مقتل الرئيس الشيشاني يترك فراغا ويطلق سباقا ثلاثيا لملء كرسيه الشاغر

TT

شيع ثلاثة آلاف شخص من الاوساط الدينية والسياسية والعسكرية في الشيشان جثمان الرئيس حاج احمد قادروف الذي ووري الثرى في بلدته ومسقط رأسه تسينتروي بمنطقة شالي جنوب شرقي العاصمة غروزني. وتتواصل التحقيقات الآن حول ظروف مقتله في الوقت الذي لم يعلن فيه أحد بعد مسؤوليته عن الحادث.

وقالت المصادر ان حصيلة الانفجار سبعة قتلى بينهم رئيس مجلس الدولة حسين عيسايف وطفلة تبلغ من العمر ثمانية اعوام ومراسل وكالة «رويترز» في الشيشان واثنان من الحرس الشخصي للرئيس الراحل. ولا يزال الجنرال الروسي فاليري رومانوف، قائد القوات الموحدة في شمال القوقاز، في غرفة الانعاش بعد ان قرر الاطباء بتر ساقه في محاولة لانقاذ حياته. وفي الوقت الذي تجنح فيه بعض القيادات السياسية إلى اهمية فرض نظام الحكم الرئاسي في الشيشان، نظرا لصعوبة توفير البديل لخلافة قادروف، تشير الشواهد إلى بدء سباق الترشيحات للفوز بالمنصب الشاغر، بعد استقبال الرئيس فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء في الشيشان، سيرغي ابراموف لتكليفه بالعمل قائما باعمال رئيس الجمهورية الشيشانية بموجب الدستور الشيشاني.

وينص هذا الدستور، الذي اقر في استفتاء شعبي في مارس (اذار) من العام الماضي، على ان يتولى رئيس الوزراء مهام رئيس الجمهورية في حالة غيابه وحتمية الاعداد لانتخابات جديدة في غضون اربعة اشهر، وهو ما يعني ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في الشيشان في موعد اقصاه التاسع من سبتمبر (ايلول) المقبل.

وكان بوتين قد سارع، بعد الاعلان عن وفاة قادروف، الى استقبال ابنه رمضان في الكرملين. وكان رمضان يشغل منصب قائد الحرس الشخصي للرئيس الشيشاني وقام بدور بارز خلال الفترة الاخيرة لاقناع الكثيرين من القيادات الشيشانية القريبة من الرئيس السابق اصلان مسعدوف بالاستسلام مقابل مساعدتهم في الحصول على عفو الكرملين.

ولعل هذان اللقاءان مع رمضان وابراموف، الروسي الاصل الذى يصعب ترشيحه لمنصب رئيس الشيشان، يمكن ان يكون وراء ظهور التعليقات التي تقول ان الكرملين اطلق اشارة البدء لسباق الترشيحات للفوز بهذا المنصب. ورغم صغر سن رمضان قادروف، فإن الكثيرين لا يستبعدون خوضه السباق استنادا إلى الظروف الاستثنائية والتقاليد القبلية الجبلية الشيشانية وثقل وزن انصار الرئيس الشيشاني الراحل، وان حالت دون ذلك المادة 66 من الدستور الشيشاني التي تنص على ان المرشح لمنصب الرئيس ينبغي الا يقل عمره عن ثلاثين عاما، في الوقت الذي يبلغ فيه رمضان 28 عاما فيما يقول آخرون انه لم يتعد بعد 22 سنة. وتشير شواهد الخريطة السياسية في الشيشان إلى وجود الكثير من الشخصيات البارزة التي يؤهلها تاريخها وتجاربها لخوض المعركة الانتخابية. ومن هؤلاء من كان مرشحا في الانتخابات الماضية واتخذ قرار الانسحاب بإيعاز، وفي احيان أخرى تحت ضغط، من جانب الكرملين وان لم يجر الاعلان عن ذلك صراحة.

