وثائق التحقيق مع أصولي تعتقله ألمانيا تكشف مناقشة بين الزرقاوي وبن لادن وخلافات حول الأموال

شادي عبد الله أبلغ المحققين بأسماء قادة الخلايا في ألمانيا وبريطانيا والدنمارك وجمهورية التشيك

TT

كان جميع الارهابيين يريدون شادي عبد الله في فريقهم، وشأن كثير من الشباب المسلمين المحبطين في اواخر تسعينات القرن الماضي، بدأ عبد الله الأردني المولد رحلة قادته الى معسكرات التدريب الارهابية في أفغانستان. ولكن من الواضح ان عبد الله كان تلميذا متقدما على معظم أقرانه. وعندما اقتربت فترة تدريبه في المعسكرات من الانتهاء عام 2001، بدأت جماعتان اصوليتان على الاقل التنافس على الاستفادة من خدماته.

وفي مقابلة وجها لوجه دعاه اسامة بن لادن الى الانضمام الى «القاعدة»، بل طلب منه العمل كحارس شخصي. فيما اراد أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الشهير الآن بمسؤوليته عن الهجمات الاخيرة في العراق، ان ينضم عبد الله الى جماعة «التوحيد»، وهي المنظمة المنافسة التي يقودها الزرقاوي.

واختار عبد الله الانضمام الى التوحيد وكان ذلك يعود في جانب منه الى الصلات الأردنية. وذهب الى ألمانيا لتنفيذ هجمات، ولكن خططه اخفقت عندما اعتقلته السلطات الألمانية في أبريل (نيسان) 2002.

ولم يكن هذا نهاية قصته. فمنذ ذلك الحين رسمت المعلومات التي قدمها شادي عبد الله، الذي ما يزال قيد الاعتقال في ألمانيا، صورة نابضة بالحياة، بل مدهشة أحيانا عن الارهاب. وتصور التحقيقات التي اجريت معه عالما تمزقه الخصومات الداخلية حيث تتصارع الجماعات المختلفة على المال والرجال.

ويقول بروس هوفمان، الخبير بقضايا الارهاب في شركة ابحاث وتنمية في واشنطن «هذه وثيقة في غاية الأهمية. فهي تؤكد ان الزرقاوي كان يدير منظمة موازية ليست منفصلة بالكامل عن «القاعدة». وان الزرقاوي يتنافس مع أسامة بن لادن ويرى نفسه مضاهيا له، بل خليفة في العالم الاسلامي».

وبالنسبة للأميركيين يتجسد الارهاب الاصولي في رمزه أسامة بن لادن صاحب الوجه النحيف الجذاب. ولكن ذلك قد يكون جزءا واحدا من القصة. ففي المخطوطة التي تلخص التحقيقات التي أجريت معه يقدم شادي عبد الله معلومات هامة عن «القاعدة» وعلاقتها مع الجماعة التي يقودها الزرقاوي الذي يقول مسؤولون أميركيون انه يقف خلف اغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي في العاصمة الأردنية عمان في أكتوبر (تشرين الأول) 2002 ، وكذلك طائفة من الهجمات الأخيرة بالريسين عبر أوروبا.

كما انه يقدم معلومات هامة عن كيفية تبني المسلمين الساخطين الطريقة الارهابية في الحياة.

* السنوات الأولى

* شأن كثير من الشباب المسلمين الذين عاشوا في الشرق الأوسط، المضطرب سياسيا واقتصاديا في أوائل التسعينات ترك عبد الله عائلته في الأردن ليتابع حياة أكثر رخاء في أوروبا.

وعاش اطول فترة من حياته في ألمانيا، ولكنه كان متضايقا من الحياة العلمانية هناك، وغادرها أواخر عام 1999 ليصبح اكثر تمسكا بالدين. وقام بالحج الى مكة.

ويقول هوفمان ومسؤولون استخباراتيون ان تجنيد عبد الله ودخوله عالم الارهاب أمر نموذجي. فبينما كان يقوم بالحج يقول عبد الله انه التقى رجلا ادعى انه صهر بن لادن. وهذا الرجل الذي يشير اليه باسم عبد الله الحلبي او عبد الله المكي أقنعه بأنه سيتلقى تعليما دينيا افضل في أفغانستان وسهل سفره الى هناك، وفقا لوثيقة التحقيق معه.

ووصل عبد الله الى أفغانستان أوائل 2001 ودخل أحد معسكرات تدريب «القاعدة» العسكرية في دورة أمدها 45 يوما. وهنا كانت صلته مع جماعة التوحيد التي يقودها الزرقاوي الذي وجه رسالة من 14 صفحة أوائل العام الحالي الى أسامة بن لادن للمساعدة في دعم حرب دينية في العراق.

* الجماعة المنافسة

* ان منظمته، التوحيد، تستند الى الاسس ذاتها التي يستند اليها تنظيم «القاعدة»، ولكن أجندتها مختلفة. فمبرر وجود منظمة الزرقاوي هو الاطاحة بنظام الحكم في الأردن. ويقول عبد الله ان الانضمام الى منظمته يوجب على المرء ان يوافق على مهمته وان يكون من اصل أردني او فلسطيني.

وقال عبد الله ان رجلا في المعسكر التدريبي كان يسمى أبو عبد اقام علاقة صداقة معه، وابلغه انه تدرب على يد الزرقاوي في معسكر آخر في مدينة هرات التي تقع غرب أفغانستان. واقترح أبو عبد على عبد الله الانضمام الى جماعة الزرقاوي وربما اختراق المخابرات الأردنية كما فعل هو.

