقت والتي تترك لكل ثلاث محافظات الحق في صياغة القوانين التي تريدها، وهذا ما يعمق القلق من تشكل ولاية فيدرالية مستقلة يحكمها رجال الدين الشيعة داخل العراق.

قالت إنعام الزبيدي، 18 سنة، محتجة «أنا سأغادر العراق». وبدأت هذه الفتاة بارتداء الحجاب قبل عدة أسابيع لتجنب الإساءة لها. كذلك قالت ميادة العزاوي، 19 سنة «الله يعلم ما سيقوم به هؤلاء إذا تشكلت ولاية إسلامية هنا. لعلهم يمنعون على البنات الذهاب إلى المدارس بل وقد يجبروننا على تغطية وجوهنا بالكامل. إذا تشكلت ولاية فيدرالية شيعية هنا فإن إيران ستتحكم فينا».

* خدمة «أسوشييتد برس»