مبعوث الولايات المتحدة في الأطلسي: فضيحة الانتهاكات أغرقت حكومة بوش في أزمة

TT

قد يختلف الدبلوماسيون والمسؤولون السياسيون والمحللون الاميركيون على اشياء كثيرة، الا انهم يتفقون على ان فضيحة الانتهاكات التي عصفت بالولايات المتحدة اخيرا تمثل عنصرا لن يمكن التعافي من عواقبه لأمد طويل. ويتساءلون عما اذا كان يمكن لوزارة الخارجية الاميركية التي علقت صدور تقريرها السنوي لحقوق الانسان، ان تعود لتوزيع انتقاداتها ذات اليمين وذات الشمال في أي وقت قريب.

والامر لا يتعلق بمجرد انتقادات قد توجهها الحكومة الاميركية لحكومات الدول الاجنبية، ولكنه يتعلق بالدرجة الرئيسية بخسارة الدافع الاخلاقي الذي غالبا ما كانت تستخدمه الولايات المتحدة لاحتلال الضفة المعنوية المرتفعة للسياسة الدولية. وهذا هو المصدر الرئيسي للمشكلة.

وامس، قال نيكولاس بيرنز مبعوث الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي ان الفضيحة المتعلقة بتعذيب معتقلين عراقيين على أيدي قوات أميركية أغرقت حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش في أزمة. ومضى يقول ان بوش ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد وزعماء حكوميين أميركيين اخرين يدركون تماما حجم الضرر الناجم عن فضيحة تعذيب المعتقلين. وقال بيرنز للمجلس الالماني للشؤون الخارجية في برلين «انها أزمة كبيرة للحكومة في بلادنا. تمثل احراجا لبلادنا». واقرت ادارة الرئيس بوش علنا بان الفضحية هي كارثة بالنسبة لسياستها الخارجية وتسعى حاليا الى مواجهة حملة انتقادات حادة في البلاد قد تحمل في طياتها انعكاسات خطيرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة. واثارت صور معتقلين عراقيين عراة يتعرضون للاذلال بيد جنود اميركيين، موجة كبيرة من الاستنكار والشعور بالخزي لم تشهده البلاد منذ الكشف عن المجازر التي راح ضحيتها مئات الفيتناميين في قرية ماي لاي الفيتنامينة عام 1968. وقال السناتور تيد كيندي انه بالنسبة للشرق الاوسط فان «رمز اميركا ليس تمثال الحرية بل صورة معتقل يقف على صندوق وقد غطي رأسه بقناع اسود كما غطي جسده بلباس اسود وثبتت على جسده اسلاك».

ورأى اعضاء اخرون في الكونغرس سيعقدون جلسات استماع الجمعة الماضي، ان الصور وضعت التحالفات على المحك، واعاقت الحرب على الارهاب ووضعت الجنود والمواطنين الاميركيين في الخارج في خطر. ويؤكد رجل الكونغرس الجمهوري توم كول ممثل ولاية اوكلاهوما «يجب ألا نخدع انفسنا. هذه الفضيحة هي بمثابة بيرل هاربر بالنسبة للعلاقات العامة السياسية» في اشارة الى الهجوم الياباني عام 1941 على ميناء بيرل هاربر الذي دفع بالولايات المتحدة الى دخول الحرب العالمية الثانية. واعربت الصحف الاميركية كذلك عن خوفها من خسارة اميركا لمكانتها في العالم.

واعرب توماس فريدمان في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن غضبه وقال «ان الولايات المتحدة تتعرض لخطر خسارة سمعتها الاخلاقية ومكانتها كمصدر وحي للعالم». وثارت العديد من التساؤلات حول التأثير الذي ستتركه فضيحة اساءة معاملة المعتقلين العراقيين على المبادرات الاميركية حول العالم مثل اعادة السلطة للعراقيين وعملية السلام في الشرق الاوسط والجهود العالمية لتعقب ارهابيي «القاعدة». الا ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول اعرب عن ثقته بان الولايات المتحدة ستتغلب على الازمة، مقرا في الوقت نفسه بان الصور المريعة التي خرجت من معتقل ابو غريب قرب بغداد «اضرت للغاية» باهداف السياسة الخارجية الاميركية.

ولا تقتصر مشاكل واشنطن على الشرق الاوسط. فقد اكد ريتشارد ارميتاج نائب باول ان انعكاسات الفضيحة قد تكون اكبر في صفوف الحلفاء الاوروبيين الذين اعتبروا ان ما جرى للمعتقلين «يصل الى مستوى التعذيب». وقال ارميتاج في مقابلة مع شبكة سي.ان.ان الاخبارية الخميس الماضي انه «في العالم العربي يسود شعور بالصدمة والاشمئزاز، لكن في بعض مناطقه لم تكن لدينا شعبية منذ البداية». واضاف «ولذلك فانا اعتقد ان رد الفعل الاوروبي اهم قليلا». ولا تستطيع واشنطن طلب المساعدة من حليفتها القوية بريطانيا، لان حكومة رئيس الوزراء توني بلير تعاني كذلك من فضيحة اساءة معاملة معتقلين عراقيين بيد جنود بريطانيين في وقت انخفض فيه التأييد للحرب على العراق الى مستوى متدن. اما في الولايات المتحدة فقد كان من الصعب قراءة تأثير الفضيحة على الشعب الاميركي. فقد اظهر استطلاع للرأي نشره معهد غالوب الجمعة ان التأييد للاحتلال لم ينخفض إلا بنسبة ضئيلة، كما لم يتغير موقف الرأي العام بشأن كيفية سير الحرب في العراق.

ولكن ومع اعتراف المسؤولين بوجود مئات الصور الاخرى حول اساءة معاملة المعتقلين في العراق من بينها على الاقل شريطا فيديو، يقول المحللون ان الكشف عن مزيد من المعلومات والصور قد يقوي المعارضة الشعبية للعملية الاميركية في العراق. وقالت كارول دوهيرتي المحررة في مركز بيو للابحاث «اذا ساد شعور بان الجيش لا يقوم بواجبه بالشكل الصحيح في العراق (...) فان ذلك قد يقوض التأييد للحرب». ويواجه بوش بشكل خاص مشكلة كبرى، فهو الذي يتباهى بمهاراته كقائد عام للجيش في الحملة الانتخابية الحامية للرئاسة والتي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) امام منافسه السناتور الديمقراطي جون كيري.