«هيئة الإنصاف والمصالحة» المغربية تتلقى 20 ألف ملف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان

TT

يبحث اعضاء «هيئة الإنصاف والمصالحة» المغربية، التي شكلت آخيرا بهدف طي ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، صيغة لفتح جلساتها للعموم ووسائل الإعلام، حتى يتمكنوا للمرة الأولى في تاريخ البلاد، من متابعة تفاصيل حول اعترافات وشهادات تتعلق بعمليات الاعتقال السياسي والاختطافات التي شهدها المغرب في العقود الماضية.

ورغم ان الهيئة لم تتوصل بعد الى صيغة نهائية لعقد جلسات الشهادات والإعترافات، فإن مسؤولي الهيئة مصممون على إنجاز هذه العملية التي وصفها ادريس بن زكري، رئيس الهيئة بـ«الأساسية» في سبيل طي صفحة الماضي المؤلم وفتح صفحة جديدة، موضحا ان «الشعب المغربي لا ينبغي ان يهرب من ماضيه ولكن لا ينبغي ان يكون سجينا لسلبيات ذلك الماضي».

واعلن بن زكري مساء اول من امس في مؤتمر صحافي عقده في الرباط، ان الهيئة تلقت حتى الآن ما يناهز 20 ألف ملف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وأنها منكبة على دراستها وتصنيفها واستخراج معطياتها، وأن لديها ما يكفي من العزم والتصميم والإرادة للمضي حتى النهاية.

واكد بن زكري ان الهيئة ستعمل خلال المدة الزمنية المتاحة لها أي سنة ابتداء من شهر ابريل (نيسان) الحالي، لإنهاء كافة الملفات التي ستعرض عليها، مبرزا انه ليس لدى اعضاء الهيئة أية رغبة بإطالة أمد هذا الملف الذي يثير «حساسيات».

ويعتقد اعضاء هيئة الإنصاف ان الجلسات المفتوحة ستشكل سابقة في تاريخ البلاد، وستمكن من تسليط الأضواء على صفحات «مؤلمة» من تاريخ المغرب الحديث، بيد ان تحقيقها لن «يكون سهلا» كما أشار الى ذلك بن زكري، الذي اضاف انها تتطلب اعدادا جيدا ودراسة دقيقة لآثارها وانعكاساتها النفسية والسياسية على مسار الانتقال السياسي والديمقراطي بالبلاد.

من جهته ، قال الشاعر والمعتقل السياسي السابق، صلاح الوديع، عضو هيئة الإنصاف والمصالحة لـ«الشرق الأوسط» ان الجلسات المفتوحة أسلوب سيحقق أدوارا متعددة من ضمنها الكشف العلني عن أصناف من الانتهاكات التي وقعت، واسماع صوت الضحية الذي سيتمكن من تبليغ آلامه ومعاناته وتوضيح ابعاد الاضرار التي لحقت به في روحه وجسده وفي أسرته ومسار حياته بشكل عام.

وفي رأي الوديع فإن «حساسية هذه الجلسات تفترض اعدادا محكما حتى تفي بالغرض المنتظر منها، وحتى يصبح النموذج الذي تقدمه الجلسات للمجتمع نموذجا تربويا ايجابيا، يبرز ما يتعين أن يكون وما لا ينبغي ان يكون، أي ان تجارب معاناة الضحية لن تكون مجرد تجربة شخصية معزولة، بقدر ما تقدم عبرا ودروسا ونموذجا تربويا للمجتمع بأسره».

ولاحظ الوديع ان تقاليد كتمان الألم في الذات العربية والإسلامية تؤكد صعوبة انجاز مثل هذه الجلسات التي تطمح «هيئة الإنصاف والمصالحة» لتنظيمها، معتبرا ان تحديات البناء الديمقراطي تتطلب الإقدام بجرأة وتبصر وحكمة على مثل هذه الخطوات التي سيكون لها أثر ايجابي من خلال ابراز قوة النموذج المعاكس الذي تقدمه للمجتمع، والذي سيظهر السبيل لتفادي تكرار ما وقع في الماضي واستبعاد الظلم والاضطهاد والتعذيب من المجتمع، مشيرا الى ان تنظيم جلسات الاعترافات والشهادات تقتضي ايضا عدم الوقوع في التعرض أو المساس بسمعة أو أعراض أشخاص من دون موجب حق».

وفي سياق ذلك، اكد بن زكري ان أولويات الهيئة تتمثل في تحديد الضحايا والأشخاص المفقودين الذين لم تحدد وضعيتهم والقيام بأبحاث لتحديد أسباب ما وقع والوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها ورفع توصيات ومقترحات لضمان عدم تكرار ما حدث.

وتم تقسيم عمل الهيئة الى ثلاث فرق عمل كلفت أولاها بالتحريات، والثانية بجبر الضرر، والثالثة بالأبحاث والدراسات.

واكد بن زكري ان عمل الهيئة سيتوجه الى مختلف الأطراف المعنية أو المسؤولة عن ملف الانتهاكات الجسيمة منذ تاريخ استقلال البلاد حتى سنة 1999 تاريخ اعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس اثر توليه حكم المغرب تشكيل هيئة مستقلة لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة.

وقامت الهيئة خلال الأعوام الثلاثة الماضية بتعويض مئات الأشخاص عن الاضرار التي لحقت بهم جراء الاختطاف أو الاعتقال السياسي أو التعذيب. وشكل قرار العاهل المغربي بداية العام الحالي احداث «هيئة الانصاف والمصالحة»، التي يرأسها الحقوقي والمعتقل السابق، ادريس بن زكري، خطوة حاسمة في اتجاه طي صفحة الانتهاكات الجسيمة بشكل نهائي، من خلال مقاربة شاملة لهذا الملف ستمكن من كشف الحقائق وجبر ضرر الضحايا معنويا وماديا ورد الإعتبار لهم، واصدار توصيات لجهة عدم تكرار ما حدث في الماضي.