350 باحثا في مركز الأبحاث والتطوير في أرامكو لضمان مستقبل آمن للبترول

علماء «أرامكو» حصلوا على 25 براءة اختراع عالمية و150 اكتشافا ينتظر التسجيل

TT

على ربوة في الظهران شرق السعودية يصل أكثر من 350 عالماً وباحثاً ينتمون لشركة ارامكو السعودية، وهي واحدة من أكبر شركات النفط العالمية ليلهم بنهارهم من أجل إجراء الأبحاث والتجارب والتحاليل لرفد صناعة النفط وضمان بقاء البترول على المدى البعيد مصدراً حيوياً ورئيسياً مثالياً للطاقة في العالم، والعمل على حل أية مشكلات تشغيلية مصاحبة بهدف تخفيض تكاليف الانتاج، وفتح أسواق جديدة امام هذه السلعة الحيوية وتوسيع مجالات الاستفادة من مشتقات النفط.

وجنباً إلى جنب مع عمليات التنقيب، والحفر، واستخراج البترول، والتوسع في تشييد الآبار، ونقل وفصل الزيت عن الغاز، وعزل الرواسب المتعلقة به، وكذلك عمليات التكرير والنقل والتشغيل، احتاجت الشركة العملاقة التي تنتج يومياً أكثر من ثمانية ملايين برميل لتجعل السعودية في صدارة الدول المصدرة للنفط، واحتاجت إلى فريق ضخم من الباحثين والعلماء القادرين على ابتكار حلول لمشاكل راهنة، أو انتاج تقنيات عالية الجودة لمستقبل هذه الصناعة، وشيئاً فشيئاً أصبح مركز الأبحاث والتطوير التابع لشركة ارامكو السعودية والذي يقع في الظهران واحداً من أهم مراكز الابحاث في مجال البترول في منطقة الشرق الاوسط، كما استطاع هذا المركز أن يقطع شوطاً زمنياً كبيراً في مجال توطين التقنية ورفع الانتاجية وتسجيل حلول مميزة على الصعيد العالمي في مجالات تقنية البترول، وليس من الواضح حجم التكلفة الافتراضية التي وفرها المركز، وحجم النفقات التي اختصرها، لكن التوسع في تقنية الآبار الافقية التشعبية، وكذلك تقنيات الفرز، وتقنيات التآكل ساهم بشكل فاعل وجدي في إيجاد حلول جوهرية لمشكلات التشغيل.

وقد بدأت ارامكو السعودية أخيرا حملة لتحفيز الرغبة في الابتكار وإنتاج الأفكار لدى موظفيها، وفتحت عدداً من القنوات التي يستطيع العاملون وخاصة المهندسون الميدانيون تقديم أفكارهم في مجال ايجاد حلول أو مبتكرات جديدة تساهم في تطوير الكفاءة التشغيلية للشركة.. ووجد الموظفون أنفسهم أمام قوة دفع هائلة لتقديم الأفكار والمقترحات والحلول والابتكارات، حيث تصل عبر خط ساخن الى احد المديرين التنفيذيين بشكل يحفظ حقوق العاملين الفكرية ويساهم في رفد الشركة بآلاف الأفكار والحلول. وفي المنطقة الشرقية التي تعتبر بيئة العمل الخاصة بشركة أرامكو السعودية، ينظر الكثيرون الى مركز الأبحاث والتطوير باعتباره واحداً من الجهات داخل الشركة التي يثقون بأبحاثها خاصة في ما يتعلق بعمليات الإنتاج وحفر الآبار ومد خطوط الأنابيب وتشييد آبار الحقن وخطوط الغاز وإنشاء المعامل.. حيث يصاحب هذه الأعمال التي تقترب من النطاقات السكانية ثقة لعنصر الأمن والسلامة داخل المنشآت وخارجها، باعتبار ان الشركة تنفق كثيراً في مجال الابحاث وفي مجال تطبيق معايير صارمة للسلامة.

