الإبراهيمي بين فكي كماشة في العراق: قوى مجلس الحكم تريد غير ما تريده القوى الأخرى للفترة الانتقالية

TT

شرع الأخضر الابراهيمي مبعوث الأمم المتحدة الى العراق في أداء مهمته العسيرة والمتمثلة في تشكيل حكومة عراقية انتقالية. ولكن خطته ناشتها، وهي في المهد، سهام النقد من جميع الجهات. فهذه الانتقادات لم تقتصر على مجلس الحكم العراقي، بل شملت كذلك الجهات التي ساعدت الابراهيمي في صياغة الخطة نفسها. فالاعتراضات من اعضاء مجلس الحكم العراقي لا تثير دهشة أحد، فباعتبارهم معينين لأسباب سياسية، فان اغلبهم سيفقدون وظائفهم اذا طبقت خطة الأخضر الابراهيمي.

ولكن الزعماء القبليين والدينيين اثاروا اعتراضات جدية من جانبهم. فهم يطالبون بهيئة أوسع وأكثر تمثيلا يختارها العراقيون عبر مؤسسات أهلية محلية، أي هيئة اقرب الى الحكومة ذات السيادة بكل ما لدى مثل هذه الهيئات من سلطات تشريعية. ويقولون ان هذا سيضع سابقة ايجابية للحكم الذاتي النهائي. واذا وضعنا في الاعتبار تاريخ البلاد المليء بالانقلابات وما ترزح تحته حاليا من الفوضى والعنف، فان مثل هذا الاجراء يمكن ان يطمئن العراقيين اذا حدث وأصبحت الحكومة المؤقتة حكومة ثابتة. وقال الشيخ عدنان الجنابي، المستشار في البنك الدولي والموظف السابق في منظمة «أوبك» الذي التقى الابراهيمي عدة مرات: «نريد سلطة انتقالية شرعية محصنة ضد التدخلات. واذا استطعنا ان نطور مع الأمم المتحدة حكومة قائمة على الشفافية وحاصلة على تأييد الشعب العراقي، فان الشعب العراقي سيسهل ميلاد مثل هذه الحكومة».

وكان الابراهيمي قد وضع خطة في زيارته الأخيرة لتشكيل حكومة تتسلم السلطة بعد 30 يونيو (حزيران) المقبل، موعد نقل السيادة من سلطات الاحتلال الأميركية. وسينتهي أجل هذه الحكومة في يناير (كانون الثاني) 2005، وهو الموعد لاجراء انتخابات عامة.

وستتكون هذه الحكومة أساسا من عناصر التكنوقراط، بسلطات تنفيذية محدودة، وسيكون هناك رئيس للدولة ونائبان له، انعكاسا للتقسيمات الاثنية والطائفية في العراق، كما سيكون للحكومة رئيس يقود مجلس الوزراء ويساهم بالمزيد من حفظ التوازن. ولكن هذه السلطة الانتقالية لن تتمتع بصلاحية تشريع القوانين.

وكان الابراهيمي قد قال في منتصف الشهر الماضي: «لدي ثقة مطلقة في أن أغلب العراقيين يرغبون في حل بسيط لهذه الفترة الانتقالية. فأنت لا تحتاج الى هيئة تشريعية لهذه الفترة القصيرة».

ولكن بعض القادة العراقيين يرغبون في قيام هيئة تشريعية توازن وتضبط السلطة التنفيذية. وقال الشيخ فاتح كاشف الغطاء، كبير مستشاري سلامة الخفاجي عضو مجلس الحكم: «اذا كانت خطة الابراهيمي تقوم على انشاء هيئة تنفيذية، فمن الذي سيضبط هذه الحكومة الانتقالية؟ من سيقول لها: أخطأت أيتها الحكومة الانتقالية؟».

ويتفق الجميع على أنهم يريدون سلطة أوسع تمثيلا من تلك التي يتصورها الابراهيمي والتي لا ينتظر منها أن تفعل أكثر من تهيئة الجو لاجراء الانتخابات الوطنية. وقد أشار مجلس الحكم الى أنه يريد أن يوكل دورا واضحا لأحزابه السياسية التي تمثل تكوينات إثنية ودينية.

