مستشارة وزارة النقل السعودية: التعليم راهنا أهم .. و«المرأة» ليست مشكلة يجب حلها

د. باهرمز لـ«الشرق الأوسط»: مناهجنا تركز على دور المرأة نحو الرجل ولا تذكر العكس * يوجد تغيير ملحوظ تجاه المرأة لكنه غير مدروس و«صوري»

TT

عندما نتأمل من حولنا بعض التجارب الإنسانية فإننا نشعر بما بين السطور من نبض قد لا نسمعه وإنما يملأنا بالحياة، وفي هذا الحوار ناقشنا المستشارة غير المتفرغة في وزارة النقل والمواصلات السعودية الدكتورة أسماء باهرمز الاستاذة المشاركة بجامعة الملك عبد العزيز، التي ساهمت في تأسيس كلية دار الحكمة الأهلية للبنات بجدة، وتولت عمادتها لفترة من الوقت، وحصلت أخيرا على درجة «زمالة الجمعية البريطانية لبحوث العمليات»، إذ كانت بمنتهى الشفافية عندما طرحنا عليها أسئلة مكشوفة بلا أغطية تناقش الوضع الاجتماعي الذي يخص المرأة السعودية في الكثير من القضايا.. التعليم ومجلس الشورى والحوار الوطني والإعلام وقيادة المرأة للسيارة. وفي كل ذلك ترفض باهرمز أن تعامل المرأة كمشكلة أو «شيء» ينبغي حله، بل تخشى على المرأة من طفرة هي أشد من الطفرة الاقتصادية التي أصابت المجتمع ليجني حصادها فشلا وتفككا وبطالة، فكان هذا الحوار:

* حصلت على الدكتوراه في بحوث العمليات من الكلية الملكية للعلوم والتقنية والطب في جامعة لندن وهو تخصص دقيق ضمن علوم هندسة النظم. لكن علم الهندسة غير معترف به في المجتمع لفتاة سعودية الآن. فلماذا اختيار هذا المجال ومنذ فترة؟ ـ هناك احتياج كبير لهذا التخصص، فمثلا قسم إدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز في جدة يحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاث أخريات، وكذلك قسم الإحصاء في كلية العلوم، ويزداد الاحتياج لو أردنا فتح المجال أمام المرأة للمشاركة في الصناعة.

ولا أعلم ما المقصود بعبارة غير معترف به؟ قد تكون هناك أعراف. ولكن تلك الأعراف يجب أن لا تقيد تفكيرنا وتمنعنا من إعادة النظر والأخذ بما هو أكثر واقعية للعصر الذي نعيشه. وقد نكون تأثرنا بأعراف أخذناها عن ثقافة الغرب، فحتى وقت قريب يوجد اعتقاد لدى الغرب بأن الفتيات لا يحسن دراسة الرياضيات وما يتبعها من العلوم التطبيقية. بينما مثل هذا الاعتقاد غير موجود أصلا في ثقافتنا. وقد كان اختياري لمجال الهندسة من باب المصادفة، حيث ابتعثت لتحضير الدكتوراه في مجال إدارة الأفراد، وتضمنت دراستي مادة بحوث العمليات «علم صناعة القرار»، فوجدت ضالتي، حيث استشعرت من أول محاضرة حضرتها أن في هذا العلم نتعلم المنهجية لحل كثير من مشاكلنا القرارية، التي تتعلق بسياسة وضع الأولويات وتوزيع الموارد بأسلوب فعال يخدم الغايات والأهداف المرغوبة. وأردت التعمق في دراسة مادة بحوث العمليات فقيل لي اذهبي إلى كلية الهندسة. وأجدني اليوم أكثر نفعاً لبلادي وسددت ثغرة في الكوادر التي تحتاجها الجامعة التي أعمل فيها. وأخيراً دعوني أهمس بأن العبرة ليست في التخصص الذي ندرسه ولكن في كيفية تسخيره لخدمة المجتمع الذي نعيش فيه. إذا حقق الفرد منا ذلك لقي قبولا وترحيبا من مجتمعه.

