المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون ظلوا حتى الساعات الأخيرة يتفاوضون حول الصياغة الأقل اثارة للاحتجاجات في بيان بوش

TT

اجتمع وفد المفاوضات الإسرائيلي يوم الأحد الماضي، في غرفة بأحد الفنادق، مع عضوين من مجلس الأمن القومي الأميركي ودبلوماسي كبير من وزارة الخارجية الأميركية. وكان منتظرا وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في غضون 24 ساعة الى واشنطن في زيارة يأمل فيها موافقة الرئيس جورج بوش على خطته للانسحاب الانفرادي من قطاع غزة، ولكن الطرفين كانا يتنازعان حول الكلمات المناسبة التي يمكن أن تثير أقل قدر من الاحتجاجات. ولم يكن قطاع غزة هو موضوع النزاع، بل كانت المستوطنات الإسرائيلية وقضية اللاجئين.

واستمر الاجتماع لعدة ساعات، وحاول المجتمعون أن يهتدوا إلى صياغة تلقى الدعم الذي يتطلع إليه شارون، وتشعر بوش بالارتياح وهو يقدم ذلك الدعم. وبما ان بوش كان ميالا إلى خطة شارون، وعارفا بأن الأخير سينفذها شاء هو أم أبى، فقد خرج على السياسة الأميركية المرعية منذ عقود ليساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي في مساعيه. وقال بوش وهو يقف إلى جانب شارون في البيت الأبيض، ان إسرائيل يمكنها ان تحتفظ ببعض أراضي الضفة الغربية التي احتلتها في حرب عام 1967. كما قال ان اللاجئين الفلسطينيين عليهم ألا يتوقعوا العودة إلى ديارهم في إسرائيل مرة أخرى. وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض امس الأول: «إن تبديد المحظورات والتعبير عن حقيقة الأوضاع كما هي، تعد في نظرنا، مساهمة في إرساء السلام. وحمل الناس على مواجهة الحقيقة في هذا الوضع يساعد عملية السلام ولا يضرها».

وكانت المفاوضات التي أدت إلى إعلانات الاربعاء، قد بدأت المسألة باجتماع سري عقد في روما في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث دعا شارون المستشار الرئاسي إليوت أبرامز دون أن يشرح له الأسباب. وعندها طرح شارون خطته الأولية لسحب القوات الإسرائيلية مع 7500 مستوطن من قطاع غزة. وبعد شهر من ذلك الاجتماع أعلن شارون عن خطته المزمعة في خطاب في منتدى بهرتسيليا. وبعد ذلك أخذ يمارس الضغوط على مبعوثي بوش لتأييده في هذه الخطوة الجريئة والمثيرة للجدل. وقال مسؤول إسرائيلي كبير اول من أمس: «كنا نحتاج إلى بعض الضمانات بالنسبة للقضايا الأكثر أهمية مثل، القضايا الوجودية بالنسبة إلينا: وهي قضية اللاجئين وقضية الحدود النهائية، أي الحدود القابلة للدفاع عنها».

وقال شارون للاميركيين أنه لا يتوقع نيل التأييد السياسي الذي يحتاجه بدون دعم من بوش. وكان يخشى بصورة خاصة هجوما مضادا من قبل حركة المستوطنين القوية ومن بعض أطراف تحالفه الحاكم.

وبحث المبعوثون الأميركيون عددا كبيرا من القضايا مع الإسرائيليين، بما فيها مسار الجدار الذي تشيده إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية، فضلا عن قضية الانسحاب من غزة. وقال أحد كبار المفاوضين من الإدارة: «ظللنا نفكر في ما قال شارون أنه يحتاج إليه من زاويته الخاصة.. واستخدام ذلك للتقدم على الطريق. وكنا نوجه إليهم اسئلة كثيرة وبصورة مفتوحة، أي أننا كنا نفكر بصوت عال، وهم أيضا كانوا يفكرون بصوت عال».