وفي بيان صدر عنه السبت الماضي قال مجلس الحكم ان خطة الابراهيمي لا تحظى بتأييد شعبي واسع.

ومن الجانب الآخر فان الجنابي وبعض الآخرين يرفضون اسناد دور كبير لأغلب الأحزاب المكونة لمجلس الحكم. وقال الجنابي الذي يقود قبيلة سنية يقدر عدد أفرادها بنصف مليون نسمة: «ان هؤلاء جميعا صنائع أميركية. انهم لا يمثلون العراق. وهناك في العراق عدد كبير من الهيئات القبلية والمهنية ومنظمات النساء والجماعات الاثنية. هذا هو مجتمعنا المدني. وهذه ليست ادعاءات تطلقها منظمات تكونت بعد ان جاء الأميركيون الى العراق».

وكثير من العناصر التي تمارس الضغوط الآن من أجل انشاء هيئة تشريعية مؤقتة، هي نفسها التي أقنعت الابراهيمي في زيارته الأولى الى البلاد، بالدعوة الى جمعية وطنية على غرار «اللويا جيرغا» الافغانية، تضم ممثلين من كل ألوان الطيف العراقي، وليس فقط المجموعات الاثنية والطائفية.

وقال حسين علي الشعلان رئيس المجلس الوطني للعشائر: «اذا عقدت جمعية وطنية موسعة، فانه سيكون لدينا نوع من الانتخابات التي سيشارك فيها الناس. واذا كانت لديك جمعية كبيرة فان هذا يعني تحديدا وجود أعداء أقل من الأعداء الموجودين الآن في شوارع العراق».

وتنص خطة الابراهيمي على ان الجمعية الوطنية ستعقد بعد قيام السلطة التنفيذية وستختار «مجلسا استشاريا» يقدم استشاراته للحكومة القائمة. ولكن الشعلان والآخرين يريدون مجلسا استشاريا بصلاحيات أكبر. وكانوا قد اقترحوا على الابراهيمي عقد مجلس من 1500 عضو لمدة يومين، يختار بدوره مجلسا أصغر من 250 من بين أعضائه. ثم يقوم هذا المجلس الأصغر بدلا عن الرئيس ورئيس الوزراء باختيار الحكومة، ثم يكون مشرفا عليها أثناء الفترة الانتقالية باعتباره هيئة تشريعية مؤقتة. ويقول الشعلان وهو يشير الى هذا المجلس: «ان ميلاد الحكومة سيكون في هذه الحالة أكثر عراقية وأكثر شرعية مما سبقه. وسيكون له قبول أوسع في الشارع كما يمكنه ممارسة سلطاته السيادية».

ولكن بعض الخبراء يقولون إن اقامة سلطة تشريعية يمكن ان تطيل من أجل الفترة الانتقالية وربما تؤخر اجراء الانتخابات العامة.

وقال بارنيت روبين، الخبير الذي عمل مع الابراهيمي في اتفاقية بون حول التحولات المرتقبة في أفغانستان بعد سقوط حكم طالبان: «هم بالطبع يريدون حكومة ديمقراطية بأسرع فرصة ممكنة. ومن يمكن أن يلومهم على ذلك؟ ولكن هذا ليس ممكنا. فقد حاولنا تحقيق ذلك في بون، أي انشاء هيئة تشريعية مؤقتة، ولكن الأطراف المختلفة لم تصل الى أي اتفاق حول هذا الأمر».

وأشار روبين الى المجادلات التي ثارت أثناء صياغة الدستور الانتقالي العراقي، حيث اصر ممثلو الاكراد على ان يكون للأكراد حق الفيتو على أي تشريع يثير غضب الأغلبية الشيعية. وتوقع روبين ان تكون جمعية تشريعية مؤقتة عرضة لمثل هذه الصراعات المنهكة.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»