جدل في أميركا حول المخاطر الإرهابية المترتبة على موانئ لاستقبال ناقلات الغاز

ميناء بوسطن أغلق بعد هجمات 11 سبتمبر إثر معلومات عن تسلل عناصر «القاعدة» إلى أميركا على ظهر سفينة

TT

في الساعات الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، سارع ريتشارد كلارك، الذي كان مسؤولا عن مكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية وقتها، بتوجيه حرس الحدود بإغلاق ميناء بوسطن. كان كلارك يخشى أن تهاجم «القاعدة» إحدى السفن الضخمة المحملة بالغاز الطبيعي، وهي تتحرك نحو الميناء غير بعيد من وسط المدينة.

وكان كلارك يعرف ما لا يعرفه الكثيرون، وهو أن «القاعدة» استخدمت ناقلات الغاز الطبيعي لتهريب عملائها من الجزائر إلى بوسطن. وكان يعرف كذلك أن كل سفينة تحمل من الغاز ما يعادل سلاحا نوويا. وقال كلارك في كتابه «في مواجهة كل الأعداء»: «لو أن واحدة من هذه السفن الضخمة انفجرت، لمسحت من الوجود وسط مدينة بوسطن».

تأكيدات كلارك زادت من القلق المترتب على التوجه السابق نحو زيادة موانئ السفن الحاملة للغاز بمعدل ثلاث مرات. فانفجار حاوية واحدة على ظهر السفينة يمكن أن يشعل نارا تمتد نصف ميل، حسب تقديرات الخبراء. ويضيف هؤلاء أن مثل هذا الانفجار يمكن أن يسبب كارثة هائلة في ساحل مزدحم بالسكان.

ويضع هذا الخطر إدارة الرئيس جورج بوش في موقف صعب، فسياستها للطاقة تتصادم مباشرة مع رغبتها في ضمان سلامة البلاد من الإرهاب. ويبدو أن الإدارة تنحاز حتى الآن إلى شركات الطاقة التي تعتقد أن الخطر مبالغ فيه. ولكن عددا متزايدا من الناس من ولاية مين إلى كاليفورنيا، يضغطون عليها لتغير هذه السياسة. وقال غال لوفت، مدير معهد تحليل الأمن العالمي بواشنطن: «إذا كانت موانئ الناقلات الضخمة قريبة إلى المناطق السكنية، فإنها ستكون أهدافا إرهابية اساسية. ولكن لا يتوقف الأمر على الموانئ وحدها بل يمتد إلى كل البنية التحتية للناقلات الضخمة، بدءا بالناقلات نفسها ومرورا بالموانئ وانتهاء بالشاحنات».

وقد ضمن كلارك إغلاق مطار بوسطن مؤقتا. لكن حركة الناقلات الضخمة تواصلت بعد عدة أسابيع رغم أن المسؤولين بمدينة بوسطن رفعوا شكوى لمنع الناقلات الضخمة من دخول المياه الداخلية للمدينة. غير ان قاضيا فيدراليا حكم بأنه لا يوجد دليل قوى على خطر وشيك. ولكن معارضي الموانئ القريبة للمدن يقولون أنهم لا يشاطرون القاضي يقينه بضآلة الخطر. وتصاعدت المعارضة بعد أن انفجرت ناقلة ضخمة في ميناء جزائري وقتلت 22 شخصا وجرحت 74، في يناير (كانون الثاني) الماضي. وقد ألغيت مقترحات بإنشاء موانئ في هاربسويل، ومين وهمبولت باي، بولاية كاليفورنيا، نتيجة للمعارضة العنيفة من السكان المحليين. وفي ولاية ألاباما قبرت محاولة لإقامة منشأتين نتيجة للمعارضة التي وجدتها من الحاكم والمسؤولين المحليين والنشطاء من الأهالي.

وهناك حاليا أربعة موانئ للناقلات الضخمة: إيفريت، بولاية مساتشوسيتس بالقرب من بوسطن; كوف بوينت بولاية مريلاند، إلبا آيلاند، بولاية جورجيا، وليك تشارلس بولاية لويزيانا. ونسبة لأن موارد الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي شحيحة، فان هناك خططا حاليا لإنشاء أكثر من 30 ميناء للناقلات الضخمة، بعضها قريب من المناطق السكنية المزدحمة بالسكان، مثل فول ريفر، بولاية مساتشوسيتس ولونغ بيتش بولاية كاليفورنيا، ولوغان تاونشيب بولاية نيوجيرسي وبروفيدانس في رود أيلاند.