وتم إنشاء مرافق مركز الأبحاث والتطوير حسب مواصفات علمية وعالمية عالية الجودة، في خطوة تهدف لتوطين ونقل التقنية وتطويرها، وتتمتع مرافق المركز بمزيد من المرونة والقدرة على إجراء جميع انواع الأبحاث والتكيف لخدمة مختلف التخصصات، وتتيح الاستفادة من العديد من الأساليب والمهارات الفنية والتقنية المتاحة في مجال البحث. ويقع المركز ضمن مرحلته الأولى الذي شرع في تنفيذه عام 1998 على مساحة 12800 متر مربع ويتكون المبنى من 3 طوابق ويضم 186 وحدة مختبرات.

ويضم مركز الأبحاث والتطوير نحو 350 باحثاً يعملون في مشروعات بحثية وعلمية مختلفة، يحمل الكثير منهم درجات علمية متقدمة ويعمل الباحثون في مهام استراتيجية طويلة المدى إلى جانب العمل على إيجاد حلول للمشكلات التشغيلية.

وبرأي رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير ادارييها التنفيذيين عبد الله صالح جمعة، فإن الشركة تتطلع لأن «يوفر مشروع مركز مختبرات البحوث والتطوير بيئة عمل ملائمة بشكل أكبر من ذي قبل لعلماء الشركة ومهندسيها بما يعزز من إطلاق ملكات الابتكار والإبداع لديهم». ويرى جمعة ان «طبيعة حقولنا وحجمنا الهائل كأكبر شركة بترول متكاملة في العالم والتحديات التشغيلية التي تواجهها اعمالنا المختلفة بما لها من خاصية فريدة، تتطلب حلولاً لا تتوفر في أي مكان في العالم.. وفي المركز عدد من العلماء السعوديين العاملين في الشركة من ذوي المستويات المرموقة يصنعون حلولاً فعالة للتحديات التي تواجهها أعمالنا التشغيلية وهؤلاء العلماء لا يعالجون التحديات فقط بل يوفرون حلولاً مبتكرة لتقليص تكاليف الإنتاج وتحقيق وفورات كبيرة للشركة».

ويستهدف مركز الأبحاث والتطوير تعزيز انطلاقة ارامكو السعودية كرائد عالمي لتقنية البحوث البترولية، ويدعم الأهداف الاستراتيجية من استمرار احتلال البترول مكانته في الصدارة كسلعة حيوية يعتمد عليها العالم في المستقبل البعيد لتلبية احتياجاته من الطاقة والمواد الخام، ويعزز قدرة الشركة من الاستفادة المثلى من الثروة الهيدروكروبونية في باطن الأرض، والاستجابة لمتطلبات السوق، وإيجاد استخدامات جديدة للبترول في منتجات وعمليات تصنيعية مبتكرة.

ويتحدث مدير المركز الدكتور حسين السنيدي لـ«الشرق الاوسط» عن دور المركز في توطين تقنية صناعة البترول وتطوير أعمال شركة ارامكو السعودية مؤكداً «أن شركات النفط تحتاج إلى دعم بحثي متواصل من أجل دعم عمليات التشغيل كالحفر والتنقيب والتكرير والإنتاج وحل مشاكل المرافق التشغيلية، ومن أجل تقديم الأبحاث التي تدعم الشركة في المستقبل، من حيث تعزيز قدراتها التنافسية في عالم النفط واكتشاف مصادر جديدة، وتطوير تلك المصادر بطريقة حديثة، والبحث وكذلك تطوير التقنية الحديثة».

ويضيف أن المركز يعتمد على أكثر من 35 سنة من الخبرة المتراكمة لدعم احتياجات الشركة التشغيلية، وفي الأربع سنوات الماضية بدأ المركز يوجه استراتيجياتها نحو تلبية احتياجات الشركة من الأبحاث الاستراتيجية التي تهتم بحماية النفط كمصدر للطاقة والمواصلات.

