حملة «الاغتيالات المنظمة» تطال خمسة أكاديميين كل شهر

TT

حتى في عهد صدام حسين، كان سعد جواد صريحا. فقد كان، أستاذ العلوم السياسية المهذب، واحدا من 4 اشخاص تجرؤا على توقيع نداء يطالبون فيه من ديكتاتور العراق بالمزيد من الديمقراطية. وحتى اليوم فان الدكتور جواد لا يزال يتحدث بصراحة. ولكن مثل غيره من أساتذة الجامعات في العراق يخشى كثيرا من قول ما يفكر فيه او التصريح بأي شيء له علاقة بالسياسة على الاطلاق خوفا من القتل.

وقال «في الحقيقة، كنا في عهد صدام حسين نتحدث بصراحة الى طلابنا. وكان الوزراء يتعرضون لانتقادات انذاك. ولكن الآن، الكثير من الناس لا يرغبون في قول مثل هذه الاشياء خوفا».

وفي خلال العام الماضي، تعرضت الانتلجنسيا العراقية الى موجة من القتل: فقد قتل عدد من العلماء والأساتذة والاكاديميين في عمليات اغتيال منظمة.

ومن الصعب تقدير عدد الضحايا، غير ان سلطات الاحتلال الأميركية تقدر عدد «المثقفين» الذين تم اغتيالهم بخمسة في الشهر الواحد، وليدخل في الحساب ما بين خمس الى عشر محاولات شهريا.

وطبقا لبعض التقديرات فقد قتل حوالي 40 من كبار العلماء وأساتذة الجامعات منذ شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي. وذكرت الشرطة العراقية ان ألفا من المثقفين العراقيين ربما لقوا حتفهم في العام الماضي، ولكن مثل هذه الارقام الكبيرة مشكوك فيها، لا سيما مع انتشار الشائعات. فقد تبين ان أستاذ الرياضيات الذي ذكرت المصادر الاعلامية المحلية انه قتل، على قيد الحياة.

ولكن بغض النظر عن الرقم، فهناك ضحية مؤكدة: حرية الكلام في ساحات الجامعات العراقية، حيث خلق القتل مناخا من الخوف لدرجة ان العديد من الأساتذة رفضوا الحديث عن الموضوع، بل وحتى الاعتراف بوجود مشكلة. وقال جواد «ان ذلك يحد من حرية الحديث، وهو السبب في وجود اشخاص في لندن وباريس ودول الخليج يتحدثون عن الشؤون السياسية العراقية اكثر من اشخاص في العراق». وقد ادت عمليات القتل الى تأثير آخر: هجرة العقول. فقبل عدة اشهر تلقى زميل لجواد تهديدا بالقتل. ومثل هذه التهديدات عادية في بغداد هذه الايام، ولكن صديق جواد لم ينتظر لمعرفة ما اذا كانت صادقة ام لا. ونقل الامر الى وزير التعليم العالي ورئيس الجامعة، وقالا له لا يوجد ما يمكن ان يفعلاه. وفر من البلاد.

وقال الدكتور اسماعيل محمود محمد عيسى مساعد عميد الطلبة في جامعة المستنصرية «لقد اغتالوا الافضل. هذا هو السبب وراء ترك العديد من العلماء للبلاد».

ويقول صلاح عليوي، عميد كلية العلوم بالجامعة المستنصرية، انه من المحتمل ان يقتل هؤلاء كل عقل في هذا البلد ويعتقد ان دورهم آت، وهو اعتقاد له اسبابه. فقد بدأت الاغتيالات بسلفه فلاح حسين في مايو (ايار) 2003. ويقول عليوي ان حسين كان يجلس في نفس الكرسي الذي يجلس عليه هو الآن، ولا يدرى أحد حتى الآن السبب في اغتيال حسين.

* خدمة «كريستيان سايانس مونيتور» ـ («الشرق الاوسط») جاء بعد ذلك دور الدكتور محمد الراوي، مدير جامعة بغداد، في 27 يوليو (تموز) الماضي. وعقب اغتيال عدد من العلماء والمهندسين البارزين ساد اعتقاد وسط أساتذة الجامعات عبروا عنه في مجالسهم الخاصة يتلخص في ان اسرائيل او وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وراء عمليات الاغتيال هذه بهدف منع العلماء العراقيين من إعادة البرنامج النووي العراقي. كما يعتقد البعض ان ايران او تركيا او سورية وراء هذه الاغتيالات لنفس الاسباب. ويلقي بعض آخر بالمسؤولية على حزب البعث على اعتبار انه يحاول إسكات العلماء الذين يعرفون الكثير عن اسلحة الدمار الشامل العراقية خلال حقبة صدام حسين. يقول عليوي ان ثمة عملا متعمدا وراء اغتيال العلماء لكنه لا يعرف سببا لذلك، لكنه يشير الى احتمال ان تكون الجهات التي تقف وراء الاغتيال تحاول منع العراقيين من التعلم. وفي اوخر يناير (كانون الثاني) الماضي جرى اغتيال البروفيسور عبد اللطيف المياح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية. وكان المياح قد ظهر قبل اغتياله بيوم في مقابلة اجرتها معه قناة «الجزيرة»، وتحدث المياح، المعروف بنشاطه في مجال حقوق الانسان والديمقراطية، حول ضرورة إجراء الانتخابات بنهاية 30 يونيو المقبل، وهو اليوم المقرر لنقل السلطة الى العراقيين. ولكن بعد اقل من 24 ساعة على ظهوره في المقابلة التلفزيونية المذكورة اغتيل المياح وهو في طريقه الى الجامعة. ويعتبر اغتيال المياح لدى الكثير من العراقيين بمثابة تحذير على الامتناع عن الحديث حول القضايا المثيرة للجدل. ويقول الدكتور رياض عزيز هادي، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد، انه يعرف المياح كرجل هادئ ومسالم وأمين، لكنه صاحب نشاط سياسي وكان يتحدث الى السياسيين من وقت الى آخر، كما قال انه كان يدلي برأيه حول كل شيء متى ما طلب منه ذلك. شأنه شأن غيره من أساتذة الجامعات، يرفض الدكتور هادي اجراء أي لقاء مع قنوات التلفزيون الناطقة باللغة العربية، وعندما سئل عن السبب في ذلك رد قائلا انهم باتوا يتمتعون الآن بحرية التعبير ولكن «الأمن غير متوفر».

* خدمة «كريستيان سايانس مونيتور» ـ («الشرق الاوسط»)