المثقفون المحافظون الأميركيون يتمردون على إدارة بوش ويتهمونها بالافتقار لأفكار جديدة

TT

بعد ثلاث سنوات من العمل في الشؤون الخارجية والداخلية تواجه ادارة بوش تذمرا من المثقفين المحافظين من كونها فقدت قدرتها على ابتكار سياسات جديدة.

والقضية الرئيسية في سياسة بوش الخارجية ـ السعي الى تحويل العراق الى نظام ديمقراطي آمن ـ تتقوض بسبب تمرد شديد ونشر صور تكشف عن وحشية حراس السجن الأميركيين. وعلى الصعيد الداخلي يقول محافظون ومسؤولون سابقون في الادارة ان سياسة البيت البيض تعاني من سياسات دافعها الملاءمة السياسية أو الايديولوجية أكثر منها الحقائق والخبرة. وأصبح المحافظون متململين على نحو استثنائي. وفي يوم الثلاثاء الماضي انتقد كاتب العمود جورج ويل بشدة سياسة الادارة بشأن العراق، وقال ان «هذه الادارة لا يمكن الثقة بها في ان تحكم اذا لم يمكن الاعتماد عليها في التفكير في الاستماع الى آراء أخرى والقيام باعادة نظر». وقبل يومين من ذلك قال روبرت كاغان، المؤيد غير المحافظ للحرب على العراق، ان «الجميع، باستثناء الموالين لبوش بصورة عمياء، يمكنهم أن يروا أن مسؤولي ادارة بوش ليست لديهم فكرة عما يتعين فعله في العراق غدا، أو في فترة تقل عن الشهر من الآن».

والشكاوى من سياسة بوش تجاه العراق جديدة نسبيا، ولكنها بمعنى ما مماثلة لنقد مستمر بشأن سياسات بوش الداخلية. وفي كتاب صدر أوائل العام الحالي وصف بول أونيل، وزير الخزانة السابق، الرئيس بوش بأنه «أعمى في غرفة مليئة بالصم»، وقال ان صناع السياسة يضعون السياسة قبل القرارات السياسية السليمة.

وقال أونيل، وهو يردد أصداء النقد الذي عبر عنه مساعد بوش السابق جون ديليليو، ان «الفارق الكبير» بين عمله في الحكومة في سنوات السبعينات وفي ادارة بوش «هو أن مجموعتنا كانت في معظم الأحيان ترتبط بالدلائل والتحليل، بينما يبدو ان مجموعة كارل روف وديك تشيني وكارين هيوز وأفراد الزمرة الآخرين يرتبطون في معظم الاحيان بالاساليب».

وقال مايكل فرانك، نائب رئيس صندوق التراث ان نقد أونيل وويل وكاغان يتميز بشيء مشترك، هو القلق من أن الادارة «تستخدم دليل ألعاب» ولا تأتي بافكار جريئة كافية، سواء كان الموضوع يتعلق بالاصلاح أو بتحقيق السلام في العراق. وأضاف ان المثقفين المحافظين ينتقدون سياسة السير الى منتصف الطريق.

وقال خبير متمرس في فريق عمل محافظ طالبا عدم الاشارة الى اسمه «انه استنزاف السلطة. فالآيديولوجيا تواجه الواقع، وقد انحنت الآيديولوجيا. وعلى الصعيد الداخلي انحنت في اطار الاجراءات المتخذة بشأن قانون الرعاية الطبية. وعلى صعيد السياسة الخارجية انحنت بسبب ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية في الفلوجة».

وعارض متحدث باسم بوش تلك الفكرة مشيرا الى أنه لم يكن هناك توقف في صنع السياسة لدى بوش. وقال المتحدث ترينت دوفي «نحن نسير الى الامام»، واضاف، مشيرا الى خطط بوش في ما يتعلق بالتدريب في مجال التعليم واستكشاف الفضاء وتحديث السجلات الصحية «انه يواصل اتخاذ وتطبيق السياسات التي تجعل البلد أفضل وأقوى».

ان جزءا من الاعياء السياسي الحالي في البيت الأبيض هو انعكاس للأجندة السياسية، فمع قرب الانتخابات الرئاسية هناك احتمال ضعيف في أن الكونغرس المنقسم سيقر تشريعا جديدا العام الحالي بغض النظر عما يقترحه البيت الأبيض. وقال مساعد سابق لبوش رفض، شأن بعض المحافظين الذين قابلناهم، أن يشار الى اسمه لتجنب الاشكالات مع البيت الأبيض «ان الوضع هو توليفة من تحدي طرح أي شيء في الكونغرس في الوقت الحالي، ومن كون هذا الوقت هو عام الانتخابات».

ولكن خبراء السياسة من المحافظين وعددا من مسؤولي ادارة بوش السابقين يقولون ان هناك مزيدا من الأسباب الشاملة للتصلب السياسي. وقالوا انه لفترة ثلاث سنوات دفع الرئيس باتجاه سياسات طرحت في حملته الانتخابية عام 2000، ولكن ارتباطا بكون معظم تلك الأفكار سنت كقوانين أو اوقفت، فان المشرعين قد استنفدوا طاقاتهم.

