الخرطوم وحركة قرنق تتجهان لوضع وثيقة واحدة للقضايا الخلافية وخلاف سوداني أميركي على دخول مواد اغاثة معدلة جينيا إلى دارفور

TT

اتفقت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان أمس في مدينة نيفاشا الكينية حيث تجري مفاوضات سلام سودانية حاسمة، على بذل الجهود للتوصل الى وثيقة واحدة تشمل القضايا الخلافية المتبقية لتسهيل عملية التفاوض، في وقت شهد فيه خلاف سوداني ـ أميركي بسبب رفض الخرطوم تسلم مواد إغاثة معدلة جينياً الى دارفور. وقدمت الحكومة والحركة الشعبية وثيقتين خلال الايام الماضية لمناقشة قضايا المناطق الثلاث المتنازع عليها والمشاركة في السلطة. وقال الناطق باسم الحركة الشعبية ياسر عرمان لـ«الشرق الأوسط» ان اجتماعا عقد امس بين نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق استعرضا فيه الموقف الراهن في المفاوضات والمتمثل في وجود وثيقتين حول المناطق الثلاث والسلطة، وتم الاتفاق على اجراءات بعينها، تكون حصيلتها الوصول الى وثيقة واحدة لمناقشة موضوعات الخلاف. وسيقوم الطرفان (الحكومة والحركة) بتسليم وثيقتيهما الى منظمة «إيقاد» الراعية للمفاوضات لتقوم باعداد وثيقة واحدة للموضوعات. وقال عرمان «هذه الوثيقة الجديدة ستشمل القضايا المتفق عليها والمختلف حولها، وتلك التي بها نوع من الغموض». وفي وقت لم تحدد فيه «ايقاد» زمنا محددا لانهاء المفاوضات اكد عرمان ان الطرفين سيتناولان كافة الموضوعات لحالها خلال الايام المقبلة. ويرفض المفاوضون الحكوميون في المقابل الادلاء باي تعليقات للصحف حول مجريات التفاوض أو الافصاح عن المواقف الحكومية. وتوقعت مصادر مطلعة ان يتم اليوم لقاء في نيروبي بين الرئيس الكيني مواي كيباكي وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق لمناقشة مسيرة التفاوض وعملية السلام. وكان الرئيس الاميركي جورج بوش اشاد في اتصال هاتفي مع قرنق بموقف الحركة الشعبية المؤيد للاقتراح الاميركي حول حل قضية منطقة ابيي المتنازع عليها.

وحول الوضع في دارفور قال أحمد حسين آدم رئيس حركة العدل والمساواة بالمملكة المتحدة ان حركتهم قبلت الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة السودانية في تشاد، طالما كان هناك طرف دولي ثالث يراقب المفاوضات، لكنه استبعد في نفس الوقت بدء المفاوضات غدا الجمعة حسب ما اعلنه مسؤول تشادي رفيع أول من أمس.

وقالت الحكومة التشادية اول من امس ان الخرطوم والجماعات المسلحة المناوئة لها في دارفور بغرب السودان، وافقوا على إجراء محادثات سلام في تشاد المجاورة الجمعة (غدا) لإنهاء النزاع المسلح في المنطقة الممتد لعدة سنوات. وقال ادم لـ«الشرق الأوسط» ان حركته «لم تتلق أي دعوة لحضور مفاوضات انجمينا يوم الجمعة، لكن المفاوضات ستكون في وقت قريب جدا». وأضاف ان «المفاوضات ستحتاج الى ترتيبات في ظل وجود اعضاء في الحركة في مناطق متفرقة ومنهم من يوجد في ساحات القتال بدارفور».

