الجزائريون انتخبوا رئيسهم رغم عرقلة التصويت في 22 بلدية بمنطقة القبائل

TT

صوت الجزائريون امس في ثالث اقتراع رئاسي تعددي تعرفه البلاد وسط توقعات كبيرة بفوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتسجيل نسبة مشاركة عالية رغم بعض العراقيل التي شهدتها منطقة القبائل.

وقد فتح اكثر من 39 الف مركز انتخابي امام الناخبين من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء. وسجلت نسبة مشاركة قوية، اذ بعد ساعة ونصف الساعة من بداية الاقتراع قالت وزارة الداخلية ان نسبة المشاركة بلغت 18.44 في المائة، وهي نسبة لا تضاهيها إلا تلك التي سجلت في انتخابات الرئاسة عام 1995.

الا ان نسبة المشاركة كانت اقل نسبياً امس في منطقة القبائل التي دعا فيها احد جناحي تنسيقية العروش الى مقاطعة الانتخابات. ففي ولاية بجاية (250 كلم شرق العاصمة)، عاصمة القبائل الصغرى، جرى حرق نحو 20 مركزاً انتخابياً ولم تجر عمليات الاقتراع في 22 بلدية من اصل 52 في الولاية بعد قيام عشرات الشبان المحتجين بتحطيم وحرق صناديق الاقتراع. وقالت مصادر موثوقة ان رجال الأمن وجدوا صعوبة كبيرة في نقل صناديق الانتخاب من مقرات الدوائر الادارية، الى مكاتب التصويت، حيث اصطدموا في 16 بلدية بموجة غاضبة من الداعين لمقاطعة الانتخابات. وفي ست بلديات اخرى بقيت الصناديق داخل الدوائر بسبب الجو المتوتر في الخارج.

وكانت تنسيقية العروش التي تؤطر الاحتجاج القبائلي ضد السلطة، منذ ثلاث سنوات، قد دعت سكان المنطقة الى مقاطعة الانتخابات وهددت بعرقلة سير عمليات الاقتراع مثلما فعلت في الانتخابات التشريعية السابقة في مايو (أيار) 2002. وقد استعادت ولاية بجاية هدوءها مساء امس، وسجلت فيها نسبة مشاركة ضعيفة، حسبما افادت مصادر مطلعة.

وقد صوت المرشحون الستة في هذه الانتخابات في توقيت واحد تقريبا. فقد ادلى عبد العزيز بوتفليقة المترشح لفترة رئاسية ثانية، بصوته في حي الابيار في اعالي العاصمة رفقة شقيقه ومستشاره الخاص سعيد بوتفليقة. ورفض الرئيس الإدلاء بأي تصريح لعدد كبير من الصحافيين المحليين والأجانب كانوا ينتظرونه عند خروجه من مكتب الاقتراع. وانتخب علي بن فليس امين عام جبهة التحرير الوطني، حزب الاغلبية البرلمانية، في حي حيدرة الراقي وكان مصحوبا بابنتيه وساعده الايمن عبد القادر صلاة. وقال بن فليس للصحافيين، بعد الادلاء بصوته: «اذا ابتعدت ارادة التزوير عن اصوات الشعب، فانا واثق بان الجزائريين يريدون تغيير رئيس الجمهورية». واتّهم بوتفليقة بـ«التحضير للتزوير منذ شهور»، معتبراً نفسه الأحق بأصوات الناخبين «لأنني رجل التغيير وهم يريدون التغيير».