ويقود هذه الهجمة الشركات العاملة في مجال الطاقة مثل بي بي، وإيكسون موبيل، مع بعض الشركات الأصغر مثل ويفر كوف إنيرجي، التي ترغب في إقامة ميناء في فول ريفر. ويقول هؤلاء ان الحديث عن المخاطر الإرهابية وعن الأخطاء البشرية في التعامل مع الناقلات، مبالغ فيه كثيرا، ويدللون على ذلك بالسجل الممتاز لهذه الناقلات في مجال إجراءات السلامة، والإجراءات الإضافية التي أدخلت بعد هجمات 11 سبتمبر، وإلى قوة الحاويات نفسها.

وتشير دراستان مثيرتان للجدل صدرتا بعد هجمات 11 سبتمبر، واحدة أعدت بتكليف من وزارة الطاقة الأميركية والأخرى للشركات العاملة في مجال الطاقة، إلى ان النيران الناتجة عن اشتعال ناقلة للغاز ستكون أصغر بكثير مما يروج له. وقال مارتن إدواردز، من الرابطة الأميركية للغاز: «أنظر إلى سجل السلامة الحالي لناقلات الغاز، تجده سجلا ممتازا ونظيفا. وما نكتشفه دائما هو أن القضايا التي تثار حول السلامة والأمن ليست سوى غطاء لدوافع الخصوم الذين يخشون سقوط قيمة أسهمهم».

ومن أبعد الأماكن التي يخطط لإنشاء ميناء فيها «بورت أوف لونغ بيتش». وصرح توم غايلز ـ رئيس شركة «ساوند إينيرجي سولوشنز»، وهي من فروع شركة ميتسوبيشي، إلى صحيفة لوس أنجليس تايمز في يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو يصف ناقلات الحديد والصلب التي تنوي الشركة تشييدها: «سيكون هذا أكثر الموانئ أمنا في كل العالم».

ويطلق محللو الطاقة على الناقلات الضخمة اسم «المكسب الجديد» في مسرح الطاقة العالمي. وقد استوردت اليابان وغيرها من الدول المفتقرة إلى الموارد الطبيعية عددا من هذه الناقلات الضخمة. وما التوسع الأميركي سوى جزء من التوسع العالمي. فهناك على الأقل 55 ناقلة للغاز الطبيعي السائل، يجري بناؤها حاليا على نطاق العالم، مما سيزيد الأسطول العالمي منها بنسبة الثلث ليصل عدده إلى 200 ناقلة.

والغاز الطبيعي سائل غير سام ذو قابلية عالية للضغط، يبرد ليصل إلى 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر، وينقل عن طريق الأنابيب من الناقلة إلى الشاحنات على الشاطئ. ثم يجري تسخينه بعد ذلك فيتمدد بمقدار 600 مرة قياسا بحجمه السابق، ثم ينقل عن طريق الأنابيب إلى المنازل والمصانع. ويقول خبراء الغاز الطبيعي السائل ان أكبر المخاطر هو تسرب الغاز المجمد المضغوط إلى المياه أثناء هجوم إرهابي، ثم اشتعاله بعد ذلك. وقال جيري هيفنز، المهندس الكيماوي والمدير السابق لمركز أبحاث المخاطر الكيماوية بجامعة أركنسو: «لو أن واحدة فقط من الحاويات الخمس على متن السفينة الحاملة للغاز الطبيعي انفجرت، فإن النار التي تشعلها سيكون محيطها نصف ميل. ويمكن للحريق أن يصل الناس على بعد نصف ميل من حافة النار».

وقد شارك الدكتور هافنز في صياغة المقاييس الفيدرالية لتقدير حجم كثافة النيران المنبعثة من ناقلات الغاز الطبيعي السائل في حالة انفجار إحداها. واجرى جيمس جاي، البروفسور بمعهد مساشوسيتس للتقنية، المتخصص في مجال الهندسة الميكانيكية، والذي يسميه البعض مؤلف نظرية مخاطر ناقلات الغاز، دراسة خاصة حول مخاطر انفجار حاوية واحدة في ميناء بوسطن، وجاءت استنتاجاته متطابقة مع ما توصل إليه هافنز. ويقول البروفسور جيمس جاي: «إحدى الطرق لتصور هذه المسألة هي التالية: الطاقة التي ستحترق في مدة خمس دقائق نتيجة انفجار حاوية واحدة، هي نفسها التي ستحترق لو أن كل مصانع الطاقة الأحفورية في الولايات المتحدة عملت بطاقتها القصوى لمدة خمس دقائق. وستكون المسألة أكبر بخمس مرات لو أن السفينة انفجرت كلها».

