السلطات الأميركية تلجأ إلى اتهامات مخالفات الهجرة ضد مهاجرين لا تستطيع إثبات علاقتهم بالإرهاب

TT

لم يكن ماجد حاجبة قد ارتدى حذاءه بعد عندما اقتحمت عليه منزله الحرب ضد الارهاب. وكان واحدا من الصباحات النادرة التي ينعم بها هذا المهندس بيومه بعيدا عن العمل. كان ذلك يوم الخميس في ضاحية هادئة من ضواحي فيرجينيا، منازل الطوب الأحمر وأشجار الكمثرى الهادئة الازهار. وفجأة سمع طرقا على الباب، كان يقف في المدخل الأمامي عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي وشعبة الأمن الوطني، وكانوا يريدون تفتيش المنزل. سمح لهم حاجبة، 41 سنة، الملتحي ذو العينين السوداوين واللحية، بتنفيذ مهمتهم. وبعد بضعة ساعات خرجت المجموعة ومعها حزمة من الأواراق الخاصة بهجرة حاجبة الى الولايات المتحدة عام 1992.

الآن، وبعد ما يقارب العشرة أشهر من تلك الغارة الصباحية، يجلس حاجبة في بدلة برتقالية بسجن بيدمونت الريفي بالقرب من لينشبيرغ. وهو يواجه تهمة روتينية خاصة بالهجرة: أي ادعاء انه كان أعزبا حتى ينال حق الاقامة في الولايات المتحدة. ولكنه اذا أعيد الى الأردن، بلده الاصلي، فانه يواجه حكما بالسجن المؤبد. وهذا هو السبب الذي يجعل السلطات الأميركية راغبة كثيرا في التخلص منه. وتقول وثائق المحكمة ان العناصر الأمنية ذهبت الى منزل حاجبة في يوم 9 يونيو (حزيران) بعد ان توصلوا الى اكتشاف مثير، وهو ان الرجل حكم عليه عام 1999 بسلسلة تفجيرات قام بها في الأردن.

وتكشف قضية حاجبة نوعا من العنف القانوني الذي عبر عن نفسه بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الارهابية. ويقول المسؤولون الأمنيون في شعبة الأمن الوطني انهم يدققون في الأوارق الثبوتية الخاصة بمئات المهاجرين الى الولايات المتحدة ممن يشتبه في ان لهم علاقات ارهابية، وانهم يبحثون عن مخالفات حتى يتمكنوا من سجن هؤلاء أو ابعادهم. ويقول هؤلاء المسؤولون انه ما دامت الولايات المتحدة تواجه هذه المخاطر فان من حقهم ان يفعلوا كل ما يستطيعون لكشف الارهابيين المحتملين وابعادهم. ولكن اقامة الدعاوى الارهابية يعتبر عملا بالغ الصعوبة، ولذلك تلجأ السلطات الى تجميع أدلة لقضايا أقل خطرا وأكثر قابلية للبرهان.

ويقول أصدقاء حاجبة ومؤيدوه من المسلمين المحليين واحدى المجموعات المدنية من مقاطعة سانت وليام، ان هذا الأسلوب فيه خرق للقانون. ويقولون ان قضية التفجيرات التي حوكم بمقتضاها هذا الأردني كانت مليئة بالثغرات وانه ليس من العدالة في شيء إبعاد الرجل عن زوجته وأطفاله السبعة لمدة عشرة أشهر بسبب مخالفة طفيفة للوائح الهجرة.

وقد احتجت دنيس صباغ، محامية حاجبة، ان السلطات تحاول استخدام الاتهامات الخاصة بمخالفات الهجرة لاستهداف المهاجرين، مع انهم لم توجه لهم أية تهم خاصة بالارهاب. وقالت: «انهم يريدون طردهم فقط لأن هناك ايحاء ما بأنهم ربما ارتكبوا مخالفة طفيفة».

ويعترف مايكل غارسيا الذي يشرف على تطبيق قوانين الهجرة والرسوم الجمركية في شعبة الأمن الوطني بان تهم مخالفة اجراءات الهجرة تستخدم حاليا بصورة اكثر منهجية، من أي وقت مضى، ضد الارهابيين المحتملين. وقد دافع عن هذه الممارسة بان من حق الحكومة استخدام كل الوسائل لمنع الهجمات المحتملة. وقال: «اننا نستخدم هذه الاجراءات لسد الثغرات قبل ان تصبح خطيرة. أي قبل ان تتحول الى هجمات تقضي على آلاف الناس».

رنت القيود في رجلي حاجبة عندما هب واقفا. وقد كان القاضي قد قرر للتو رفع جلسة للنظر في طلب الضمان، في محكمة قضايا الهجرة، بأحد المباني فوق محطة مترو بآرلينغتون. قال حاجبة وفي نبرات صوته نوع من المرارة وهو يتحدث الى أحد المراسلين: «جئت الى أميركا لأنها تعني الحرية. والآن يعتقلونني بلا سبب. لم أقتل أحدا ومع ذلك يحاولون تحويلي الى ارهابي».

