تقرير لجنة التحقيق: خالد شيخ محمد اختفى من قطر بعد أن أكدت الدوحة لواشنطن أنه مراقب.. وأميركا تقدمت بـ 8 مطالب للسودان

TT

يتهم تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 إدارتي الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش بعدم أخذ أي خطوات جادة لمواجهة تهديدات منظمة القاعدة، وتعرض «الشرق الأوسط» في ما يلي الجزء الأول من ثلاثة أجزاء للتقرير الذي يشرح تفاصيل ونتائج التحقيقات الموسعة التي تقوم بها لجنة تحقيق مستقلة بهدف معرفة تفاصيل وأسرار الجهود الاميركية لمكافحة الإرهاب.

4 ـ أمثلة تطبيقية لمكافحة الإرهاب في السياسة الخارجية الاميركية في الفترة 1995 ـ 1996:

1 ـ رمزي يوسف محمد ـ باكستاني ـ 1995 تم القبض عليه من قبل الحكومة الباكستانية بعد اتهامه بالتخطيط لتفجير طائرات ركاب اميركية في الشرق الأقصى، وكذلك لدوره في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك عام 1993. وتم لاحقا تسليم رمزي يوسف محمد للولايات المتحدة لمحاكمته.

2 ـ خالد شيخ محمد ـ باكستاني ـ 1995 علمت الولايات المتحدة أن خالد شيخ محمد يعيش في العاصمة القطرية الدوحة، وكان يعمل ويتنقل بين عدة مؤسسات حكومية هناك. كان هناك شك كبير في دوره المساند لرمزي يوسف محمد، لهذا تم التنسيق بين مكتب المباحث الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية والسفارة الاميركية بالدوحة لإلقاء القبض عليه هناك. وترددت الولايات المتحدة في طلب تعاون الحكومة القطرية خوفا من تسرب هذه المعلومات له.

بعد إدانة خالد شيخ محمد غيابيا امام محكمة فيدرالية بولاية نيويورك، سألت الولايات المتحدة أمير قطر المساعدة في إلقاء القبض عليه في يناير (كانون الثاني) 1995، وردت قطر بأنه تحت المراقبة، ولكن لاحقا ذكرت الحكومة القطرية أن خالد شيخ محمد اختفى!! وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كان خالد شيخ محمد هو أحد أهم المتهمين الرئيسيين في التخطيط للهجمات، ولاحقا تم إلقاء القبض عليه في باكستان وسلم للولايات المتحدة في عام 2003.

ولم تجب قطر بعد على طريقة اختفاء خالد شيخ محمد من على أراضيها رغم إقرارها بأنه كان تحت المراقبة عام 1995، وعلاقته بالحكومة القطرية ما زالت لغزا بدون اجابة حتى الآن.

3 ـ أسامة بن لادن ـ سعودي ـ 1996 أما ما يخص أسامة بن لادن الذي كان يقيم في السودان مدعوما بنفوذ الزعيم الإسلامي حسن الترابي ـ حين كان السودان في هذه المرحلة ملجأ امنا للإسلاميين المتشددين من جميع انحاء العالم ـ وبنهاية 1995، كانت حكومة الولايات المتحدة قد ربطت بين العديد من الإرهابيين وممولهم الرئيسي أسامة بن لان.

بعد إضافة السودان للائحة الدول المساندة للإرهاب الدولي منذ عام 1993، فرضت عدة عقوبات اميركية على السودان، وضوعفت الضغوط الدولية على السودان خاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في إثيوبيا 1995. وانتهت هذه الضغوط بفرض عقوبات دولية من مجلس الأمن الدولي.

وفي بداية عام 1996، أتت هذه الضغوط الدولية بنتائج هامة نتج عنها ان المسؤولين السودانيين بدأوا محاولات للاتصال بمسؤولين اميركيين للسؤال عما يجب على السودان أن يفعله لتخفف أو تلغى العقوبات الدولية. وفي شتاء 1996 وفي أعقاب زيارة وزير الدفاع السوداني لواشنطن لبحث ما يمكن للسودان عمله، قدمت الولايات المتحدة ثمانية مطالب، تعلق احدها فقط بضرورة أن يوفر السودان معلومات عن أسامة بن لادن وعلاقاته واتصالاته خلال وجوده بالسودان!! وطبيعة الاتصالات الاميركية السودانية في هذه الفترة تمثل لغزا وأصبحت مجالا للبلبلة والاختلاف! حيث تذكر الحكومة السودانية أنها عرضت أن تسلم أسامة بن لادن للولايات المتحدة، لكن إدارة الرئيس بيل كلينتون رفضت هذه المبادرة السودانية، وتنفي إدارة الرئيس كلينتون تلقيها مثل هذا العرض.. وليس هناك دليل يدعم ادعاء الحكومة السودانية.