وحول الشروط التي وضعتها الحركة للجلوس على طاولة المفاوضات قال ادم «ليست هي شروطا وانما مطالب سنطرحها على طاولة المفاوضات ومن بينها نزع سلاح ميليشيا موالية للحكومة ووقف اطلاق النار على المدنيين وإجراء تحقيق دولي في اوضاع حقوق الانسان في دارفور ووقف نشاط سلاح الجو السوداني». وكانت الولايات المتحدة وفرنسا اعلنتا قبل ايام انهما تقودان وساطة بين الخرطوم والحركات المسلحة في دارفور وابرزها حركتا تحرير السودان، والعدل والمساواة، من اجل اطلاق محادثات سلام برعاية تشادية. من جهة ثانية اعلن والي جنوب دارفور اللواء ادم حميد موسى ان ستة من اعيان قبيلة الهبانية العربية في دارفور قتلوا في هجوم شنه «المتمردون». وقال الوالي ان مجموعة من «الخارجين عن القانون» شنت مساء الاثنين هجوما على مدينة بورام (على بعد حوالي 950 كم جنوب غرب الخرطوم) فقتلوا ستة من اعيان قبيلة الهبانية واصابوا عددا اخر من افراد القبيلة تم نقلهم الي المستشفيات».

وفي الخرطوم برز خلاف من جديد بين الحكومة السودانية وبرنامج المعونة الأميركية حول نوع المساعدات الانسانية التي تقدمها الاخيرة للمتضررين في السودان خاصة في دارفور. ورفضت الحكومة تسلم اية مواد غذائية معدلة جينياً وطالبت المعونة بتقديم شهادة بذلك. وبينما قالت المعونة انها اصلاً لا تقدم شهادات لمواد غذائية لاغراض انسانية في أية دولة، لكنها أشارت الى ان معظم المواد الغذائية الى دارفور عبارة عن ذرة ومواد اخرى غير معدلة جينيا. وصعد الخلاف اثناء مباحثات بدأها روجر ونتر مساعد المدير العام للمعونة الأميركية في الخرطوم امس مع المسؤولين السودانيين. وابدى المسؤول الأميركي خلالها استعداد بلاده لزيارة حجم المساعدات الانسانية في دارفور.

وتطابقت وجهات النظر بين المسؤولين في الحكومة ومساعد مدير المعونة بان دارفور في حاجة الى «مساعدات انسانية اكثر». من جهة ثانية قال تقرير لوكالة المعونة الاميركية عن السودان ان المساعدات الى منطقة ابيي توقفت بسبب فشل مفاوضات كينيا في الاتفاق على مستقبل المنطقة. واشار الى ان هناك توترا واضحا في المنطقة بين قبيلة المسيرية الشمالية، وقبيلة الدينكا نقوك الجنوبية. وطالب بضرورة الوصول الى اتفاق سريع بين الجانبين حتى لا يتحول التوتر الى اعمال عنف، وربما حرب اهلية. وقال التقرير ان هناك اتصالات وتحركات عبر نهر كير، الذي يفصل بين قوات الحكومة وقوات الجبهة الشعبية في منطقة ابيي. لكن التقرير اشتكى من اجهزة الأمن التابعة للحكومة، وقال انها تراقب وتعرقل هذه الاتصالات، خاصة بين العاملين في منظمات العون الاجنبي والمواطنين. وقال التقرير ان الوكالة طلبت من الكونغرس اعتماد 220 مليون دولار مساعدات للسودان في الميزانية الجديدة، وذلك بزيادة 40 مليون دولار عن ميزانية السنة الحالية، وان الوكالة طلبت زيادة الاعتمادات في ميزانية سنة 2005 لتصبح ثلاثمائة وخمسين مليون دولار، بما يعادل زيادة مائة في المائة عن اعتمادات السنة الحالية. وقال التقرير ان هذه الزيادة وضعت في الاعتبار عودة السلام الى السودان، وانها سترصد لتمويل عودة اللاجئين، وتأهيل المقاتلين المتقاعدين، وبناء مؤسسات المجتمع الوطني، وتوفير ظروف السوق الحر لدفع النمو الاقتصادي. وقال التقرير ان الوكالة وضعت خطة اولية لزيادة نشاطها في السودان بعد توقيع اتفاقية السلام، وانها ستبدأ بمشاريع سريعة ومباشرة، وخاصة في الجنوب في مجالات الماء، والكهرباء، والمواصلات، والاتصالات، بالاضافة الى المشاريع طويلة المدى في مجالات الصحة والتعليم في الشمال والجنوب.