عملية إعادة الإعمار مهددة بسبب استمرار التدهور الأمني

TT

انطلقت قافلة من الحافلات الزرقاء والبيضاء يصل عددها الى 20 حاملة مجموعة من عمال النفط الاوكرانيين والروس من بغداد يوم الخميس الماضي، وهي اول مجموعة من 800 عامل طلبت موسكو منهم مغادرة العراق. ولا يزال آلاف من العمال الاجانب يعملون في مجالات الكهرباء وخطوط الانابيب والطرق والمباني في العراق. ولكن وتائر اعادة الاعمار تتباطأ، وفي بعض الحالات توقفت.

فقد ادى انتشار عمليات الاختطاف في العراق الى ارهاب الجاليات الاجنبية. والصحافيون غادروا المنازل التي يعيشون فيها الى فنادق محصنة، والمقاولون بدأوا يستأجرون مجموعات جديدة من رجال الامن، والجميع تقريبا يحدون من نشاطاتهم. كما توقف العديد من المقاولين الذين يشعرون بالقلق من السفر والترحال في الاسابيع الاخيرة.

ويهدد الانهيار السريع في الوضع الامني البرنامج، الذي بمقتضاه يمكن للولايات المتحدة انفاق اموال اعادة التعمير. وكان مبلغ 18.4 مليار دولار الذي خصصته الولايات المتحدة في العام الماضي وتأخر انفاقه بسبب عمليات التعاقد المطولة قد بدأ يتدفق تدريجيا، وكان من المتوقع ان يطفح مع حلول يوليو (تموز) القادم.

وتعتبر سلطة التحالف في العراق عمليات الانفاق ركيزة اساسية للاستقرار. وتأمل في ان تؤدي عمليات خلق وظائف جديدة في دولة تصل فيها معدلات البطالة الى 50 % الى المساعدة في تقليص عدد المتمردين المحتملين.

ولكن مع وصول العنف الى اعلى مستويات له منذ بداية الحرب، ازداد القلق من ان رسم خط مستقيم بين خلق الوظائف والوضع الامني قد ازداد صعوبة.

وقال الكابتن بروس كول المتحدث باسم مكتب برنامج الادارة التابع لسلطة التحالف ان «العنف ربما يحد من حركتنا، وربما يجعل العمل اكثر تكلفة، ولكننا لن نسمح له بمنعنا من الاستمرار».

واضاف المتحدث باسم المكتب الذي يشرف على انفاق الاموال الاميركية في العراق «اذا سمحنا لأنفسنا بالتوقف فإننا سنخسر افضل وسيلة لنا لتحسين الموقف الامني».

غير ان استخدام هذه الوسيلة يزداد صعوبة. فالقتال مع المتمردين السنة في الفلوجة والمواجهة مع «جيش المهدي» الموالي لمقتدى الصدر في النجف، زادا من مشاعر العداء للاجانب. فقد قتل 50 عاملا هذا الشهر، واختطف 40 اجنبيا على الاقل، وإن كان قد تم الافراج عن 20 منهم، من بينهم 3 من اليابانيين سلموا الى لجنة من رجال الدين المسلمين.

وفي الوقت ذاته ازداد التوتر في بغداد يوم الخميس الماضي بعدما وزعت منشورات من «قوات المجاهدين»، هددت بشن هجمات في المدينة في 23 الشهر الحالي. وحذرت المنشورات المحلات التجارية والمدارس بضرورة غلق ابوابها.

وقد بدا تأثير هذا المناخ واضحا في بغداد يوم الخميس عندما اتجه بعض العمال من روسيا ومن الجمهوريات السوفياتية السابقة الى مطار بغداد. وقد جاء قرار المغادرة بعد اختطاف 5 اوكرانيين وثلاثة روس لفترة قصيرة.

وفي الاسابيع الاخيرة فقدت شركات مثل «كي بي ار»، وهي من فروع هاليبورتون، تشرف على عقود قيمتها مليارات الدولارات في العراق، العديد من العمال الاميركيين الذين يخشون السير في الشوارع الخطرة، على الرغم من ان المسؤولين في سلطات التحالف قالوا انه لم تحدث أية اضطرابات في عمليات تقديم الخدمات او التشييد. ويوجد لهاليبورتون اكثر من عشرين الف عامل في الكويت والعراق طبقا لعقود يمكن ان تصل قيمتها الى 15 مليار دولار.

كما غادر العديد من المنظمات غير الحكومية بغداد، وإن كان معظمهم قد اعلن أن ذلك سيكون لفترة مؤقتة. وبالاضافة الى الاجانب فإن العراقيين الذين يعملون مع قوات التحالف تعرضوا لتهديدات او لهجمات منذ شهور. ففي قاعدة النعمانية بالقرب من مدينة الكوت توقف نصف العاملين المحليين، وعددهم 2000 يشاركون في بناء القاعدة في عقد قيمته 65 مليون دولار تابع لشركة «ايرث تيك» عن العمل بسبب الاضطرابات الاخيرة في البلاد.

وكان من المتوقع ان يصبح الشهر الحالي هو الشهر الذي تنطلق فيه عملية اعادة الاعمار. ففي نهاية الشهر الماضي، ذكر اندي بيربارك رئيس جهود اعادة الاعمار في سلطة التحالف انه تم الانتهاء من معظم الاعمال الاساسية لعقود اعادة الاعمار، وتوقع ان يشهد العراق زيادة كبيرة في عمليات البناء والوظائف الجديدة وتدفق الاموال على الاقتصاد.

وبدلا من ذلك ادى القتال في الفلوجة الواقعة على الطريق الرئيسي الغربي المتجه الى الاردن الى خفض الحركة على طرق الشاحنات الرئيسية. وبدأت الشركات في انفاق المزيد من اموالها على الامن.

وذكر كول ان الولايات المتحدة تتوقع ان تصل تكلفة الامن إلى 10 % من تكلفة عمليات الاعمار في العراق، أي 1.2 مليار دولار. وذكرت بعض شركات الامن الخاصة ان مرتبات العاملين ستزداد. وفي الوقت الراهن تحاول الولايات المتحدة التركيز على خلق الوظائف. فجماعات مثل «جيش المهدي» تعتمد اعتمادا كبيرا على الشباب العاطلين. وقال كول ان 5 مليارات دولار ستتوفر بحلول اول يوليو (تموز) القادم، مما سيؤدي الى خلق 50 الف وظيفة جديدة في العراق، ولكن المكتب يدرس وسائل كفيلة بزيادة هذا المعدل.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)