لكن الاهتمام من قبل العامة لا ينحصر في الخطر الإرهابي. وتقول كاسي غالاواي، من مجموعة «جوال باي ووتش» انه مع أن أحد الموانئ المقترحة في جوال ستكون على بعد أقل من ميل واحد من المدينة، إلا أن هم السكان المحليين الاساسي هو اثر هذا الميناء على الاقتصاد المحلي. وتضيف «نحن لدينا قناة واحدة وقد رست سفينتنا الأولى هنا قبل وقت قصير. صناعتنا تعتمد أساسا على الثروة البحرية. وإذا أغلقنا الساحل امام الصيد والاستجمام، حتى لا تفجر هذه السفن، فإن هذه ستكون كارثة حقيقية». ومن الحلول الممكنة وضع موانئ الناقلات في عرض البحر. ويوجد مثل هذا الميناء حاليا قريبا من ساحل لويزيانا. ولكن تكلفة التشييد أكثر بسبع مرات من التكلفة العادية على الشاطئ.

ومع تزايد الجدل حول مواقع الموانئ، تحركت وزارة الطاقة وذراعها الرقابي، «اللجنة الفيدرالية لرقابة الطاقة»، لتؤكد أنها الجهة الوحيدة التي من حقها أن توافق على المواقع الجديدة للموانئ سواء شاءت سلطات الولايات ولجان المواطنين أم أبت. وقد ردت اللجنة الفيدرالية لرقابة الطاقة بعنف على النشطاء ولجان الرقابة التابعة للولاية الذين قالوا ان الولاية هي التي تحدد موقع الميناء المزمع إقامته بلونغ بيتش. وستستأنف لجنة المرافق العامة التابعة لولاية كاليفورنيا الأمر الذي أصدرته اللجنة الفيدرالية لمراقبة الطاقة، باسم «أمر إعلاني بتأكيد الحقوق الحصرية» والذي صدر من 17 صفحة الأسبوع الماضي.

ويقول المعارضون ان موقع لونغ بيتش يزيد عن الميل بقليل من مراكز يصل معدل السكان فيها 9300 شخص للميل المربع، وفي واحد من أكبر الموانئ الوطنية الذي ينساب عبرها نصف الواردات الأميركية. أي أن تفجير مثل هذا الميناء سيكون بمثابة الكارثة لكل الاقتصاد الأميركي. ويقول براي ميوان، أحد الناشطين المحليين: «سيكون قريبا من الأحياء السكنية لا محالة. ولكننا نعتمد على الأسباب الاقتصادية وحدها فنقول إنه سيكون هدفا إرهابيا اساسيا».

وقال متحدث باسم الوكالة الفيدرالية لمراقبة الطاقة ان مخاوف الجمهور حول منشأة لونغ بيتش ستؤخذ في الاعتبار، وذلك في إطار التقييم الشامل للاثر البيئي للميناء. وفي بوسطن ما يزال القلق ينتاب رئيس قسم المطافئ بول كرستيان، من حقيقة أن شاحنة حجمها يعادل مساحة ثلاثة ملاعب لكرة القدم، تدخل كل اسبوع إلى ميناء المدينة مارة بوسطها المزدحم بالسكان.

والإجراءات الأمنية أشد إحكاما حاليا، إذ أن حركة المرور أغلقت امام السفن العادية، بينما تنطلق كل لحظة قوارب السلطات الأمنية بطنينها العالي مصاحبة الناقلة في رحلتها المحفوفة بالأخطار. ولكن رئيس شعبة الإطفاء لا يستطيع كتمان شعوره بالغثيان كلما رأى واحدة من هذه الناقلات، وهو يفكر فيما يمكن أن يحدث إذا تسرب الغاز واشتعل. وهو يقول: «لا أريد أن أفكر في هذا الأمر. ولكن هذه مهمتي في الواقع».

وهناك ثلاث دراسات تجري حاليا حول مخاطر الناقلات الضخمة للغاز السائل. وتشرف على إحداها الوكالة الفيدرالية لرقابة الطاقة، والثانية بإشراف وزارة الطاقة، والثالثة بواسطة الإدارة القومية لشؤون البحار والمناخ. ومن المتوقع أن تسد دراسة الوكالة الفيدرالية لمراقبة الطاقة كثيرا من الثغرات في الدراسات السابقة حول القضايا الأمنية. ولكن أحد المتحدثين باسم الوكالة قال ان بعض أجزاء الدراسة لن تعلن لأسباب أمنية.

والسؤال الآن هو: ما هو موقف وزارة الأمن الداخلي من كل هذا؟

هذا السؤال طرحه النائب الديمقراطي عن ولاية مساتشوسيتس إدوارد ماركي، الذي يقع ميناء إيفريت داخل دائرته. وقد أرسل ماركي رسالة يوم 23 مارس (آذار) إلى وزير الأمن الداخلي توم ريدج، يسأله إذا كانت الشعبة « خصصت موظفين لمراجعة هذه الدراسات «وما إذا كانت الوكالة تعمل مع أية وكالات مختصة أخرى لتعزيز الوضع الأمني». وما يزال ماركي ينتظر الإجابة على اسئلته.

* خدمة: «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»