وعرض السودان أن يسلم أسامة بن لادن للسعودية، مقابل منحه عفوا لكن الحكومة السعودية رفضت هذا العرض. وتعتقد وكالة المخابرات الاميركية أن هناك من الدلائل ما يشير إلى أن السعودية طلبت من السودان تسليم أسامة بن لادن بدون شروط.

ويتعرض التقرير لضغوط واشنطن على السودان من اجل إخراج أسامة بن لادن من السودان، ولكن لم تطلب واشنطن من السودان تسليم أسامة بن لادن لها..... وهنا يذكر صمويل بيرغر مستشار الرئيس بيل كلينتون للأمن القومي، انه «لم تكن هناك أدلة جنائية أو معلومات مخابراتية تدين أسامة بن لادن شخصيا حيث انه لم يكن مسؤولا عن أعمال إرهابية ضد مواطنين اميركيين أو مصالح اميركية».

وأشار التقرير إلى اتصال الولايات المتحدة بعدد من الدول التي كانت في حالة عداوة مع السودان وأسامة بن لادن من اجل أن تقبل تسلم أسامة بن لادن لها، وأبدت دولة واحدة رغبتها في تسلم أسامة بن لادن.. ولكن هذا لم يحدث أبدا.... ويبقى السؤال هنا عن ماهية هذه الدولة؟! لاحقا تم استئجار طائرة من شركة «أيريانا» للطيران نقلت أسامة بن لادن وكبار معاونيه من السودان إلى أفغانستان بعد توقف للتزود بالوقود في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولم يكن واضحا في هذه الفترة ما إذا كانت الولايات المتحدة تراقب تحركات أسامة بن لادن ام لا وبعد ذلك أخبر السودان الولايات المتحدة بمغادرة أسامة بن لادن لأراضيه.

4 تفجير الخبر ـ 1996 بعد تفجير الخبر في الظهران بالمملكة العربية السعودية الذي أسفر عن مقتل 19 اميركيا، وأكثر من ثلاثمائة جريح، لم يكن واضحا ما إذا كان لأسامة بن لادن دور في هذا التفجير من عدمه.

وبعد مشاركة وكالة المخابرات المركزية ومكتب المباحث الفيدرالي في التحقيقات مع السلطات السعودية، والتي نتج عنها إدانة 13 متطرفا في يونيو 2001، ورغم أن لائحة الاتهام اشتملت علي علاقة بعض المتهمين ببعض المسؤولين الإيرانيين، ولم يتم تسمية أي مسؤول إيراني في لائحة الاتهام، قالت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون انه رغم أن هناك علاقات للعديد من المسؤولين الإيرانيين بالحادث، لم يكن هناك دليل على أن الحكومة الإيرانية نفسها كان لها أي علاقة بتفجير الخبر.

وكشف التقرير ان وكالة الاستخبارات المركزية كانت قد خصصت «محطة كاملة لمتابعة بن لادن» منذ عام 1996. وأضاف ان تدشين المحطة جاء اثناء وجود بن لادن في السودان وكان ينظر اليه وقتها على انه ممول للارهابين وليس بالضرورة واحداً منهم.

وقال التقرير ان أحد اتباع بن لادن انشق عنه، بعد انتقاله الى افغانستان، وادلى «بوفرة من المعلومات عن بن لادن» حيث اخبرهم ان بن لادن مهتم الآن بالحصول على مواد نووية. ووصف التقرير هذا الامر بأنه «كان انفراجة حظ كبيرة للمخابرات». وبعد ذلك قررت المخابرات تدشين مجموعة من العملاء للعمل داخل افغانستان لجمع المعلومات عن بن لادن ومنظمته ووضع خطة للامساك به، وانه في عام 1998 بدأ رئيس المخابرات المركزية جورج تينيت في اعطاء بن لادن اهتماما شخصيا. وقال التقرير ان المخابرات الاميركية استعدت بخطة تعتمد على عمليات سرية وعملاء استأجرتهم من «مقاتلي القبائل الافغانية» المحليين للهجوم على احد المجمعات التي كان يمكن وجود بن لادن فيها على امل الامساك به ونقله الى الولايات المتحدة الاميركية في الخفاء ثم اعلان القبض عليه بعد ذلك. غير ان احتمالات الفشل العالية للمحاولة اجبرت واضعي السياسة على تغييرها.

