غالبية أميركية تشاطر كلارك انتقاداته لبوش لكنها تقر أيضا بأن وراء مزاعمه دوافع سياسية

خطاب لرايس أعد ليلقى في 11 سبتمبر 2001 يركز على الدفاع الصاروخي ويتجاهل «القاعدة»

TT

أوضحت نتيجة استطلاع قامت به صحيفة لوس أنجليس تايمز أن أغلبية الأميركيين يوافقون على الانتقادات الأساسية التي وجهها ريتشارد كلارك إلى سجل مكافحة الإرهاب الخاص بالرئيس جورج بوش، ولكن الأغلبية تعتقد كذلك أن الاعتبارات السياسية هي التي تحرك الموظف السابق بالبيت الأبيض. وقد ردد حوالي ثلاثة أخماس الذين استطلعت آراؤهم مزاعم كلارك بأن بوش أعطى الأولوية لغزو العراق على الحرب ضد الإرهاب. كما وافقت أغلبية أصغر على ما قاله المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض حول أن بوش لم يركز بصورة كافية على الخطر الإرهابي قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ولكن ثلاثة أخماس المستفتين قالوا إن كتاب كلارك «وراءه دوافع سياسية» وأن القصد منه التأثير على الانتخابات الرئاسية. ولكن رغم الاهتمام الذي وجدته اتهامات كلارك، إلا أن ثلاثة أخماس الذين استطلعت آراؤهم تقريبا يعتقدون بأن سياسة بوش الدفاعية وحربه ضد الإرهاب جعلت الأمة الأميركية أكثر طمأنينة. وقالت الممرضة كوني ستار من غينزفيل، بولاية جورجيا: «لو أنهم اهتموا بالإنذارات التي وردتهم قبل 11 سبتمبر لما حدث ما حدث. ولكن بعد وقوعها قام الرئيس بالخطوات الصحيحة».

وفي الحقيقة فإن التساؤلات التي أثيرت حول الطريقة التي تصرف بها بوش في اللحظات الأولى للهجمات الإرهابية ستسبب له مشاكل على المدى البعيد، ولكن استطلاع الرأي المذكور يشير إلى أن هذا الجدل لم يغير بصورة جوهرية من الديناميات التي تقود البلاد نحو معركة انتخابية متقاربة النتائج. وأكدت نتيجة الاستطلاع أن المرشح الديمقراطي جون كيري يتقدم على الرئيس بوش بنسبة 49 في المائة إلى 46 في المائة من بين الناخبين المسجلين، بنسبة خطأ 3 في المائة زيادة أو نقصانا. ولكن عندما أضيف المرشح المستقل رالف نادر إلى التحليل تغيرت النسبة قليلا وذلك على النحو التالي: جون كيري 47 في المائة جورج بوش 44 في المائة ورالف نادر 4 في المائة. ويدل الاستطلاع على أن شعبية بوش يمكن أن تنخفض أكثر نسبة لأدائه الاقتصادي، في الوقت الذي لم تتكون بعد الاتجاهات العامة حول سياسة كيري الإقتصادية.

وشمل الاستطلاع الذي أشرفت عليه سوزان بنكاس، 1616 شخصا راشدا، منهم 1415 من الناخبين المسجلين، واستغرق الفترة بين السبت والثلاثاء. وقد حصل كلارك الذي عمل مديرا لمكافحة الإرهاب في إدارتي بيل كلينتون وبوش، على اهتمام غير عادي من وسائل الإعلام خلال الاسبوعين الماضيين بعد نشر كتابه « في مواجهة كل الأعداء»، وشهادته العلنية امام اللجنة المستقلة التي تحقق في هجمات 11 سبتمبر(أيلول). وقد نفى البيت الأبيض وحلفاء الإدارة نفيا قاطعا كل التهم التي وجهها كلارك إلى إدارة بوش والتي اتهمها فيها بأنها لم تتبين حجم الخطر الإرهابي قبل 11 سبتمبر، وأنها أضعفت الحرب ضد القاعدة بتحويلها الانتباه والموارد إلى الحرب ضد العراق. وقد شكك مسؤولو الإدارة وأصدقاؤها في مصداقية كلارك ودوافعه.

