المحللون الاستخباراتيون يعتبرون التسجيل الأخير لابن لادن «منعطفا مدهشا» في الحرب النفسية التي يشنها على أميركا

TT

قال خبراء مكافحة الإرهاب ومسؤولو الاستخبارات إن الحرب النفسية التي شنها أسامة بن لادن ضد الولايات المتحدة، دخلت منعطفا مدهشا اول من امس بإذاعة شريط صوتي، ذي خطاب حديث، وتكتيكي، بل يكاد أن يكون دبلوماسيا في نغمته، ويخاطب الأوروبيين بدلا عن الأتباع المخلصين. ويقول المحللون الذين حللوا شرائطه الصوتية والمرئية السابقة، إن بن لادن عندما يفعل ذلك فإنما يستخدم سلاحا فعالا من أسلحة الحرب النفسية: آلية دعائية مرنة تتفهم طبيعة الديمقراطيات الغربية، وتحاول استغلال المعارضة السياسية وتعرف كيف تنشر رسالتها على نطاق العالم من دون أن يتعرض صاحبها للقبض او المداهمة.

ويعتبر هذا الشريط الاحدث في سلسلة من المواد المسجلة التي ظل يرسلها بن لادن إلى القنوات العربية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ويعلن الشريط عن «هدنة مع الدول الأوروبية التي لا تهاجم بلاد المسلمين ولا تتدخل في شؤونهم»، لكن القادة الأوروبيين سرعان ما رفضوا العرض. والتاريخ القريب للرسالة يمثل منعطفا جديدا من بن لادن، فهو يشير إلى اغتيال إسرائيل يوم 22 مارس (آذار)، للشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، كما يشير إلى « مليارات الدولارات من الأرباح» التي جنتها من العراق شركة هالبيرتون وغيرها من الشركات. وقد وصف أصحاب تلك الشركات بأنهم قوم « من ذوي المصالح الشخصية الضيقة الخانعين لعصابة البيت الأبيض».

وقال مسؤول في أقسام مكافحة الإرهاب لا يريد الكشف عن هويته:«من الواضح أنه يتابع الأخبار ويستفيد...» من الحوار الدائر في أوروبا حول الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في العراق. وقال إن بن لادن يتابع الأيام والشهور، فانقضاء فترة الـ 90 يوما التي حددها للاستجابة إلى شروطه، تتزامن تقريبا مع الموعد الذي حددته الولايات المتحدة لتسليم السلطة إلى العراقيين. واضاف المسؤول: «مع أنه لم يعبر في الماضي عن أي استعداد لإعطاء أي شخص فرصة أخرى، إلا أن خطابه جاء هذه المرة بقسمات أكثر لينا ولطفا».

ويقول خبراء مكافحة الإرهاب إن هذا التأقلم مع الأحداث واحد من مميزات بن لادن وهو إجراء هام في الحفاظ على وحدة المنظمات الإرهابية في وقت تشتد فيه هجمات الأجهزة الأمنية الأميركية وغيرها على هذه المنظمات. وقال ونستون وايلي، المدير السابق لقسم التحليلات ومركز مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات الأميركية: «الإرهاب بصورة عامة يمثل عمليات سيكولوجية، والدمار النفسي الذي يحدثه أكبر من الدمار المادي، إن هذا كله جزء من حملته لتدمير الولايات المتحدة».

وقد قضى محللو بن لادن بوكالة الاستخبارات المركزية وخبراء مكافحة الإرهاب محليا وعالميا، نهار امس وهم يفحصون كل كلمة وكل حرف، وكانوا يبحثون عن أية أدلة يمكن أن يجدوها ضمنا في العبارات، مما يمكن أن يشير إلى حالته النفسية أو المادية، أو وضعه المالي أو البشري أو اللوجستي، أو اية كلمة شفرية يمكن أن تشير إلى قرب موعد عملية إرهابية يجري التخطيط لها حاليا. وقال مسؤول عن مكافحة الإرهاب في أوروبا: «ربما تكون هذه رسالة للخلايا النائمة في أوروبا لتستيقظ وتنتبه».