ودخل مرشح حركة الاصلاح الوطني ذات التوجه الاسلامي عبد الله جاب الله مكتب الانتخاب في درارية، بإحدى ضواحي العاصمة، بعد دقائق على فتحه، وقال للصحافيين انه يتمنى ان تكون هذه الانتخابات نزيهة وحرة «حتى تمارس الأمة حقها في اختيار رئيسها». وعبر عن اقتناعه بان الصندوق سيفرزه ناجحا «لأنني لاحظت تجاوبا كبيرا للمواطنين مع تجمعاتي خلال حملة الانتخابات». وانتخبت مرشحة حزب العمال لويزة حنون في مدرسة «الأمومة» ببلدية الجزائر الوسطى، رفقة اعضاء من طاقمها الانتخابي، وذكرت للصحافة بأنها فخورة لكونها اول امرأة جزائرية تترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وترى حنون ان هذه الانتخابات مصيرية وغير عادية، وستكون كما قالت، خطوة عملاقة على طريق تكريس الديمقراطية والتعددية السياسية. من جانبه، اقترع مرشح التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي في شارع ديدوش مراد، احد ابرز شوارع العاصمة الجزائرية، وكان مرفوقا بزوجته، وقال للصحافيين ان المواطنين مطالبون بالتصويت بقوة «لان لكل صوت ثقله في الميزان». أما مرشح حزب «عهد 54» علي فوزي رباعين، فقد انتخب في شارع الملك محمد الخامس، احد اهم شوارع العاصمة، وذكر بعد التصويت، ان الانتخاب سيكون فرصة لعودة السلم الى الجزائر، وأضاف: «اليوم هو يوم فرحة».

ومنذ الصباح الباكر امس، لوحظ في شوارع العاصمة الجزائرية، خروج الجزائريين زرافات ووحدانا متوجهين الى مراكز الانتخاب.

وتحدثت «الشرق الأوسط» الى شاب في حي باب الواد الشعبي، حول موضوع الانتخابات، فقال ان الجيل الذي ينتمي اليه لا تهمه الصراعات داخل السلطة، وإنما يهمه ان يجد مناصب شغل ويتوفر الماء في الحنفيات، والفرصة للتداوي في المستشفيات. وذكرت امرأة متقدمة في السن نسبيا، كانت بالقرب من دار الصحافة بساحة اول مايو انها تريد «ان تعود الجزائر الي عصرها الذهبي، عهد الرئيس الراحل هواري بومدين»، معتبرة ان بوتفليقة هو الأقدر على تحقيق أمنيتها.

وظلت وزارة الداخلية طوال نهار امس تحث المواطنين على الانتخاب، وعلى التوجه الى مقرات البلديات لسحب بطاقة الانتخاب لمن لم يحصل عليها مسبقاً. وقالت الوزارة في بيان انه يمكن للمواطنين الانتخاب ببطاقة التعريف الوطنية او رخصة السياقة او جواز السفر، و«المهم ان يدلي المواطن بصوته».

وجرت الانتخابات الرئاسية امس في ظل وجود قانون جديد للانتخاب يمنع قوات الجيش وعناصر الشرطة من الاقتراع في «المراكز الخاصة»، وإنما في المراكز العادية مع المواطنين. كذلك، تعهدت المؤسسة العسكرية بالحياد مؤكدة عدم تأييدها لأي مرشح ولا وقوفها ضد اي متنافس. وقالت خليدة تومي وزيرة الاتصال والثقافة ان «انسحاب الجيش تماما من الساحة السياسية كان دائما شرطا مسبقا لترسيخ الديمقراطية» في الجزائر «ولم يكن هذا ممكنا بسبب اراقة الدماء طوال العقد الماضي». وأضافت: «أقول بافتخار انه يمكننا تحقيق الديمقراطية على أرض اسلامية، من العثمانيين الى الاحتلال الفرنسي و30 عاما من حكم الحزب الواحد ثم عشر سنوات من الارهاب الوحشي.. هذا كله يعني ان الديمقراطية لا تتحقق بين عشية وضحاها».

ونقلت وكالة رويترز عن دبلوماسيين غربيين في العاصمة الجزائرية قولهم انه رغم اتهامات المعارضة والحملة على الصحافة المستقلة في الاشهر الاخيرة، فان هذه الحملة الانتخابية تعتبر نزيهة نسبيا وقريبة من المعايير الغربية.