كما أحبط بوش ذلك النمط من الجدل السياسي الحر التي ميزت الادارات السابقة، وهو يعتمد على أسلوب ادارة هرمية. وفي الوقت نفسه فان الكثير من كبار خبراء السياسة الداخلية في البيت البيض قد انتقلوا الى وظائف أخرى. وفي حالات كثيرة حل محلهم تابعون خبرتهم في العمل اقل كثيرا.

وقال بروس بارليت، الاقتصادي المحافظ الذي يعمل في المركز القومي للتحليل السياسي، ان أفكار السياسة تأتي عادة من خبراء داخل الوكالات الفيدرالية ممن يوحدون مجموعات عمل ويعدون مسودات التقارير الحكومية ويسوقون سلعهم في سوق الأفكار ويأملون ان يعمل مسؤولو البيت الأبيض في اطار اقتراحاتهم. وفي هذه الحالة تنشأ الأفكار في البيت الأبيض لأسباب سياسية أو آيديولوجية، ثم تدفع الى الموظفين «ليس لغرض التحليل وانما لغرض التسويق» حسب قول بارليت.

وتكون النتيجة هي ان البيت الأبيض اصبح ضعيف الخيال في السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ويصارع لايجاد سياسات جديدة يجري تبنيها لتغيير الظروف في العراق، وفقا لما قاله عدد من المحافظين.

وقال ديفيد بوز نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كاتو الذي نظم الأسبوع الماضي ندوة تحت عنوان «انتصار المأجورين؟» انه «في العراق لا يرى المرء التفكير. فالأمور لم تحدث كما خططنا لها. ما الذي نفعله الآن؟».

وقال ريتشارد ران، وهو اقتصادي جمهوري بارز، انه «منذ بداية ادارة بوش حذر خبراء اقتصاديون متعاطفون مسؤوليها بشأن الحاجة الى تفادي بعض الأخطاء الواضحة. ومن سوء الحظ لم يجر الاستماع الى تلك التحذيرات».

وفي مقابلة معه قال ران انه يشعر بالقلق بشأن ما يرى انه «افتقار الى الرؤية والثبات في السياسة» في ادارة بوش، مضيفا «أعني اننا كنا نعرف أين كان ريغان يتجه. وفي بعض الأحيان كانت هناك انحرافات عن الطريق، ولكننا كنا نعرف ما تجري عليه الأمور». وقال انه على النقيض من ذلك «لا يبدو ان هناك الآن رؤية سياسية واضحة».

ويعزو البعض الخمول السياسي الى التغييرات في ملاك الموظفين خصوصا على الصعيد الداخلي. وعلى سبيل المثال ترك ثلاثة من المتمرسين في الادارات السابقة للبيت الأبيض ممن يتمتعون بخبرة طويلة في واشنطن أدوارهم في صنع السياسة، وكان من حلوا محلهم، على الرغم من قابلياتهم، أقل خبرة في ميدان صنع السياسة».

فقد استبدل جوشوا بولتون نائب رئيس الموظفين للشؤون السياسية لتحل محله هارييت مايرز، وهي محامية من تكساس ورئيسة سابقة للجنة يانصيب تكساس. واستبدل جاي ليفكوفيتز، مدير مجلس السياسة الداخلية، لتحل محله كريستين سيلفربيرغ التي كانت مساعدة شابة لبولتون. واستبدل لورانس ليندسي كبير المستشارين الاقتصاديين ليحل محله المصرفي ستيفن فريدمان.

وعلى النحو ذاته استبدل جون بريجلاند المدير السابق لمجلس السياسة الداخلية والذي عمل مديرا لمبادرة بوش التي حملت اسم فيلق الحرية الأميركي لتحل محله ديزايري سايل المديرة السابقة للمراسلات في البيت الأبيض. واستبدل أستاذ السياسة العامة ديلوليو كرئيس لمبادرة بوش «الدينية» ليحل محله جيم توي الذي يتمتع بصلات مع شقيق الرئيس حاكم ولاية فلوريدا جيب بوش. وغادر خبراء بارزون في مجالات الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية البيت الأبيض واستبدلوا بأشخاص اقل خبرة.

وفي مقابلات معهم وصف مسؤولون سابقون في الادارة الحالية وثلاث ادارات سابقة فريق سياسة بوش الداخلية باعتباره ساذجا على نحو غير مألوف، خصوصا بالمقارنة مع كارل روف كبير مستشاري بوش السياسيين. وفي ندوة كاتو الأسبوع الماضي قال كاتب خطابات بوش السابق ديفيد فروم ان روف شخص مهم في البيت الأبيض.

وقال بروس ريد، الرئيس السابق للجنة السياسة الداخلية في ادارة كلينتون ومؤلف بحث حول تفضيل المسؤولين السياسيين لقليلي الخبرة في البيت الأبيض الحالي «لا أعتقد أنه يجب ان يكون الشخص الأهم في البيت الأبيض. ان كل ادارة للبيت الأبيض ترتبط بمصالح واهتمامات الرئيس وفي معظم الوقت يبدو هذا الرئيس مستمتعا بصورة أكبر في اساليب العمل وليس المنهج السياسي».

*خدمة «واشنطن بوست «خاص بـ«الشرق الأوسط»