في خطوة تكتيكية: شارون يتجاوز المعارضة لخطة الانفصال ويطرحها على أعضاء الليكود

TT

في خطوة تكتيكية مغامرة، لكنها لا تخلو من الذكاء، نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي، آرييل شارون، في تجاوز المعارضة اليمينية المتطرفة داخل حزبه وحكومته لخطته للانفصال الاحادي الجانب عن الفلسطينيين ونقل صلاحية اقرارها (او رفضها) الى اعضاء حزبه الليكود البالغ عددهم 200 الف بواسطة استفتاء عام خاص بهم. واثارت هذه الخطوة معارضة واسعة على طرفي الخريطة السياسية في اسرائيل، من جهة اليمين المتطرف وكذلك اليسار المعارض، الا ان كليهما بدأ الاستعداد لهذا الاستفتاء بهدف التأثير على اعضاء الليكود، كل باتجاه موقفه من الخطة.

واجمع المراقبون على ان شارون لم يقدم على هذه الخطوة قبل ان يجري عدة استطلاعات رأي في صفوف حزبه جاءت نتيجتها مرضية له. اذ انها جميعا دلت على ان هناك اكثرية واضحة تصل الى اكثر من 51% مؤيدة للخطة، من الآن، اي قبل ان تحظى بدعم الولايات المتحدة رسميا. ويتوقع شارون ان ترتفع هذه النسبة، او يتم تثبيتها، بعد اعلان موقف اميركي مؤيد وبعد تعهد واشنطن بتقديم ثمن اقتصادي وسياسي لاسرائيل في حالة اقدامها على تنفيذ الخطة وبدء الانسحاب من قطاع غزة وازالة المستوطنات والانسحاب الجزئي من الضفة الغربية. الا ان مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، المعارض للخطة، نشر امس نتائج استطلاع آخر قال انها تدل على ان 41% من مصوتي الليكود اعربوا عن معارضتهم للخطة (21.6% يعارضونها و19.6% يعارضونها بشدة) مقابل 34% يؤيدونها (14.4% يؤيدون جدا و19.6% يؤيدون) وان 20.9% قالوا انهم لا يعارضون ولا يؤيدون. ولذا فان المجلس اعلن عن حملة شعبية للتأثير على هؤلاء المترددين . وكان شارون قد فاجأ مندوبي مؤتمر الليكود، الذي التأم مساء اول من امس، عندما اعلن قراره الذهاب الى الاستفتاء. علما بان المؤتمر كان قد عقد من اجل اقرار نظام دستوري جديد. ولم يكن مقررا ان يدلي فيه ببيان سياسي.

وحاول رجالات شارون وخصومه في الليكود جعل المؤتمر مظاهرة وحدة وقوة تدعم شارون شخصيا في موضوع الفساد. واستهل رئيس لجنة الرئاسة، وزير الزراعة يسرائيل كاتس (وهو مقرب من خصم شارون، وزير المالية، بنيامين نتنياهو)، الجلسة بتحية حارة الى شارون وتهنئته على عملية اغتيال الشيخ احمد ياسين، زعيم حركة «حماس» الفلسطينية. فرد الجمهور بالتصفيق الحار. واجمع قادة الليكود، بمن في ذلك معارضو خطة شارون، على تأييد اقتراح الاستفتاء، مع انهم ادركوا جميعا ان هدفه من الاستفتاء ليس البحث عن اوسع مجال للدمقراطية بل لتجاوز الاحراج امام الرأي العام وامام العالم. اذ ان غالبية اعضاء الحكومة ما زالوا يعارضون الخطة. وكذلك غالبية اعضاء كتلة الليكود في الكنيست. وغالبية اعضاء المجلس المركزي لليكود. ولكن المؤيدين والمعارضين وجدوا في الاستفتاء مخرجا جيدا لازمة كل فرد منهم. فالمؤيدون وجدوا فيه امكانية لشحن شارون بالقوة للاقدام على مشروعه. والمعارضون وجدوا فيه فرصة للخروج في معارضة شارون بشكل علني امام الجمهور. لكن الطرفين التزما بقبول نتيجة الاستفتاء بروح رياضية، والانطلاق بعدها بروح وحدوية.

وابدى المقربون من شارون تفاؤلا كبيرا من هذه الخطوة. واعتبروها «ضربة معلم». اذ انه اولا استفتاء الليكود، اي لليمين واليمين المتطرف. فالقرار لن يعطى لليسار وللعرب كما في استفتاء عام للجمهور. فاذا ما جاءت النتيجة ايجابية، فان احدا لن يستطيع الوقوف في مواجهة شارون بعد اليوم. لكن الاهم من ذلك هو ان مجرد الذهاب الى استفتاء، سيجعل شارون مكشوفا امام جمهوره. وسيحتاج الى حملة دعائية مناسبة، كما لو انه يخوض انتخابات عامة. وسيطرح المسألة امام الرئيس الاميركي، جورج بوش، وادارته بعد اسبوعين مطالبا بتقديم المساعدة له في هذه المعركة. وسيقول لهم ما هي اهمية نجاح الاستفتاء وما هي خطورة الفشل. وسيوضح لهم ان النجاح او الفشل يتوقف على الثمن الذي ستدفعه واشنطن مقابل خطته للانفصال. وهو، كما نعرف، يطرح ثمنا اقتصاديا (للتعويض عن اعادة انتشار القوات الاسرائيلية بعد الانسحاب من قطاع غزة وازالة المستوطنات والانسحاب الجزئي من الضفة) وثمنا سياسيا بعيد المدى: (فهو يطلب ان تعلن الولايات المتحدة معارضتها لتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وموافقتها على ضم بعض المناطق الفلسطينية لاسرائيل والتزامها بالحفاظ على عزلة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات وامكانية التخلص منه وغيرها.

اما في المعارضة الاسرائيلية، فقد هاجموا قرار الاستفتاء واعتبروه محاولة لا ديمقراطية لمنح صلاحية القرار لفئة واحدة.

ورأت الاحزاب العربية في الكنيست ان الاستفتاء بين صفوف الليكود هو خطوة عنصرية جاءت بهدف حرمان المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) من حقهم في المشاركة، في الحسم السياسي، مثل بقية السكان.