ولم يكن مستغربا أن تؤدي اتهامات كلارك إلى إحداث انقسام على أساس حزبي وعلى مستوى كل البلاد. وقد وافق 52 في المائة من المشاركين في الاستطلاع على أن «الرئيس بوش فشل في التعامل مع الخطر الإرهابي بالجدية التي يستحقها». وذلك قبل هجمات 11 سبتمبر، بينما قال 40 في المائة إنهم لا يوافقون على ذلك. وقال 70 في المائة من الناخبين الذين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي إنهم يتفقون مع كلارك. ولكن ثلثي أولئك الذين ينتمون إلى الحزب الجمهوري قالوا أاهم يرفضون هذا الاتهام، ووافق عليه حول حوالي الربع.

ووافق 57 في المائة على اتهام كلارك بأن «الرئيس بوش كان يركز أكثر على غزو العراق بالمقارنة مع مكافحة الإرهاب». بينما قال 37 في المائة إنهم لا يوافقون على ذلك. ومن بين الديمقراطيين بلغت نسبة الذين يوافقون على الاتهام حوالي 80 في المائة، بينما رفضه حوالي ثلثي الجمهوريين.

من جهة اخرى يعتقد اقل من نصف الاميركيين ان الولايات المتحدة اكثر امنا الان مما كانت عليه في 11 سبتمبر 2001 ، وان ثلاثة ارباع الاميركيين يعتقدون ان الولايات المتحدة أصبحت هدفا لهجمة ارهابية بالداخل او في الخارج في الشهور القليلة القادمة طبقا لاستطلاع آخر.

وكشف الاستطلاع الذي اعده مجلس التفوق في الحكومة وهي منظمة غير حزبية ان نصف الذين استطلعت اراؤهم يشعرون بالقلق من احتمال تنفيذ الارهابيين لضربة بالقرب من مكان سكنهم او عملهم. واعرب 75 في المائة عن قلقهم بخصوص الارهاب، بينما اعرب 26 في المائة عن هدوئهم.

وفي 11 سبتمبر 2001 كان من المقرر ان تعلن مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس في خطاب سياسة ادارة بوش التي كانت ستحدد «تهديدات ومشاكل اليوم واليوم التالي، وليس مشاكل الامس»، غير ان التركيز كان على الدفاع الصاروخي، وليس على ارهاب المتطرفين. ويكشف الخطاب صورة عما كان يجري داخل تفكير الادارة في نفس اليوم الذي تعرضت فيه الولايات المتحدة لاكثر الهجمات تدميرا منذ قصف ميناء بيرل هاربور من قبل اليابانيين عام 1941. وكان الخطاب يهدف الي الترويج للدفاع الصاروخي باعتباره حجر الزاوية لاستراتيجية الامن القومي الجديدة، ولم يشر الخطاب الى القاعدة او اسامة بن لادن او الجماعات المتطرفة، طبقا لمسؤولين اميركيين سابقين اطلعوا على النص.

وبسبب الكارثة لم تلق رايس خطابها في ذلك اليوم، الذي قضت جزءا منه في مخبأ. وقد اشار الخطاب الى الارهاب، ولكنه فعل ذلك في نفس الاطار المستخدم في خطابات اخرى لبوش في اوائل عام 2001: كواحد من الاخطار التي تمثلها الدول المارقة مثل العراق، التي ربما تستخدم اسلحة ارهابية، بدلا من خلايا متطرفة تعتبر الان التهديد الامني الاساسي للولايات المتحدة.

ويتحدى النص ايضا وبطريقة غير مباشرة سياسة ادارة كلينتون، قائلا انها لم تبذل جهدا كافيا بخصوص التهديد الحقيقي، الصواريخ طويلة المدى.

وطبقا لمقتطفات من الخطاب عرضت صحيفة «واشنطن بوست» فقد ذكرت رايس «نحن في حاجة الى القلق بخصوص القنابل المحمولة في حقائب، وقنابل السيارات، وعبوات غاز السارين التي يجري اطلاقها في انفاق المترو. ولكن لماذا تضع اقفالا على ابوابك وتضع روائح طيبة ثم تترك النافذة مفتوحة؟».

ويعكس نص خطاب رايس، سياسة ادارة بوش في مجال السياسة الخارجية خلال الاشهر الثمانية الاولى التي سبقت الهجمات، طبقا لدراسة للخطابات والمؤتمرات الصحافية والظهور امام وسائل الاعلام. وبالرغم من ان الادارة قد واجهت قضية الارهاب، فإنها قضت وقتا اطول تدافع عن الدفاع الصاروخي، وهي فكرة اثارت الكثير من الجدل سواء في الداخل او في الخارج.

* خدمة لوس أنجليس تايمز وواشنطن بوست (خاص بـ«الشرق الأوسط»)