وتضم قائمة الترشيحات الجنرال اصلان بك اصلاخانوف، عضو مجلس الدوما السابق الذي انسحب من الانتخابات الماضية ليقنع بتعيينه مساعدا للرئيس الروسي لشؤون الشيشان. وهناك ايضا بيسلان جانتاميروف عمدة العاصمة الشيشانية غروزني الاسبق الذي اتخذ بوتين قرار الافراج عنه من سجون موسكو في عام 1999 ليكون دعما له في مواجهة خصوم الامس من المقاتلين الشيشان، وان ظل جانتاميروف في خلاف دائم مع الرئيس الشيشاني الراحل.

وتضم القائمة كذلك رجل الاعمال الشيشاني مالك سيد اللايف الذي لم يستطع المشاركة في الانتخابات الماضية لظروف لا يزال الغموض يكتنف الكثير من جوانبها. وهناك ايضا حسين جبرائيلوف، رجل الاعمال الذي ترددت انباء عن انه اضطر إلى اعلان انسحابه من الانتخابات الماضية نزولا على ارادة الكرملين لافساح الساحة امام حاج احمد قادروف.

ويظل غير بعيد عن الانظار البروفيسور روسلان حسب اللاتوف، رئيس السوفيات الاعلى لروسيا الاتحادية في مطلع التسعينات والذي اكتسب الكثير من شعبيته وشهرته من صدامه مع الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وتعرضه مع انصاره لقصف الدبابات في مقر البرلمان الروسي في الرابع من اكتوبر (تشرين الاول) 1993 .

وهناك من يتوقع احتمالات عودة دوكو زافغايف الذي كان رئيسا للسوفيات الاعلى في الشيشان في مطلع التسعينات وخاض مواجهة دموية مع الجنرال جوهر دودايف الذي كان يحظى آنذاك بدعم الرئيس الروسي السابق يلتسين. لكن زافغايف سرعان ما عاد ليحظى بثقة يلتسين الذي اضطر إلى معاودة دعمه للفوز بمنصب رئيس الشيشان عام 1996. لكنه اضطر إلى الرحيل عن الشيشان ليعينه يلتسين سفيرا لموسكو في تنزانيا حتى عاد مؤخرا ليشغل في الآونة الراهنة منصب نائب وزير الخارجية الروسية.

على ان التطورات الاخيرة تقول ان الكرملين يبدو مدعوا لحصر خياراته في اطار الثلاثي الذي يظل يحظى بأكبر قدر من ثقته: رمضان قادروف، والجنرال اصلاخانوف، وجانتاميروف، في الوقت الذي قد تحدد فيه التحقيقات في الحادث الاخير الكثير من ملامح الموقف في الفترة المقبلة. ويرتبط هذا الطرح بما يقال من اختراق اجهزة الامن الشيشانية وتزايد عدم ثقة القوات الفيدرالية في هذه الاجهزة التي ثمة من يحملها هي نفسها مسؤولية قتل قادروف.

ولعل ذلك هو ما يدفع عددا من القيادات البرلمانية والسياسية في موسكو إلى الجنوح نحو خيار فرض نظام الحكم الرئاسي في الشيشان بما يضع هذه الجمهورية تحت السيطرة المباشرة من جانب الكرملين.

ونظرا لغياب نص دستوري يمكن ان يبرر مثل هذا الخيار فمن الممكن اللجوء إلى الثغرات التي توفر فرصة استمرار رئيس الحكومة الشيشانية الروسي الاصل ورغم صغر سنه، 30 عاما، في منصبه كقائم بأعمال رئيس الشيشان. والأرجح ان فترة بقائه في هذ المنصب قد تمتد إلى ما يقرب من العام ريثما تستطيع القوات الفيدرالية خلالها من «الانتهاء من مهمتها في القضاء على فلول الثوار».

واذا كان ثمة من يتناول مثل هذا الطرح من منظور ما يسمى «التحليل بالتمني»، فإن احداث الاسابيع القريبة المقبلة ونتائج التحقيقات في حادث غروزني لا بد ان تحدد الكثير من ملامح سياسات الكرملين تجاه الشيشان في المستقبل.