ملثمون ودعوات للجهاد وموسيقى راب وحسناوات ودعوات للانتحار في شارع أبوحمزة المصري

أبوحمزة لـ «الشرق الاوسط» : حتى لو فتحوا المسجد سأصلي الجمعة في الشارع لأن تحرير المنابر أهم من تحرير المساجد

TT

بينما كان المؤذن الملثم بكوفية حمراء تغطي وجهه يستعد لرفع الأذان لصلاة الجمعة الـ60 في الشارع أمام مسجد فنسيري بارك الذي يؤمه الأصولي المصري أبوحمزة منذ يناير (كانون الثاني) 2003، كانت هتافات مجموعة يمينية متطرفة جديدة اسمها «التحالف البريطاني» تتعالى بشعارات «رويال بريطانيا» و«بريطانيا الملكية تحكم الأمواج»، وهي الهتافات التي كان يطلقها البحارة في العهد الاستعماري، بالاضافة الى «اطردوا صاحب الخطاف اطردوه اطردوه»، في اشارة الى الأصولي المصري الذي فقد يديه في أفغانستان أثناء مرحلة الجهاد ضد الروس. وقبل ان يصل الأصولي المصري الى الشارع الذي بات يعرف باسمه من كثرة تردد مصوري ومراسلي أجهزة الاعلام عليه كل يوم جمعة، كان الوجود الأمني من قبل شرطة اسكتلنديارد يتزايد على جنبات الشارع حفاظا على الأمن خوفا من حدوث احتكاك بين اليمنيين البريطانيين والملثمين من عناصر جماعة «انصار الشريعة» التي يتزعمها الاصولي المصري. وعلى مقربة من مكان الصلاة كان هناك اقبال من المصلين وآخرين على شراء كتب ومؤلفات واشرطة ابوحمزة منها «حكم الله في الارض»، و«الخوارج والجهاد»، و«قانون الله». والمشهد العام أشبه بـ«سوق عكاظ»، ايات جهادية ودعوات للانتحار تتردد وعلى الجانب الاخر شعارات يمينية تتردد بقوة تدعو الى طرد ابوحمزة، وتقول تلك الشعارات «هوكي اوت.. هوكي أوت» أي «اطردوا صاحب الخطاف». ومن شقة قريبة كان الإيقاع السريع لموسيقى «الراب» يصدح قبل الصلاة في الشارع الذي افترش فيه الاسلاميون الحصر والسجاجيد الخضراء والزرقاء استعدادا لوصول ابوحمزة المصري مسؤول منظمة «انصار الشريعة» الذي سحبت لندن جنسيته. وعلى جانبي الطريق كانت فتيات حسناوات بعضهن صحافيات غربيات يراقبن المشهد العام ويسجلن في دفاتر صغيرة ما يقوله الاصولي المصري. وقبل ان ينطلق أبوحمزة الوجه الراديكالي للمسلمين البريطانيين بعمامة طالبان السوداء، في خطبته التي كان عنوانها أمس «ثقافة الاميركان في تعذيب الانسان»، كان أحد الملثمين من حرسه الحديدي يحذر مصوري الصحافة العالمية من التقاط صور قريبة لامام الاصوليين الذي لا يخفي اعجابه بحركة طالبان وكراهيته للولايات المتحدة وإسرائيل. ويتحرك الحارس الملثم في سرعة ونشاط باتجاه ضباط شرطة اسكتلنديارد الذين يقفون على مقربة من المصلين لحراستهم من أي طارئ مفاجئ، ربما اعتداء من عناصر المنظمات اليمينية المتطرفة، يطلب منهم التدخل لمنع المصورين من استخدام فلاشات التصوير، لأنها ستؤثر على تركيز ابوحمزة المصري، وكذلك لمراقبة بعض الشباب الذين يطلون من فوق اسطح بناية مجاورة. ويصر ضباط الشرطة على ان الشارع مكان عام لا يمكن فرض فيه حظر على مصوري الصحافة العالمية، بينما الاصولي الملثم يؤكد اهمية الدعوة للالتزام بالاداب والقواعد الاسلامية في شوارع لندن.