وجاءت الرسالة مختلفة تماما عن الرسائل السابقة، فهو لم يستشهد بالآيات القرآنية على سبيل المثال، ولكن خبراء الاستخبارات الأميركية قالوا إنهم استندوا في الحكم الى صحة الشريط على التحليل الفني الذي يقيس نغمات الصوت وغيرها ويقارنها بخصائص صوتية محفوظة لديهم.

انتبه بن لادن وغيره من قادة القاعدة إلى قيمة قنوات التوصيل الجيدة. وكانت بين لجان «القاعدة» الاربع العاملة قبل 11 سبتمبر واحدة باسم «الإعلام ووسائل الإعلام»، كما جاء في كتاب «داخل القاعدة» الذي ألفه روان غوناراتنا. وكان من ضمن مهام هذه اللجنة التعرف على الثقافة والسياسة الغربيتين، خاصة أن عددا من أعضائها درسوا في الغرب، كما كان من مهامها كذلك كتابة الأحاديث التي ترعب الغربيين والعلمانيين العرب، إضافة إلى نيل تأييد المسلمين والحصول على مجندين جدد. وكانت للشبكة ايضا موارد ومقدرات على طبع وتحرير وتوزيع شرائط سمعية بصرية، اتسمت عادة بدرجة عالية من الجودة، خاصة بالنسبة لمنظمة محظورة، تعمل تحت الأرض. وقال خبير مكافحة الإرهاب بروس هوفمان، الذي وصف «القاعدة» بأنها ممتازة في جانبها الإعلامي الاستراتيجي «كل شرائطه منظمة بصورة جيدة ومنسقة». وربما يكون بن لادن قد بالغ كثيرا عندما طلب الانسحاب مقابل الهدنة. وقد قال خبير آخر في مكافحة الإرهاب: «انها تشارف درجة السخف».

ويقول خبراء مكافحة الإرهاب الأميركيون إنه مع أن الشريط عرض على القادة الأوروبيين سحب قواتهم مقابل الهدنة، إلا أن المخاطب الحقيقي ربما يكون الرأي العام الأوروبي. ويشير بن لادن إلى المظاهرات في أوروبا باعتبارها «رد فعل إيجابي»، كما يشير إلى «استطلاعات الرأي التي توضح أن أغلبية الأوروبيين تريد السلام». ولكن القوى التي يهددها بن لادن بقيت كما هي: الولايات المتحدة، إسرائيل، اليهود وحلفاؤهم الذين يعدهم جميعا بأنهم سيدفعون الثمن. وقال بن لادن إن حوادث تفجير الطائرات الشهر الماضي في مدريد وما تبع تلك الهجمات من تغيير في اتجاهات الرأي العام في الانتخابات العامة، «هي بضاعتكم ردت إليكم، وقد لحقنا الظلم ولحقكم، من قبل سياسييكم، الذين يرسلون أبناءكم، وعلى غير إرادتكم، إلى أراضينا ليقتلوا ويقتلوا».

إن أساس هذا التهديد يمكن العثور عليه في كتاب ظهر في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، من تأليف أيمن الظواهري، الرجل الثاني في منظمة بن لادن. وقد كتب الظواهري ذلك الكتاب أثناء فترة هربه من القوات الأميركية في الجبال الواقعة على الحدود الأفغانية الباكستانية. فقد قال الظواهري إن «الجهاديين يجب ألا يهاجموا القوات المسلحة الأميركية التي قامت بغزو أفغانستان، بل يجب عليهم أن يضربوا الأميركيين واليهود الموجودين في بلداننا» وهو يقصد بهم الدول العلمانية التي جاء منها بعض المجاهدين، مثل تركيا وباكستان ومصر وتونس والمغرب. وقال خبراء مكافحة الإرهاب إن هدف الظواهري هو تعبئة جماهير المسلمين. وقد وجهت رسالة أمس الأول إلى مجتمعات محلية، هي المجتمعات الأوروبية هذه المرة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»