* الحوار الوطني الثاني شاركت فيه المرأة السعودية بمعدل عشر نساء.. وتعتبر مشاركتها الأولى بعد تهميش كبير لدورها، في رأيك لماذا الآن تم الاعتراف بشرعية نقاشها وإشراكها بالحوار؟

ـ المرأة المسلمة لم تهمش قط، ولكن هكذا شاء البعض أن يقتنع. ألم تسمعي عن قصص بعض رجالنا الناجحين الذين يعزون سر نجاحهم إلى حرصهم على استشارة نسائهم، فلا يعقدون أمراً قبل الأخذ برأي زوجة أو أم أو أخت حكيمة، وإن لم تحمل شهادة علمية. وحتى لا أذكر شخصيات حاضرة وهي كثيرة ما رأيك برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وهو يستشير زوجته خديجة بنت خويلد، وعبد الله بن الزبير وهو يستشير والدته ذات النطاقين؟! وما نلاحظه الآن أن هناك تسليطا للضوء على أنشطتها مقرونا بتسهيلات ملحوظة كنوع من رد الفعل للاتهام الموجه إلينا بغياب المرأة عن الساحة. أرجو ألا يشغلنا هذا الأمر حتى يصبح هو غايتنا.

* الحوار الوطني الثالث سيناقش قضايا المرأة والتعليم، فما الذي يمكن توقعه؟ وهل يمكن أن يكون باب سد الذرائع الذي يقف أمام المرأة في كثير من الضروريات موضوعا للنقاش الجاد؟

ـ كان بودي أن يركز الحوار على قضايا التعليم فقط فهو أحد مشاكلنا الكبرى في الوقت الحالي وهو يعني المرأة والرجل. أما عن باب سد الذرائع فأترك الإجابة للمتخصصين ممن هم أكثر مني معرفة وعلماَ.

* رغم أنك امرأة إلا أنك تؤجلين نقاش قضايا المرأة في الحوار المنتظر.. أتجدينها لهذه الدرجة ليست في حاجة لحل مشاكلها في المجتمع؟ ثم ألا ترين أنه لو حلت مشاكل المرأة لكان التعليم في أحسن حال؟

ـ لا أؤجل قضايا المرأة بل أرفض أن تعامل المرأة كـ«شيء» أو مشكلة يجب حلها. لم أسمع قط عن قضايا الرجل هل من تفسير لذلك؟ المرأة والرجل مخلوقان يكمل كل منهما الآخر، يتعاونان معا في تكوين مجتمع مستقر نفسيا وراق خلقياً وليسا ضدين كل ينافس الآخر ويحاول انتزاع المزيد من الصلاحيات لنفسه. من الذي جعل من المرأة مشكلة ومعاناة؟ إنه جهل المرأة وجهل الرجل معاَ، وبعد كل منهما عن مفهوم الإسلام لابعاد العلاقة بين الاثنين. نحن بحاجة الى غرس احترام كل من المرأة والرجل للآخر وغرس موضوع تعاونهما في تحمل المسؤوليات وأداء الواجبات، وهذا يتم عن طريق تضمين ذلك مناهجنا التعليمية وممارسة الأسرة لذلك. كما أن كتبنا ومناهجنا ومحاضراتنا كلها تركز على دور المرأة ومسؤلياتها نحو الرجل، ولا أذكر أني قرأت كماً مناظرا حول أهمية حسن معاملة الرجل لأهل بيته أو احترامه للمرأة بغض النظر عن قرابتها له. لذلك أرى أن التركيز على التعليم كفيل بإيجاد أرض خصبة لتعايش المرأة والرجل ويكون كل منهما سكناً ومرجعاً للآخر.

* بدأت مشاركة المرأة السعودية تلقى ترحيبا في الساحة الإعلامية.. لكن سؤالي هل نلمح من الواقع المعاش في الفترة الحالية تغييرات لوضع المرأة السعودية في المجتمع؟ وما رأيك بالتيار المعارض لها؟

ـ هناك تغير ملحوظ ولكنه غير مدروس وهو تغيير مرتجل وصوري فقط لم تستفد منه المرأة في مختلف مستوياتها الاجتماعية، كما أنه قوبل بالرفض والمعارضة من البعض، وأجد المعارضة ظاهرة صحية تصحيحية وترجمة فعلية لمبدأ قبول الرأي الآخر والحوار الذي ينادي الجميع به.