وكشفت اللجنة أنه بعد تفجيرات شرق افريقيا ضد السفارات الاميركية في العام ذاته وقع الرئيس السابق بيل كلينتون بنفسه على تصاريح بتبني «عمليات سرية عاجلة» اخرى للقبض على بن لادن تعتمد بشكل كبير على «عملاء من مواطني افغانستان». وقال التقرير: «في اكثر من ست مناسبات اورد عملاء الـ«سي.أي.ايه». الافغان انهم كانوا على وشك مهاجمة بن لادن اثناء تنقله في قافلة على طرق افغانستان الوعرة، لكن بن لادن كان دائما ما يتخذ طرقاً غير تلك المتوقعة أو المألوفة». وقال التقرير إنه من الاسباب الرئيسية في الفشل بالامساك ببن لادن رغم المحاولات المستميتة والمكلفة ان معنويات «محطة متابعة بن لادن» بدأت تخور مع مرور الوقت وعدم التمكن من الاقتراب منه. ونقل التقرير عن نائب رئيس المحطة انهم انتهى بهم الامر الى مجرد «شراء الوقت» فقط، ومحاولة تعطيل انشطة بن لادن حتى يأتي امر عسكري باستخدام القوة العسكرية الساحقة ضده. واتجه البحث عن بن لادن في عام 2000 الى الاعتماد على الالة العسكرية الاميركية وضم وزارة الدفاع الى المجهودات، حيث تم اقتراح ان تقوم طائرة تجسس من طراز «بريدتور» بالطيران فوق افغانستان ومسح كل الاراضي هناك وتصويرها بالفيديو بهدف «الامساك ببن لادن او قتله بصاروخ من طراز كروز». وتم الدفع بتلك الطائرات لتحلق 16 مرة فوق افغانستان في خريف 2000 فقط. وقال التقرير: «على الاقل رصدت الـ«بريدتور» في مرتين اجراءات امنية تحيط برجل طويل القامة في عباءة بيضاء قرر الخبراء انه ربما يكون بن لادن». وقال التقرير ان وكالة الاستخبارات المركزية اطلعت الرئيس المنتخب وقتها جورج دبليو بوش على كل تلك المجهودات بما فيها العمليات الاستخباراتية السرية في المنطقة.

وكشف التقرير ان ريتشار كلارك المساعد الأمني البارز اوصى وقتها باعادة تحليق طائرة التجسس من طراز «بريدتور» بمجرد انتهاء فصل الشتاء وقدوم الربيع في افغانستان على ان يتم الاسراع بانتاج طائرة من نفس الطراز مجهزة بالقدرة على اطلاق الصواريخ «واستخدام الـ«بريدتور» المسلحة ضد بن لادن في اسرع وقت ممكن». الا ان جورج تينيت رئيس وكالة الاستخبارات المركزية لم يحبذ تلك الخطة وطالب بالانتظار حتى يتم انتاج الـ«بريدتور» المسلحة وذلك خشية ان يعلم مقاتلو طالبان بوجود الطائرة وبالتالي يضيع عنصر المفاجأة عند تحليق الطائرة المسلحة. وقال تينيت انه كان يخشى أن يتم «اسقاط تلك الطائرة النادرة والمكلفة» والتي استطاعت اجهزة الرادار البدائية التي استخدمها طالبان في رصدها.

وقال التقرير ان القوات الجوية الاميركية نجحت في تسليح الطائرة التي تطير بدون طيار في غضون شهور فقط وهو الذي اعتبروه نجاحا هائلا للعسكرية الهندسية الاميركية. وتم وضع برنامج لنشر الطائرة الجديدة في الاول من سبتمبر (ايلول) 2001، اي قبل عشرة ايام فقط من احداث 11 سبتمبر. واخيرا استخدمت الولايات المتحدة هذه الطائرة ضد ما قالت انهم مجموعة من المتشددين في اليمن في العام التالي ضمن ما يطلق عليه «الحرب على الارهاب» ولم تستخدم ضد بن لادن.