ويقول خليل الشافعي رئيس قسم البحث والتقنية إن المركز تطور من مجرد معهد للأبحاث إلى مركز ليعمل من أجل تخفيض تكلفة انتاج البترول، وخلق أسواق جديدة للنفط، والعمل على ايجاد مجال اكبر لصناعة المواد الخاصة المستخرجة من البترول في السوق المحلية، من أجل زيادة الطلب على منتجات النفط وفتح أسواق جديدة لمشتقاته، وأعتبر ان السعودية هي المركز الرئيسي في الشرق الاوسط لخدمات البترول.

ويقول الدكتور سامي النعيم رئيس قسم بحوث الإنتاج والتنقيب، إن البترول فقد خلال السنوات العشر الماضية جزءاً بسيطاً من السوق بسبب التشريعات الخاصة بالبيئة، وبالتالي يتعين على الباحثين إيجاد حلول للمشكلات البيئية لإعادة ما فقده البترول في مجال توليد الكهرباء والمواصلات. ويضيف أن ثمة تقنيات جديدة طورت لتفادي المشاكل البيئية وهي تستهدف إيجاد حلول جذرية لضمان استمرار البترول كمصدر اولي وأساسي للطاقة.

وعن المشكلات البيئية ودور المركز في ايجاد الحلول لها، يقول المهندس خليل الشافعي رئيس قسم البحث والتقنية إن إدارة البيئة تراقب جميع مصادر التلوث في مواقع الاعمال والمعامل التي تشغلها ارامكو السعودية، ويضيف أن هناك معايير عالمية ومحلية بالاضافة لمعايير خاصة بأرامكو لمراقبة اجراءات السلامة البيئية ومواجهة أية مخاطر بيئية بصرامة.

وسألت «الشرق الأوسط» عن دور المركز في ايجاد بدائل عن عمليات حقن المياه في الآبار لرفع مستوى الضغط، مما ينتج عنه مشكلات في مخزون المياه الجوفية او تسريب مياه تحمل شوائب بترولية، فنفى الدكتور سامي النعيم وجود أية تقنية تعتمد على حقن الآبار بمياه جوفية، مضيفاً أن جزءاً مهماً من هذه المخاوف يعتمد على مجرد (أوهام) بعيدة عن التصورات الحقيقية.

وقال النعيم إن هناك ثلاث انواع من المياه التي تضخها الشركة في مكامن البترول هي: الماء ذو الرواسب النفطية حيث يعاد ضخه في المكمن، ومياه البحار المعالجة، التي تجري معالجتها في معمل (القرية) لإزالة الشوائب وضخها في المكمن. القسم الثالث هي المياه الغير صالحة للشرب والتي توجد في بعض المكامن غير الاستراتيجية وقد جرى الاستغناء عن هذه التقنية اخيراً بعد توسعة معمل القرية.

الدكتور محمد عبد العزيز الأنصاري، رئيس قسم حماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، تحدث الى «الشرق الاوسط» عن براءات الاختراع التي حصل عليها الباحثون في الشركة وسجلت عالمياً، معتبراً أن المركز نجح بشكل غير مسبوق في تخفيض تكلفة الإنتاج وتطوير تقنيات عالية المستوى في ايجاد حلول استراتيجية لعمليات التشغيل والاستفادة القصوى من المواد، وتحدث عن بعض التقنيات التي طورت سواء في حقل شيبة ومناطق التشغيل في الربع الخالي، أو تلك المعتمدة على حفر آبار افقية ومتشعبة، وايجاد حلول للمشكلات التي تواجه مثل هذه العمليات.