* ماذا عن مجلس الشورى.. هل يمكن أن تكون عضوا جادا به أم ستظل ضيفة متى ما تمت دعوتها لتشارك فقط في حدود ضيقة؟ ـ نعم، من المهم مشاركة المرأة بالرأي في كل مجالات الحياة، والمبادرات الجادة لا يرفضها عاقل سواء كان مصدرها امرأة أو رجلا، سواء كان عضواً في المجلس أو خارجه.

* تولت الدكتورة ثريا عبيد وهي امرأة سعودية أكبر منصب تتولاه امرأة عربية.. فأين سنرى المرأة السعودية في المقاعد السياسية التي تتناسب مع الداخل؟

ـ هناك أمور داخلية تتعلق بالأسرة يجب أن تأخذ الأولويات، وعموماً نتيجة تركيز الإعلام على المرأة أخشى أن تتعرض لطفرة لا يعلم عواقبها إلا الله وحده، قد تكون أشد من سلبيات الطفرة الاقتصادية التي عشناها في الثمانينات وها نحن نحتسي سلبياتها بطالة وكسلا وفراغا فكريا، إذ ركزنا على حضارة حجرية وأهملنا اعداد البشر للاستفادة من تلك الحضارة بصورة فعالة. وهنا أخشى أن يكون استمرارا لتلك الطفرة أن ندفع بالمرأة إلى الشارع فيخرب البيت والشارع معاَ. لا بد من التأني ووضع الأولويات بطريقة علمية مدروسة، ولا يعنيني كثيرا أن يكون لها مقعد سياسي أم لا، ما يعنيني أن أرى إنجازا ينعكس إيجابا على فكر المجتمع وسلوكياته. هناك الكثير من المجالات الاجتماعية التي تحتاج وتنتظر مساهمة المرأة لتوعية وتحسين أوضاع بنات جنسها على مختلف المستويات ولنبدأ من القاعدة. إنها مسألة أولويات. ولعل في تكوين الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ومشاركة المرأة فيها وتركيزها على قضايا الأسرة ترجمة لتلك الأولويات، وبذلك فإنها تمثل فرصة ذهبية لعطاء المرأة ومساهمتها، وإني أتوقع لهذه الجمعية تأثيراً اجتماعيا ايجابيا إذا ما فعلت بطريقة سليمة وموضوعية.

* انت مستشارة غير متفرغة في وزارة النقل والمواصلات، كيف تم ترشيحك لهذا المنصب؟

ـ باختصار شديد قدمت دراسة لامارة منطقة مكة المكرمة تتعلق بمشكلة النقل الجماعي في مدينة جدة تم عرضها على المسؤولين في وزارة النقل وتبع ذلك ترشيحي للعمل مستشارة غير متفرغة، وهنا اسمحي لي أن أقول اني لا أشغل منصباَ ولكن خدمة فكرية أقدمها للوزارة.

* أذكر مقولتك (لا أؤمن بالحلول السريعة فهي أشبه بحبات البندول) في رأيك هل أصبحنا مستعدين كمجتمع في التفكير بالحلول طويلة المدى خاصة أن الطفرة قلبتنا رأسا على عقب؟