وكان وفد ثلاثي قد سافر ثلاث مرات إلى إسرائيل للقاء مع شارون ورئيس ديوانه دوف فايسغلاس هم: نائب مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، ومساعد وزير الخارجية وليام بيرنز، وأبرامز. من جانبه سجل فايسغلاس زيارتين إلى واشنطن. وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض وهو يتحدث عن شارون: «السؤال هو كيف يستطيع أن يدفعها (أي مبادرته) إلى الأمام. كنا نريد أن نساعده على دفعها إلى الأمام لأننا توصلنا الى قناعة أن هذه الخطوة يمكن أن تدفع عملية السلام إلى الأمام» بتمكين الفلسطينيين من السيطرة على غزة. وأوضح الإسرائيليون بمنتهى الجلاء أن انسحابهم من غزة اجراء من طرف واحد. ومع أن الفلسطينيين لم يستشاروا إلا أن الأميركيين قالوا انهم نقلوا الاعتراضات العربية والفلسطينية إلى الإسرائيليين.

وكان أحد مخاوف الأميركيين، بناء على شهادة أحد المسؤولين الأميركيين، هو أن يسحب شارون قواته ويزيل المستوطنات في غزة، مع ضم كل الضفة الغربية. ومن الناحية الأخرى خشي آخرون من أن ينسحب شارون من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية مع إعلان أن هذه نتيجة نهائية، دون انتظار موافقة الفلسطينيين، مما يخل بأحد شروط «خريطة الطريق» التي تدعمها الولايات المتحدة.

وضغط المبعوثون الأميركيون على الإسرائيليين حتى ينفذوا انسحابا كاملا من غزة، في الوقت الذي كان الإسرائيليون يودون فيه الاحتفاظ بثلاث مستوطنات هناك. وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير اول من أمس: «أعدنا النظر في الأمر وقررنا ان ننسحب منها جميعا».

وقال الأميركيون كذلك للإسرائيليين ان على شارون أن يعلن بوضوح أن إسرائيل لا تنوي السيطرة على كل الضفة الغربية. وكان فريق بوش يأمل أن يحصل على قول أو فعل يكون سابقة لانسحابات إسرائيلية لاحقة في المستقبل، من هذه المناطق المتنازع عليها.

وبالنسبة لوضع الضفة الغربية والتي يسكنها حاليا حوالي 200 ألف مستوطن، كان شارون يسعى إلى نيل تأييد الولايات المتحدة لخطته لجعل بعض المستوطنات دائمة الوجود. أما بالنسبة لللاجئين فكان يريد أن يوضح لناخبيه أن الفلسطينيين او أبناءهم لن يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم مرة أخرى. وكان هناك جدل حام داخل الإدارة حول المدى المسموح به من التنازلات وحذرت وزارة الخارجية من الذهاب بعيدا مع شارون. واتفق الفريق الأميركي الذي شمل كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، وكولن باول وزير الخارجية، على صيغة تشير إلى ضرورة « الاعتراف بالوقائع الديمغرافية» الجديدة، مع ترك مسألة الحدود للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومع اقتراب زيارة شارون كان المفاوضون الإسرائيليون حريصين على ألا يكون حجم التنازلات أقل مما يطالبون به. وأستغل فايسغلاس، والسفير الإسرائيلي دانيال أيلون واثنان من زملائهما طائرة تجارية وطاروا إلى واشنطن. وعند منتصف يوم عيد الفصح، كانوا يتفاوضون داخل فندق هاي ـ أدامز مع هادلي وأبرامز وديفيد ساترفيلد، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية. واستمر اجتماعهم حتى العاشرة مساء. وفي الساعة 11 مساء اتصل فايسغلاس بباول لإبلاغه ببعض مشاكل الصياغة. وقد أكد له باول أنهم سيبحثون عن مخرج ما. وهو التعهد الذي قال شارون انه أقنعه بمواصلة رحلته. وقد تمكن المفاوضون من ردم الهوة. وقال الدبلوماسي الإسرائيلي: « كنا نبحث عن رؤية واضحة للقضيتين الوجوديتين بالنسبة لنا: اللاجئين والحدود. وكان سهلا عليهم أن يقدموا أشياء وصياغات موغلة في الغموض، بينما كنا نبحث عن أشياء بالغة في الوضوح. وما توصلنا إليه كان حلا وسطا بين هذا وذاك».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»