واعتبر ان الشركة نجحت في توطين التقنية المتقدمة في مجالات التنقيب والتكرير والتشغيل، وحصلت أرامكو السعودية على أكثر من 25 براءة اختراع مسجلة عالمياً، وهناك ما يزيد على 150 براءة اختراع في طور البحث والتسجيل في دول مختلفة. وقامت ارامكو السعودية بتأسيس فريق متخصص لحماية هذه الأبحاث وتطبيق المستلزمات القانونية التي تحمي الحقوق الفكرية وبراءات الاختراع وتساعد على الاستغلال التجاري لهذه الابتكارات.

وقد قام فريق بحث علمي من مركز البحوث والتطوير يضم الدكتور بشير دبوسي، المهندس أنور الخواجة، الدكتور غازي مارتيني، بتطوير وقود بترولي خاص في استخدامه في خلايا الوقود. وتم تسجيل هذا الابتكار بمكتب براءات الاختراع الأميركي والحصول على براءة اختراع.

كما تم تطوير تقنية جديدة عن طريق مجموعة من الجيولوجيين والجيوكيميائيين بمركز البحوث والتطوير تسمى «مؤشر انتاجية الزيت الحراري» والتي سجلت براءة اختراعها لأرامكو السعودية. وتم أخيرا ترخيص هذه التقنية لبيعها عالمياً. وتقدم هذه التقنية تقييماً مستقلاً لقدرة المكامن على إنتاج الزيت، وتحديد خصائص التكوينات في باطن الأرض، بهدف تعزيز وسائل التقييم التقليدية التي تستخدم عادة في عمليات دراسة المكامن، ومدى وفرة وتركيز المواد الهيدروكربونية في باطنها، ولمعرفة مدى الجدوى الاقتصادية من استخراج هذه المواد من المكامن.

وأعلن أخيراً أن مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة الأميركية منح المهندس حسين المحروس مهندس الوقاية الكاثودية في شركة أرامكو السعودية براءة اختراع لتطويره تقنية جديدة تعزز حماية أنابيب تغليف جدران آبار الزيت والغاز وتحميها من التآكل. وتعد أهم المشاريع التي تساهم الشركة في مجالات تطويرها: تقنيات التآكل والمواد، حيث يتوصل مهندسو الشركة لابتكار مهارات وخبرات فنية متقدمة على مستوى صناعة الزيت لتطبيق تقنيات الحد من التآكل الناجم عن مركبات الكبريت.

وتعد التقنيات الجديدة في مجال حفر الآبار والإنتاج، مثل استخدام التطبيقات الكيميائية الجديدة، وتقنيات الإنجاز المتعدد المراحل للآبار، من الإنجازات التقنية التي يقوم بها المركز، وأصبحت شركة أرامكو السعودية من خلال تقنيات ذاتية التمويل أول شركة زيت في العالم تطور أساليب التسريع الخطي المتطورة والمنقولة لأعمال الفحص غير الإتلافي وذلك لإجراء قياسات الصلاحية للخدمة باستخدام الاشعة. وفي مجال خدمة الآبار، طور الباحثون بعض الابتكارات منها تصميم منصة آبار متحركة، وأداة لفك أغطية الآبار، وصناعة أداة منع السريان العكسي، وصمام كبح قابل للاسترداد من جوف البئر. كما شملت الابداعات اساليب جديدة لصيانة المعدات القديمة، وإدخال بعض التحسينات على تصميم بعض المعدات لتتفق وظروف التشغيل الاستثنائية في بعض بيئات العمل الصعبة.

كذلك توصلت الشركة إلى تطوير طريقة مبتكرة لإعادة توصيل أجزاء خطوط الأنابيب ذات الضغط العالي والمبطنة بالإسمنت، واستثمرت ارامكو السعودية خلال الاعوام الماضية لدعم المشروعات الاكاديمية البحثية المشتركة داخل المملكة ويتعاون مركز الابحاث والتطوير في ارامكو السعودية في هذا المجال مع عدة مراكز أبحاث سعودية وأجنبية، بينها مركز البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، وسابك، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.