ويضع المصري خطافا مكان يده اليمنى التي قال انها فقدها اثناء محاربة القوات السوفياتية في افغانستان، ونظارة سوداء غالية الثمن فوق عينيه ويتدلى الهاتف الجوال فوق صدره، وهو هاتف رقمه سري لا يعرفه الا محاميته مسز مدثر ارني محامية الاسلاميين ببريطانيا، واقلية من الصحافيين لا يتعدون اربعة او خمسة. وقبل ان أصل الى مسجد ابوحمزة لصلاة الجمعة، كنت قد عرفت من مصادر الشرطة البريطانية الموثوقة ان هناك مظاهرة مناوئة من جماعة اسمها «التحالف البريطاني الجديد»، وهي جماعة جديدة غير معروفة كانت قد حجزت للتظاهر ضد وجود ابوحمزة المصري في لندن. وأشارت المصادر إيضا الى ان يوم الجمعة المقبل ستكون الساحة مفتوحة لعناصر اليمين المتطرف «الناشيونال فرنت» الذين حجزوا للتظاهر ضد الاصولي المصري.

ويقدم ابوحمزة واسمه مصطفى كامل في خطبته مزيدا من الايات الجهادية وهو يصف العراقيين بأنه «شعب اعزل انتحر بين حكم المرتدين والكفار». ويقدم الحل من وجهة نظره بان الاميركيين لا بد ان يخافوا من الله وهو عمل الدعاة او يخافوا من الموت وهو عمل المجاهدين. ويدعو الاصولي المصري الى مجابهة الاميركيين في العراق، بعد ما تكشف عن حالات تعذيب للاسرى العراقيين في سجن ابوغريب بالعاصمة بغداد، ويشير الى ان صور الاسرى العراقيين تكشف عن ان الحراس الاميركيين والبريطانيين اناس توحشوا جنسيا.

ويقول الاصولي المصري ان الرئيس بوش لم يفاجىء بهذه الصور، لأنه اشترط قبل الحرب ان يستثنى جنوده من قوانين جرائم الحرب، وقال ان هذه الصور بمثابة قمة جبل الجليد «والات اشد وأعظم».

وزعم ان ما فعله الاميركيون من خراب وفوضى في العراق خلال اشهر قليلة يفوق ما فعله الرئيس العراقي المخلوع في 35 عاما. وادعى ان الاميركيين اخرجوا العراقيين من دينهم، واخذوا ثرواتهم وخطفوا علماءهم، والهدف هو تقسيم البلد الى دويلات صغيرة، حتى تكون جاهزة لتحقيق الحلم الاسرائيلي.

واستطرد قوله: «لم يضع الله رقبتنا تحت أحذية أحد، ولكننا نحن الذين استجلبنا احذية الاخرين فوق رقابنا»، ونصح الدعاة الا يتناحروا تحت حذاء الكفر. ولم ينس ابوحمزة، الذي كان قد اثار ضجة إعلامية بعد اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، عندما اشاد باسامة بن لادن، ووصفه بانه رجل جيد، معتبرا ان منفذي الاعتداءات «شهداء»، نصيبه من الهجوم في خطبته على اسرائيل التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني في الاراضي العربية المحتلة. واشار الى ان العمليات الانتحارية في العراق هي من فعل «أناس يحبون الله ورسوله»، وزعم «ان الاعمال الجهادية جزء من ثقافة المسلمين الذين يسعون الى الجنة ولقاء ربهم».