ويقول شادي عبد الله انه في اليوم العشرين من تدريبه العسكري اصيب بجرح، وقضى فترة قصيرة في المستشفى، ثم انتقل الى مجمع بن لادن الواقع قرب مطار قندهار. وهناك التقى بن لادن نفسه ودعي الى الانضمام الى «القاعدة». غير انه اختار ان يكمل تعليمه الديني فدخل معهدا دينيا في قندهار، وتعرف هناك على شابين آخرين وسافر معهما اخيرا الى العاصمة الأفغانية كابل للالتقاء بالزرقاوي. ويقول عبد الله ان الزرقاوي طلب منه العودة الى وطنه الأردن للمساعدة في تنفيذ عمليات ارهابية هناك. ورفض عبد الله، ولكنه قال انه يمكن ان يعود الى ألمانيا ويساعد الزرقاوي في تنفيذ هجمات ضد اليهود الذين يعيشون هناك، وهو ما يمكن ان يجعل من منظمة «التوحيد» اكثر شهرة حسب ما اورده عبد الله في وثيقة التحقيق معه.

وفي أغسطس (آب) 2001 عاد عبد الله الى ألمانيا حيث التقى رجل الزرقاوي المسؤول عن الخلايا الألمانية، والذي يشار اليه في الوثيقة باسم أبو علي. وقدم ابو علي مالا لعبد الله لتدبير معيشته ثم وجد له عملا في وقت لاحق.

ويضيف عبد الله انه في هذه المرحلة كان ثلاثة أشخاص يشكلون خلية الدعم وهم أبو علي وعبد الله ومجند آخر. وكانت مهمتهم الحصول على جوازات غير قانونية كان يشار اليها في المكالمات الهاتفية باسم «سيارات مغربية» او «نساء اسبانيات»، واقامة عقود هواتف محمولة غير قانونية، وجمع تبرعات، واعداد تفاصيل أية هجمات تصدر لهم الاوامر بتنفيذها.

وكان أبو علي، حسب ادعاء وثيقة التحقيق، على صلة مباشرة بالزرقاوي، كما انه كان على صلة بقادة الخلايا الاخرى الذين يعيشون في ألمانيا.

ويورد عبد الله أسماء قادة الخلايا في ميونيخ وهامبورغ وبرلين ونورمبيرغ وفيسبادن. كما يورد اسماء قادة خلايا بريطانيا والدنمارك وجمهورية التشيك.

ووفقا لما يقوله عبد الله فان أبو علي كان يسافر شهريا الى هذه المدن الألمانية الاخرى لتسلم الاموال من قادة الخلايا المحليين. ويزعم ان الاموال تأتي من متبرعين خاصين اضافة الى مجاميع في الجوامع. ويقول عبد الله ان أبو علي كان يعود من تلك السفرات بمبالغ تتراوح بين 3500 الى 4 آلاف دولار، وكان أبو علي يحول الاموال الى الزرقاوي الذي كان عندئذ يعيش في ايران.

وأبلغ أبو علي شادي عبد الله بأن الاموال تذهب الى التوحيد أو «القاعدة». ولكن عبد الله يروي أيضا انه كان هناك نزاع حول المال. ويقول ان أحد أهم قادة الخلايا أو جامعي الأموال هو رجل يحمل اسم «ثائر» وكان يعيش في ميونيخ. وطلب ان توزع الأموال بنسبة 50 في المائة لـ«القاعدة» و25 في المائة الى التوحيد و25 في المائة الى طالبان. ويقول عبد الله ان الزرقاوي لم يوافق على مثل هذا التقسيم.

ويضيف انه بسبب أبو علي يشك في ان السلطات الألمانية كانت تراقبه، فقد استبدله الزرقاوي في بداية عام 2002. وكان الرجل الجديد الذي يشار اليه في وثائق التحقيق باسم «أشرف» كان مسؤولا عن الخلية التي تضم عبد الله. وكانت مهمة أشرف تنفيذ عمليتين او ثلاث ضد «مؤسسات يهودية» في ألمانيا. ويقول شادي عبد الله ان الزرقاوي أعطى أوامره بشأن نوع الهجمات وهي في هذه الحالة تفجيرات انتحارية.

ولكن كان يتعين اعداد التفاصيل محليا. وقام أشرف بتوجيه عبد الله للاتصال هاتفيا بأعضاء الخلايا الاخرى للبحث عن المتفجرات التي كانوا يشيرون اليها باسم «الحبوب السوداء» و«التفاحات اللبنانية او الروسية»، ويدعي عبد الله انه اشترى متفجرات من «ألبان في هامبورغ».

ولكن الخطط توقفت بسبب اعتقاله. ووفقا لما ذكره مسؤولون استخباراتيون فان الزرقاوي وخلاياه المتنوعة نفذوا عددا من الهجمات الاضافية، بينها هجوم أبريل (نيسان) 2002 على معبد يهودي في منطقة جربة التونسية وقتل فيه 19 شخصا بينهم 14 من السياح الألمان.

ويقضي عبد الله في الوقت الحالي عقوبة بالسجن لمدة اربع سنوات في ألمانيا. وقد صدر بحقه حكم مخفف كما تقول السلطات الألمانية لأنه قدم معلومات عن القضايا الداخلية لـ«القاعدة»، وكان شاهدا في محاكمتي هامبورغ المرتبطتين بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، ومن المتوقع ان يقدم شهادة في محاكمات اخرى قادمة.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»