ـ إن لم نكن مستعدين بعد فعلينا البدء بالاستعداد والتنفيذ فلا وقت للتردد. وحقيقة نحن ما نزال نفتقر إلى التخطيط الشامل ومعظم ما هو حادث لا يعدو أن يكون ردود فعل مرتجلة. ولنفحص موضوع التوسع في ايجاد فرص عمل للمرأة ألا ترين أنه يجب أن يرافق ذلك تغيير جذري في أنظمة التوظيف والتوسع في الخدمات المساندة كالنقل العام وخدمات الحضانات وغيرها. وقبل ذلك كله تغيير نظرة الرجل الى دوره في الأسرة الذي يجب أن يتجاوز دور الممول للأسرة فقط. ثم من سيحل مكان الأم في البيت لرعاية الصغار هل سيستمر الحال على ما هو عليه الآن من احلال الخادمة مكان الأم؟ اذن لم أفعل شيئا، أحللت أمرأة مكان أخرى في البيت مع اختلاف في النوعية، مما سيؤدي بالضرورة الى اضرار بحق الطفل. وأكاد أرى في الأفق من سيقوم بالمناداة بحقوق الطفل وحمايته من أبويه المشغولين في التنمية الاقتصادية، هذا اذا سلمنا جدلا بأن مجرد عمل المرأة خارج البيت سيحقق تلك التنمية؟ لا بد أن نوازن بين المردود الاقتصادي على الدولة نتيجة خروج المرأة للعمل وتفرغها لتنشئة صغارها. الدول الغربية أدركت ذلك والتزمت بدفع راتب للمرأة نظير تفرغها لتربية أولادها. المرأة تساهم في التنمية بالعمل خارج منزلها في حالة عدم إنجابها أطفالاً أو عندما يكبرون وتتفرغ لتكوين الأسرة حينما تكون في مرحلة الإنجاب. لم أر في دول العالم أجمع ما هو حاصل لدينا من اسناد مهمة التربية للخادمات وشكوانا من عطالة المرأة ودفعها للعمل لساعات طويلة وبأجر زهيد هي أصلاَ ليست بحاجة له لو أعادت وزوجها ترتيب أولوياتهما في الصرف.

* المرأة ترى انها مهضومة الحق في كل بلاد العالم كونها الكائن الأضعف من الرجل.. لكن لماذا بوصلة النقد تتجه نحو المملكة العربية السعودية من دون غيرها؟

ـ لأن إعلامنا أعطى ذلك النقد اهتماماَ أكثر من حجمه. وهل تعتقدين أن الغرباء قادرون على إنصاف المرأة من أبيها وأخيها وزوجها، من السخف قبول ذلك. حتى إن سلمنا جدلا بأن هناك بعض التجاوزات من بعض رجالنا ففي الأغلب الأعم هي اختلاف وجهات نظر وحادثة في معظم المجتمعات.

ثم ألا ترين أن هذه الدول التي تطالب بإنصاف المرأة في السعودية أخذت تناقض نفسها وتتدخل في شؤون الآخرين وهو خرق واضح لاستقلالية الشعوب والدول، ومن الذي نصبها رمزا للعدالة؟ عليها أن تبدأ بإنصاف نسائها قبل التدخل في شؤوننا. لمعلوماتك عدد النساء الغربيات اللواتي يعتنقن الإسلام يفوق عدد الرجال لما يجدن في ظلاله من عدل وتكريم لهن يفوق ما تمنحه لهن الأنظمة الموضوعة التي ظاهرها النعمة وباطنها النقمة.

* كتاب (صناعة القرار للقادة) الذي يتحدث عن منهجية منطقية في عملية صناعة القرار والذي قمت بترجمته.. لماذا هذا الكتاب بالذات؟

ـ الكتاب يتحدث عن منهجية منطقية في عملية صناعة القرار حين تتضمن قراراتنا عدة أهداف متعارضة وتندر المعلومات الدقيقة المساعدة أو يتعذر علينا قياس بعض معاييرنا لكونها تتعلق بأمور عاطفية أو إنسانية بحتة. فكيف تقيسين أهمية علاج المريض وأولوية الانفاق عليه؟ هل تعطين أولوية لعلاج الطفل على الشخص المسن؟ سؤال من الصعب قياسه بلغة المال! وأخيراً أيهما أولى باهتمامنا أن نتابع مسيرتنا في تطوير وتحسين أوضاعنا أم نهدر جهودنا محاولين طمس هويتنا في سبيل إرضاء الآخرين فقط؟ إن المنهجية التي يتعرض لها الكتاب تعد فتحا علميا في عالم صناعة القرار وتتفق مع الفطرة البشرية في التفكير ولكن يخضعها المؤلف إلى عملية تنظيمية علمية تقوم على علم الرياضيات بدون أن يربك المستخدم للمنهجية بالتوغل في الرياضيات. الكتاب يعد مرجعاً علمياً مبسطاً والخطوة الأولى لتعلم صناعة القرار.