وتعتقد السلطات ان هناك أسبابا كثيرة تدعو للقلق في حالته. فقبل خمس سنوات حكمت عليه محكمة عسكرية أردنية، غيابيا، بتفجير سلسلة من القنابل في عمان. وقد أدت تلك القنابل اليدوية المصنوعة محليا، والتي زرعت في وقت متأخر عام 1998، الى تدمير مدرسة أميركية وفندق ذي خمس نجوم، وسيارتين تخصان موظفين حكوميين سابقين. ولكن لم يصب شخص بأذى. ولم يكن ذلك هو كل ما في الأمر. فواحد من رفقاء حاجبة كان يسمى أبو قتادة، معروف في الأردن بانه إمام وخطيب طلب اللجوء السياسي في لندن. وتعتقد السلطات الأميركية ان له صفة اخرى ايضا هي انه واحد من عملاء اسامة بن لادن. وقد ظهرت مخاوف الحكومة عندما بدأت جلسات الضمان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال لويس باولي، أحد المحامين في شعبة الأمن الوطني، ان الأدلة في قضية الأردني تشير الى ان حاجبة نظم مجموعة اسلامية صغيرة معادية للحكومة الأردنية، باسم الاصلاح والتحدي، عندما عاد الى الأردن في الأعوام 1994 ـ 95 و1996. وقد طلب حاجبة من أعضاء منظمته التبرع بالمال من أجل صناعة القنابل حسب أوراق تلك القضية. وعندما عاد حاجبة الى الولايات المتحدة احتفظ بعلاقاته مع المجموعة وانه وافق على الهجمات التي دبرتها المجموعة عام 1998، حسب أقوال أدلى بها باولي كانت قد أكدتها، حسب قوله، السلطات الأردنية. وقد أعلن باولي في قاعة المحكمة المكتظة: «ان الشخص الذي فعل ذلك في الماضي يمكن ان يفعله في المستقبل».

وتساءل القاضي عن السبب الذي منع السلطات من اتهامه بالارهاب وكانت اجابة باولي: «هناك معلومات سرية، وهناك عوامل أخرى. ويمكننا ان نواصل ونقدم شكوى اذا كانت تلك هي المشكلة».

وهنا تدخلت صباغ ممثلة الدفاع قائلة: «هذه القضية ظلت مستمرة منذ يونيو (حزيران)، واذا كانت لدى الحكومة أية أدلة تسند ادعاءها لكانت قد رفعت الدعوى».

وقدم حاجبة وأصدقاؤه صورة مختلفة جدا عن الأحداث. وقالت صباغ ان الأحكام التي صدرت في الأردن حول القضية الارهابية قد نقضت فيما بعد. وقالت ان بقاء التهم لا معنى له سوى ان حاجبة لم يعد لسماع استئنافه، كما يقتضي القانون الأردني. وقال حاجبة انه ليس له أي دور في مجموعة الاصلاح والتحدي، بالرغم من معرفته لبعض المتهمين بالانتماء اليها. وقال ان زياراته الى الأردن كانت لأسباب عائلية. وقال انه كان يعيش في تنيسي وقت التفجيرات وانه كان يعمل بين 70 و80 ساعة في الأسبوع في مصنع للشامبو والتكييف. وقال انه انتقل الى فيرجينيا قبل ثلاث سنوات.

وقد استمعت المحكمة لشهود كثيرين قالوا ان حاجبة ظل يعيش في هدوء واستقامة داخل الولايات المتحدة. وقال أحد أصدقائه ان رقته تمنعه من وطء حشرة صغيرة. وقال آخر انه يمنع أطفاله من الانتقام ممن يحاولون تخويفهم. وتذكر رئيسه عصام المصري، بشركة «امسي» الهندسية بمانساس، تلك المرة التي اعتدى فيها أحد العملاء على حاجبة نتيجة لخلاف حول نتيجة اختبار للتربة. وقال: «لم يرد عليه ماجد مطلقا».

لم تذكر العلاقة المزعومة بـ«القاعدة» أثناء جلسة الاستماع. وتقول أوراق القضية الأردنية ان المتهم ابو قتادة الذي كان مقيما في لندن قد اتصل بتنظيم «الاصلاح والتحدي»، بعد ان انتقل حاجبة الى الولايات المتحدة. وقالت زوجة حاجبة وأحد محاميه انه لا يعرف أبو قتادة. في النهاية منح القاضي واين ايسكرا حق الضمان لحاجبة. وقد ذكر ضمن الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار، البراءة التي حصل عليها حاجبة في الأردن واقوال كثير من المتهمين في تلك القضية انهم أدولوا باعترافات كاذبة لأنهم عذبوا. وقد استأنف ممثل شعبة أمن الوطن القضية مما حال دون اطلاق سراح حاجبة. ولا يزال الاستئناف قيد النظر بعد أربعة أشهر على تقديمه.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»