محلات بيع الكتب المستعملة في السعودية مصانع لتدوير المعرفة وتشجيع القراءة

الزوار: أدولف هتلر وصدام حسين يقفان على مسافة كتاب من ويليام شكسبير ونجيب محفوظ

TT

في العاصمة السعودية، تتناثر محلات تجارية صغيرة تعمل في بيع وشراء الكتب المستعملة، وخاصة على جانبي طريق مكة المكرمة ـ الذي يقسم الرياض إلى شمال وجنوب ـ وتستهدف تلك المحلات طلاب الجامعات والكليات والمدارس في المقام الأول، ثم طلاب العلم الشرعي في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ثم تتجه إلى بقية أطياف القرّاء الآخرين، وهذا التوجه موثقٌ في لوحة التعريف الخارجية لمعظم تلك المحلات، فيما تبدو الصورة من الداخل، أرففاٌ تكسو الجدران حتى السقف، وأرضيه فُرشت معظمها بكتب ودوريات على شكل كتل وطبقات، وممرات ضيقة لا تتسع إلا لعبور شخصٍ واحد، وأمام باب الدخول والخروج، وخلف أكوام من مجلدات أمهات الكتب، يتوارى عامل ـ غالباً ما يكون وافداً من دولة عربية أو آسيوية ـ منهمك في تواصله مع كومبيوتر البيع، حتى لا يخرج كتاب أو يدخل إلا بعد تمريره على الكمبيوتر ليسجل له رقما خاصا وسعرا محددا.

المعتصم بالله أحمد سوداني يبلغ من العمر 36 عاماً، يعمل في محل لبيع الكتب المستعملة منذ خمسة أعوام، يعتقد أن «فكرة محلات بيع الكتب المستعملة نبعت من داخل الوسط التعليمي، لا سيما التعليم العالي، من خلال عرض بعض الطلاب الخريجين بيع كتبهم العلمية عبر الإعلان عنها في المرافق التعليمية والسكنية والتجارية داخل الجامعات، ولحاجة الطالب للعديد من المراجع العلمية الأساسية في تخصصه، وخاصة تخصصات العلوم الطبية والهندسة والعلوم الطبيعية والكمبيوتر، إضافة لطلب بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات من طلابهم شراء أكثر من مرجع علمي مصاحب للمرجع الرئيس، ولاختلاف الإمكانات المالية للطلاب الجامعيين، فإن ميزانية بعض الطلاب لا تحتمل شراء أكثر من مرجع علمي لكل مادة، فكان التوجه لشراء الكتب المستعملة هو الحل الاقتصادي الأمثل، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يكون أكثر الزائرين من الطلاب».

غير أن واقع ترتيب محلات بيع الكتب المستعملة من الداخل يدل على عكس ذلك تماماً، حيث يبدو التأثير الواضح للنظرة السائدة لعادات القراءة في المجتمع السعودي، والتي تفترض تركز القراءة في إطار الشؤون الدينية والعلوم الشرعية، من خلال اقتناء الكتب الفقهية والعقائدية وعلوم الحديث النبوي والقرآن الكريم والتفسير، لذلك فهي تتصدر معظم محلات بيع الكتب المستعملة، تليها كتب اللغة العربية والتاريخ والأدب، ثم الكتب التعليمية والتثقيفية المتنوعة.

ويقول ناصر السهلي، 31 عاماً، أحد زوار محلات بيع الكتب المستعملة، ويعمل معلماً «هنا فقط يقف أدولف هتلر وصدام حسين على مسافة كتاب من ويليام شكسبير ونجيب محفوظ، وهنا أيضاً تجد الكتب الممنوعة والقديمة، وتجد الرواية فاخرة الطباعة إلى جانب سلاسل روايات الجيب الخيالية، ولأن أهمية الكتاب تكمن فيما بين دفتيه من محتوى فكري وإبداعي; فلا مجال هنا للنظر إلى نوع طباعته أو مستوى تصميمه أو رقم طبعته أو نظافته، على الرغم من أهمية ذلك لجعل القراءة أكثر سهولة ومتعة، إلا أن ارتفاع أسعار الكتب الجديدة يحول دون التمتع بمثل هذه المزايا، في ظل عدم توفر طبعات شعبية تساهم في توفير الغذاء الوحيد للعقل».

ويلمس الزائر لبعض محلات بيع الكتاب المستعمل حالة الكتب المتدرجة بين جديد وقديم، وبين كتبٍ كاملة وأخرى ناقصة، وبين كتاب سليم وآخر منزوع أو ممزق الصفحات، وبين كتبٍ ذات طباعة فاخرة وأخرى شعبية الطبعة، فيما تعد الصفحات الأولى والأخيرة مفكرات خاصة تسطر فيها عبارات عديدة متنوعة، فبعض أصحاب الكتب يوثقون زمان ومكان شراء الكتاب مع كتابة كنيتهم أو أسمائهم والدعاء لأنفسهم وأهليهم بالرحمة، وبعضهم الآخر يتتبع الأخطاء المطبعية ويصححها، وآخرون يعلقون على بعض أفكار الكتاب، فيما يعمد بعض القرّاء لتسطير أمنياتهم أو محاولاتهم الشعرية أو ما يفضلونه من أمثال شعبية أو حكم عالمية، ولا تخلو معظم الكتب التعليمية من حساب الدرجات المتوقعة ودعوات طلب التوفيق والنجاح في الامتحانات من الله.

مهند عسيري، 22 عاماً، طالب جامعي يقول «مع أنني أتجول في محلات بيع الكتب المستعملة لجلب مراجع علمية في العلوم الطبية وعلوم الكيمياء الحيوية بناء على طلبات أعضاء هيئة التدريس التي ليس لها نهاية، إلا أنني أشتري بعض الكتب الأدبية لكتاب محليين وعالميين، حتى أكسر روتين قراءتي العلمية المحددة في الإطار الطبي، وأتعجب عندما أجد كتباً أدبية ذات شهرة عالمية تباع بثمن بخس، وفي حالة جيدة جداً». وعن رأيه في هذه المحلات يقول «محلات بيع الكتب المستعملة تشبه في نشاطها «أكشاك» بيع الكتب والصحف المنتشرة في بعض البلدان العربية، إلا أن الاختلاف يكمن في أن هذه المحلات لبيع الكتب المستعملة في السعودية لا تبيع الصحف أو الكتب ذات الطبعات الشعبية، وتعد هذه المحلات مصانع لتدوير الكتب في المجتمع، كشكل من أشكال تشجيع القراءة».

وتتم تغذية هذه المحلات بالكتب المستعملة من خلال شراء الكتب من الطلاب الجامعيين أو من عامة الناس الذين يعرضون بعض كتبهم للبيع، أوعن طريق شراء بعض الكتب ذات الطباعة الشعبية أو القديمة من بعض البلدان العربية المجاورة مثل سورية أو مصر، ومن خلال بعض الكتب المتكدسة في الموانئ والتي تخلى عنها أصحابها.