وادعى ابوحمزة المصري الذي لا ينفي اعجابه بـ«القاعدة»، رغم انه ليست له بها اية صلات مباشرة: «ان الظلم سيستمر على المسلمين وغيرهم حتى يكون مصيرنا مثل الهنود الحمر». واشار الى المتظاهرين الذين يدعون الى طرده من بريطانيا بقوله «هم مغفلون ونحن مقهورون.. ولا بد من التضحيات». واتهم المجتمع الاميركي بأنه «اباحي مشوه»، ولمح الى ان الذين انتهكوا حقوق الاسرى العراقيين يمارسون الجنس مع الاطفال والحيوانات. واشار الى ان الموت والعمليات الانتحارية هي اللغة الوحيدة التي سيفهمها الغرب في العراق.

* تعذيب الأسرى العراقيين ليس مفاجأة للأصوليين

* وقال ابوحمزة المصري الذي تشتبه الولايات المتحدة في علاقته بشبكة «القاعدة» وقد جمدت لندن اصوله المالية، وتراقبه المخابرات البريطانية عن كثب، ويريد اليمن تسلمه بسبب اتهامات تتعلق بالارهاب ان ما يحدث في العراق من تعذيب للاسرى ليس مفاجأة للاصوليين في بريطانيا. واشار الى ان تاريخ أميركا في فيتنام مشهود بعمليات تعذيب مماثلة ضد الاسرى. وزعم ان الاميركيين كانوا يخصون الهنود الحمر اصحاب البلاد الاصليين، ويستخدمون اكياس الخصية لحفظ التبغ. واشار الى تقرير منظمة العفو الدولية الصادر امس وتحدث عن ممارسات غير اخلاقية ترتكبها القوات الدولية بحق سكان البلاد. واوضح الاصولي المصري واسمه مصطفى كامل، 44 عاما، الذي اعفي من مهامه في جامع فينسبوري بارك بشمال لندن في 4 فبراير (شباط) 2003 الماضي، بعد ان اتهمته السلطات باستغلال مكانته للادلاء بتصريحات سياسية غير ملائمة: «ان الامة الاسلامية يجب ان تتحرر من الضغوط السياسية والاقتصادية حتى لا نكون مثل الهنود الحمر». وعلى البعد تمر فتاة حسناء من صنف «كاسيات عاريات» على بعد عدة امتار من موقف الاصولي المصري، أحسست ان بعض المصلين تسمرت عيونهم بها، وانصرفت اذهانهم لثوان عما يقوله ابوحمزة من آيات تحض على الجهاد في سبيل الله. أما دعاؤه في خطبة الجمعة فلم ينس فيه اليهود والنصارى بقوله: «اللهم عليك باليهود والنصارى ومن ناصرهم، وعليك بالشيوعيين ومن شايعهم، اللهم ادخلنا الجنة بغير حساب واحشرنا في ذمة الابرار».

* تحرير المنابر قبل المساجد

* وتمنى ابوحمزة الذي استجوبته شرطة اسكتلنديارد عام 1999 بناء على طلب اليمن الذي يتهمه بالارتباط بمجموعة اسلامية يمنية متطرفة هي جيش «عدن الاسلامي ـ ابين» ان تتورط اميركا في العراق اكثر واكثر، بالرغم من نزيف الدماء، حتى تأخذ درسا اكبر من فيتنام يحد من نفوذها العالمي. وافاد الاصولي المصري: «لا بد من قول الحق وفي وقته»، واشار الى اصراره على الخطبة في الشارع حتى لو فتحوا مسجد فنسيري بارك بقوله: «المهم تحرير المنابر وليس تحرير المساجد». وقال: «اذا منعت المساجد فالشوارع والحدائق والاشرطة الصوتية والفيديو موجودة».

وبعد صلاة الجمعة تجمع حول الاصولي المصري مراسلي الصحافة العالمية وتركزت الاسئلة على موقفه القانوني من سحب جنسيته البريطانية، وظهور جماعات جديدة تطالب بطرده من بريطانيا، وامكانية مشاركته في مناظرة مع من يرفضون وجوده في بريطانيا.